شام قطريب
تتصدر الواجهة المعيشية هذه الأيام قضية وجود مادة “الجوسيبول” السامة في زيت القطن الذي توفره وزارة التجارة الداخلية في صالاتها كبديل عن الزيوت الأخرى مثل دوار الشمس أو الذرة حيث يعتبر أرخص سعراً على المستهلك.. وتعتبر مادة الجوسيبول من المبيدات الحشرية التي تحمي القطن من الإصابات المرضية وزيت القطن لابد من القيام بتكرير هذا الزيت وتنقيته من هذه المادة السامة التي تتسبب بأضرار كبيرة في جسم الإنسان خاصة الكبد كما تتسبب بالعقم وتؤثر على نمو الجنين بالنسبة للحوامل!
القصة بدأت في شهر شباط من العام الجاري عندما رفع عدد من الأكاديميين تقريراً إلى وزير التجارة الداخلية السابق طلال برازي بعد أن أجروا تحليلاً لمادة الجوسيبول في زيوت القطن التي تباع في صالات التجارة الداخلية فوجدوا أن نسبته مرتفعة وتحدث أضراراً يمكن السكوت عنها حيث وعد الوزير حينها بحل الموضوع لكن التحرك تجاه هذا الموضوع لم يحدث إلا في 26/4/2021 أي بعد قرابة شهرين من رفع كتاب الأكاديميين إلى الوزارة حول مادة الجوسيبول، وهو تأخير كبير جداً إذا ما حسبنا كميات الزيت التي يتم بيعها في هذه الأثناء للمواطنين مع احتمال وجود نسب عالية من المادة السامة المسماة بالجوسيبول!
المهم أن اجتماعاً حصل في ذلك الوقت بناء على دعوة وزارة التجارة الداخلية وضم الأكاديميين الذين قاموا بتحليل زيت القطن وهيئة المواصفات والمقاييس وغرفتي التجارة والصناعة إلى جانب مختصين من الوزارة ومديرية المخابز.. لكن الأمر لم يحسم في حينها، وبقيت الأمور معلقة بين كيفية معرفة نسبة الجوسيبول في زيت القطن بشكل دقيق، وما هي النسبة المسموح بها عالمياً حتى يصبح هذا الزيت قابلاً للاستهلاك البشري!
اليوم نحن في الشهر التاسع، ولم يصل الأمر إلى نتائج حاسمة حيث الجميع ينتظرون نتائج التحاليل التي تجري في مخابر هيئة الطاقة الذرية التي ستبت في هذا الموضوع حول نسبة الجوسيبول في زيت القطن وما إن كان مناسباً للاستهلاك البشري أم لا! لكن في هذه الأثناء فإن وجود هذا الزيت على رفوف السورية للتجارة الداخلية يعني كارثة تجاه المستهلكين الذين تفاجأ الكثير منهم بهذه الأخبار بعد أن أمضوا وقتاً طويلاً وهم يستهلكون هذا الزيت الرخيص مقارنة بغيره من الزيوت مرتفعة الثمن حيث يبلغ سعر الليتر الواحد أكثر من ثلاثة آلاف ليرة أي ما يقارب نصف سعر الليتر من الزيوت الأخرى تقريباً!
المسؤولون يقولون إن التأخير حصل بسبب التغيير الوزاري والانشغال بالعديد من القضايا الأخرى، وقد أدلى وزير التجارة الداخلية عمرو سالم بتصريح إلى وسائل الإعلام مؤخراً أعرب فيه عن تفاجئه بهذه القضية مؤكداً أنه لم يسمع بها حتى اللحظة! لكن ما نتحدث عنه هو تسعة أشهر تقريباً من التأخير غير المبرر حيث لم يبتّ في هذا الموضوع حتى اللحظة للأسف!
التقينا عدداً من المواطنين الذين تابعوا باهتمام أنباء وجود مادة الجوسيبول
السامة في زيوت القطن المتوفرة في صالات السورية للتجارة الداخلية، وقد أعربوا عن صدمتهم بهذا النبأ خاصة بعد قيام باستهلاك هذا الزيت لفترة طويلة من الزمن نظراً لرخص سعره.. السيدة “أم رامي، ربة منزل” تقول إن السوق مليء بالزيوت غير المأمونة، فإذا كان هذا الزيت المباع في صالات التجارة الداخلية يحتوي مادة الجيسبول السامة، فما هو حال زيت النخيل الذي يباع في المحلات الخاصة مع غيره من الزيوت بلا عبوات ولا ماركات مسجلة تحدد المنشأ والمصنِّع؟
“أبو الياس، أستاذ مدرسة” أكد أنه قد امتنع عن شراء زيت القطن منذ اللحظة التي قرأ فيها الأنباء التي تشير إلى وجود مادة الجوسيبول السامة فيه، وأشار إلى خطورة هذه القضية وتسببها في هز الثقة تجاه المواد الاستهلاكية التي تبيعها الصالات السورية للداخلية أن الناس يقبلون عليها بسبب قدرتهم الشرائية الضعيفة!
قصة زيوت القطن ووجود مادة الجوسيبول السامة فيها، تثير قضية أخرى تتعلق بأداء القطاع العام الذي يُعتبر ملجأ الناس ومصدر ثقتهم لأنه بعيد عن تحكم التجار والسماسرة، فجميع من التقيناهم قالوا إنه لا يوجد أي مبرر للتأخير في البت بهذا الموضوع حتى اليوم، كما استغربوا كيفية وصول هذه الزيوت إلى السوق الاستهلاكية من دون التأكد بشكل كامل من سلامتها وخلوّها من أية أضرار على الصحة العامة!
صالات القطاع العام تشهد إقبالاً من قبل المستهلكين نتيجة أسعارها الأرخص مقارنة بالسوق الأخرى، وقد سبق أن تعرضت بعض المواد الأخرى لأزمات مثل السكر والرز وهما مادتان أساسيتان في غ
في جميع الأحوال، فإن القضية اليوم مازالت في مخابر هيئة الطاقة الذرية التي ستحدد نسبة مادة الجوسيبول في هذه الزيوت وتوصي بطريقة التعامل معها أو سحبها من الأسواق أو ما شابه من الحلول التي تراها مناسبة، وحتى يحدث ذلك، فإن القضية ستبقى على نار حامية من التساؤلات!