الجمهورية الإسلامية الإيراينة .. شكراً لا تكفي!

Share

مهما كانت التسميات التي نعرفها جميعاً، وتطلق على مجموعة من الدول والأحزاب، الهلال الشيعي ومحور الشر أو محور المقاومة والتصدي، أو محور الممانعة والصمود، أو محور القدس، فلا بد من الإقرار بثلاث حقائق:

الأولى: يتشكل هذا التكتل من الدول والأحزاب في سوريا الطبيعية باستثناء اليمن وإيران.

الثانية: قامت الجمهورية الاسلامية في إيران، وللمرة الأولى منذ تأسيسها، باستهداف كيان العدو مباشرةً وعلناً من أراضيها، لتقدم بعداً جديداً في صراعها مع العدو اليهودي. إن إيران لم تعد تكتفي في صراعها مع العدو بالمجابهة الأمنية والعسكرية غير المباشرة، بل انتقلت إلى خط الصدام والتهديد بالحرب بشكل رسمي لتغير ملامح كامل صراع المحور مع العدو اليهودي.

ثالثاً: مقابل فعل طوفان الأقصى وجبهات المساندة في اليمن ولبنان والعراق وسوريا، كنقلة تكتيكية في تهديد وجود إسرائيل، جاءت الضربة الايرانية كمعطى استراتيجي جديد في منطقة معقدة المصالح في الصراع مع العدو.. ولا نبالغ إن قلنا إن هذه الضربة، تماثل وبل قد تتفوق، على ما قام به اليمن في باب المندب. 

وبينما يقتنع بعض الحمقى، أن ما جرى هو مسرحية أو أمر متفق عليه! تعلم القوى العظمى والاقليمية واللاعبة في المنطقة، معنى هذا الدخول المباشر على مصالحها وعلاقاتها واستثمارتها، والتي يجب أن تبحث عن وصف جديد وواقعي لهم إذا أرادت أن تبقى فاعلة في المنطقة.

إنه أولاً التهديد غير المتماثل بين إيران واسرائيل للمقدرة على التدمير، بل هو بهوة شاسعة في المقدرة بين الدولتين، ويشكل ردم هذه الهوة معضلة أمام الداعمين لدولة اسرائيل. ولا يقل الخطر في أولاً عن ثانياً وثالثاً ورابعاً، على وجود الدولة الاسرائيلية التي رغم أي تطبيع ناجح مع أي دولة عربية (السعودية) أو مسلمة (باكستان واندونيسيا)، لا يزيل حقيقة بداية إزالة اسرائيل نظرياً. فإذا كان دخول إيران على خط الصراع مع العدو كبيراً وقالباً للموازين بهذا الشكل، فكيف نستطيع نحن أبناء سوريا الطبيعة فهم العقلية الايرانية وتاريخها الطويل مع المشرق العربي؟

ثلاث حكايات خفية عن إيران وسوريا الطبيعية:

الأولى: كانت الأمبراطوريات الفارسية التي تعاقبت في السيطرة على المشرق العربي، الأمبراطوريات الوحيدة التي قامت عواصمها في حدوده، رغم سيطرتها على كامل الهضبة الأيرانية. فمع الامبراطورية الأخمينية، كانت بابل أحد عواصمها والامبراطورية البارثية والساسانية كانت طيسفون عاصمتها.

لم تتكرر هذه النقطة في تاريخ سوريا الطبيعية، سوى العرب القادمين من شبه الجزيرة العربية، عندما انتقلت عاصمة حكمهم من المدينة المنورة إلى دمشق ثم بغداد. هي واقعة فريدة تاريخياً رغم تعاقب الكثير من الأمبراطوريات على حكم كامل سوريا القديمة أو أجزاء منها، الحثية والرومانية والبيزنطية والمصرية.

ما الذي يجمع الفرس وعرب الجزيرة في حكم المشرق العربي؟ تتعدد الأجابات في التاريخ الاجتماعي، وتبدأ من شكل الحكم غير المباشر والذي أطلق للمدن والممالك الصغيرة خصوصياتها في الحكم، بالإضافة إلى فطرة القوتين السليمة التي عرفت خطورة هذه الرقعة من الأرض في صراع الأمم والأمبراطوريات.

ولكن ما يجمع بين هاتين القوتين، هو أنهما كانتا أقل ثقافة وحضارة من سوريا القديمة المتفوقة عليهما ثقافياً وحضارياً، وهذا التفوق لم ينعكس من القوتين عدواناً أو تعالياً أو استبداداً غاشماً كالرومان على سبيل المثال، أو تميزاً عنصرياً كالمقدونيين عندما أسسو الأمبراطورية السلوقية، بل انعكس تواضعاً راغباً بالتعلم. وكانت إحدى تجلياته الفريدة تاريخياً بأن جعل عاصمة الأمبراطورية والدولة  ضمن الهلال الخصيب. نعم تشابه العرب والفرس في هذه النقطة وكان العرب فيها أكثر صفاءً لأنهم أكثر بداوة بالتأكيد.

الثانية: يتحدث انجيل متى عن قدوم مجوس من الشرق وراء نجمة لتدلهم على موضع ميلاد الطفل المقدس، ليقدموا له كنوزهم وثرواتهم وسجودهم، وبل كانوا سبباً في نجاته عندما “أوحى إليهم في الحلم” حرفياً في الإنجيل، ألا يرجعوا إلى هيرودس الذي كان ينوي قتله كما تقول القصة. هي نجاة مؤقتة لهذا المناضل الفلسطيني، ليحين ميعاد إدانته لاحقاً من قتلة أحفاده الآن. نعم غسل الرومان (الغرب) يدهم من دمه!! يا لها من عبرة.

من هم هؤلاء؟ ومن أخبرهم عن هذا النجم ومعناه؟ هل هو علم الفلك البابلي الكلداني الأكثر تطورا في العالم وقتها، واليونان كانوا يسمون علم الفلك بـ (Chaldean science) أي العلم الكلدني؟ من الذي أوحى إليهم في الحلم؟ هل هم أنبياء؟ وبالتالي علينا أن نفهم ثنائية الزرادشتية في الخير والشر كنقلة هائلة في سياق التوحيد؟ هل علينا أن نعيد النظر بالآرامي البابلي ماني الذي لم يخف كراهيته للعهد القديم، ورؤيته عن النور والظلام؟ بالتأكيد ثمة فضاء ثقافي آرامي متجه إلى الشرق ومتلاقح معه، وبالتأكيد نجهله بشكل مخزٍ.

الثالثة: يعترف المؤرخون، أن شبه الجزيرة العربية كانت تعجّ بأقوام الأرض قبيل بداية رسالة الإسلام المحمدي، فمنهم اليونان والروم والحبش. ومنهم عبيد استغلت مهاراتهم الصناعية والتجارية، أو أحرار هاربين من دولهم إلى مكان لا تطالهم يدها فيها.

ويستطيع المحب للتبحر أن يعود إلى مؤلفات جواد علي، ويقرأ تأثيرهم في جزيرة العرب ثقافة وصناعة. بل إن السيرة الإسلامية تفرد حيزاً لسيرة بلال الحبشي وصهيب الروماني وسلمان الفارسي، باعتبارهم المسلمين الأوائل من ممثلي الأمم.

ينفرد سلمان بين كل تلك الشخصيات عندما يقدم كباحث عن الدين الحق والعدل في الحياة، فهو الذي ترك دين أهله وانطلق إلى الغرب فاعتنق الإسلام المسيحي، وتنقل بين زهاد كهنته في مدن الهلال الخصيب متسريناً من كنيسة في الشام إلى كنيسة في الموصل إلى كنيسة في نصبيبن إلى كنيسة في عمورية، والذي يدله كاهنها إلى نبي جديد فيسعى إليه. وللسخرية التاريخية، تعهد بنقله تجاراً من العرب، فيبيعونه إلى أحد اليهود من بني قريظة، ثم يعتقه الرسول الكريم في ملابسات اكتشافه لعلامات النبوة التي أخبره بها كاهن عمورية.

يتميز سلمان بعلاقته بالرسول محمد، عن الكثير من الصحابة الأجانب، وهو أمر طبيعي باعتبار تجربته النفسية الغنية وخلفيته الثقافية الراقية التي تجلت في نصيحته بحفر الخندق وهو أمرٌ، ليس لم تعهده العرب فقط، بل إن الإنصاف يقتضي أن نقول أنه دور انحصر في شخصه كناقل لهذه الخبرة العسكرية والنفسية الجديدة.

ولنتذكر يا أعزائي الآية التي نزلت على الرسول وتقول (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم) حيث ينفرد أبو هريرة في حديث عنها، أن صحابة الرسول سألوه من هؤلاء الذين يستبدلنا الله بهم ولا يكونوا مثلنا؟ فضرب الرسول على فخذ سلمان وقال: هذا وقومه. لا تنفعل يا عزيزي القارئ واعلم أن بعض مفسري عبرة الآية قالوا أن جواب الرسول كان: أنهم أهل اليمن.

لقد أوجعت رأسنا أيها المسلم المحمدي السني، بألغاز من آلاف السنين عن إيران، ونحن نريد أن نفهم ايران المعاصرة .. ما هي؟ حسنٌ.

لماذا شكراً للجمهورية الإسلامية الإيرانية:

شهد عام 1952م حدثين خطيرين، الأول “كُتِبَ” له النجاح، انقلاب ضباط مصر على نظامهم الملكي، والثاني “كُتِبَ” له الفشل وهو تجربة رئيس الوزراء الإيراني محمد مصدق. اترك كتب بين مزدوجين ليتأمل بها اللبيب.

يهمنا الحدث الأول لنفهم إيران المعاصرة. محمد مصدق محام من أسرة محترمة ووطنية في ايران، أب مثالي لعائلته وشخصية لا غبار على وطنيتها ووسطيتها في مجتمعها. دخل في صراع مع شاه إيران حول نقطتين:

الأولى: تتعلق بكتابة دستور للمملكة وهو أمر كان يرفضه الشاه الذي كان يريد سلطات دون قانون، رغم أن رئيس الوزراء مصدق لم يكن يمانع بدستور يمنح الشاه سلطات واسعة جداً، فعبقريته كانت تعرف أن السلطة المحددة بدستور أفضل من سلطة غاشمة. تشبه قضية إيران ذلك الوقت مشكلة البحرين مع نظامها الحالي.

الثانية والأكثر صعوبة هو صدامه مع الشاه وشركة النفط البريطانية التي كانت تسرق النفط الايراني حول صلاحية العقد الموقع معها وضرورة تعديله.

الخطير في شخصية رئيس الوزراء مصدق، أنه كان متوسطاً ونال رضى المؤسسات الدينية والعلمانية وما يسمى في ايران البازار، والتف حوله الكثير من مثقفي ايران وأحزابها المتناقضة ذلك الوقت. باعتبار أن ما يطالب به أمر لا يمكن أن يختلف حوله المجتمع الايراني. ببساطة إن سلوك وثقافة مصدق وخطواته السياسية كانت تمثل تماماً سلوك الليبرالية المعتدلة والبرجوازية الوطنية التي يحبها الغرب ويعتبرها مثالاً للديمقراطية.

ما جرى ببساطة أن الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا، قامتا بتمويل فوضى وانقلاب على  مصدق، فزج به في السجن وأعيد الشاه بالقوة وأدخل امريكا عوضاً عن بريطانيا في لعبة سرقة نفطها بنسب جديدة.

إن من يريد أن يفهم إيران المعاصرة، عليه أن يعلم، أن ذلك الإنقلاب على مصدق كان بمثابة تحطيم لإرادة قوى المجتمع الأصيلة التي أفرزت نجاتها الخاصة في شخصية مصدق وأفكاره، وأن ذلك الإنقلاب بالتحديد رسم المقدمات لردة فعل ثورية وغير ليبرالية وجذرية للغاية تمثلت في الثورة الإيرانية.

إن بشاعة الإنقلاب على مصدق وفجاجة شكل وصول الشاه إلى العرش برضى أمريكي، وشذوذ علاقة الشاه مع مجتمعه وتراث هذا المجتمع الإسلامي الذي لم يخف احتقاره له، والأكثر أهمية هو حيوية المجتمع الإيراني العريق بماضيه. كانوا جميعاً جوانب رسمت ملامح مقدمات لهذه الثورة التي كان أهم شعارات قائدها أن لا غربية ولا شرقية وأن أمريكا الشيطان الأكبر. باختصار من يقوم بإفشال تجربة شخصية كمصدق بهذه الطريقة عليه أن يستعد لقدوم نموذج كمثل القائد الخميني.

ولا تغتر يا عزيزي القارئ بنجاح التجربة الأمريكية في ألمانيا أو اليابان وسواها من الشعوب من مسايرة الأمريكي أو أي قوة غاشمة تكسر ثقافات تلك الشعوب وإرادتها. فإن عبرة التاريخ تقول إن كسر الشعوب في لحظة ما، لذلك الغبن والعنف الواقع على إرادتها، هو قضية وقت وظروف تنضج ولحظة مؤاتية، والأكثر أهمية حيوية المجتمع بذاته.. وهو ما لا نعلم عنه شيئا في المجتمع الإيراني لأننا نحيا عصر ثقافة الكون كقرية صغيرة لإعلام ممول جيداً لأجندة قذرة.

تستطيع عزيزي القارئ أن تصف الدولة الإيرانية ونظامها السياسي الجمهوري كما تشاء ظروفك وعقيدتك ومعارفك، ولكنني كأحد أبناء سوريا الطبيعية أقول:

شكراً إيران، لأنك أنتجت ثورة أصيلة من معدن مجتمعك المادي وتراثك النفسي المؤمن أن البشاعة في الظلم والظالم وأن المظلوم ليس مغفلاً لا يحميه القانون.

شكراً ايران، لأنك منذ أيام الشاه وقرارته بخصوص علاقاته مع إسرائيل، لم تتخلَّ مرجعياتك الدينية عن فلسطين وقضيتها المحقة، وكان امتحاناً لثورتك التي مثلت قراراتها السياسية دعماً ومساندةً لمن يعتبر فلسطين قضية صراع وحقوق.

شكراً ايران، لأنك أنتجت في ثورتك نظامك السياسي الخاص ومؤسساته وحققت بهما نجاحات سياسية واقتصادية وعلمية ومعرفية، ولم تعيدي التجربة المقيتة لدول العالم الثالث بافراز سلطة قضائية وتشريعية وتنفيذية فقط، وتسطير أدبيات سياسية تافهة لا تنتهي عن فصل السلطات.

شكراً إيران لأن صدقك أمام العالم في مصالح أمنك القومي الخاص تتطابق في ذروة خطيرة جداً من تاريخ المشرق العربي والعالم مع مصالحك الثورية وايمانك العقائدي.

شكراً إيران، لأنك الدولة الوحيدة في العالم التي قالت إن ما يجمعها مع اسرائيل هو رفض حل الدولتين، فأعادت الأمل لقلوب أبناءِ وطنٍ مزقه شيطاني بيوت المال اليهودية سايكس وبيكو ومعاهدات غاشمة بعد حرب عالمية.

شكرا إيران لأنك عندما تنجحين في تجاوز تحديات وعقوبات الغرب، نتعلم درساً عن قيمة الإرادة المستقلة والخطة المنظمة والصبر الهادئ فتكوني قدوة لمن يريد أن يبصر ويفعل.

شكرا إيران، لأن ثورتك قامت على أصالة فكرية إجتماعية تحترم موروثها العريق الخاص، فلم تنتج ثورتك مظاهر تغريبية تحت مسميات التحديث السخيفة، كتغيير الأحرف الجميلة للغة العربية على سبيل المثال لا الحصر، ولم تعتمدي على القوى الاجتماعية الشاذة الموجودة في جميع أمم الأرض من المتلونين أصحاب بيوت المال، لتبتكري توجهاً غربياً أو شرقيا يمرر المؤامرات على جيرانه من الأمم.

شكرا إيران، لأنك ومنذ الأيام الأولى لثورتك تحملت من جيرانك كماً هائلاً من التوصيفات المذهبية المسيئة والتي كانت تشتري سم الفتنة لتسوقه بين الشعوب، فلم تخضعي لرد الفعل ولم ترسمي في حساباتك أن ثمة فاتورة حساب لا بد من دفعها فيما بعد. فأنت أكثر من يعرف ماهية تحطيم الأمم التي يقودها عدوها لحروب دينية غبية.

شكرا إيران لأنك في الحرب العبثية التي استمرت لمدة ثماني سنوات، والتي ابتكرت فيها بعض العقول المريضة والطائفية في العالم العربي شعارات تاريخية كريهة انتجت مقاربات مسمومة لمفاهيم الصديق والعدو والخصم والحليف. شكراً لأنك رغم كل هذه الحرب والأموال التي صرفت عليها من تلك العقول حافظت على صفاء علاقاتك ومصالحك مع امتدادك الجغرافي والتاريخي سياسياً وثورياً وعقائدياً.

شكرا إيران، لأن صدق ثورتك في تحديد ماهية العدو وقدراته وصفاته ومصالحه، رسم لك ملامح الصديق والحليف وخصوصيته ومشاكله ومصالحه. إنه من أسرار تاريخك المعاصر الأكثر دقة ودليلاً على حسن النوايا لم شاء أن يرى ويعرف.

شكراً إيران التي أرسلت مقاتليها إلى الشام، نعم لتدافع عن المظلومين، ونعم لتدافع عن حليفها وشعبه، ونعم لتدافع عن الحق، ونعم لتدافع عن إيران بالتحديد. فهي كانت تعلم أنها ستقاتل دول الأرض في أخطر رقعة في الهلال الخصيب وأنها سوى ذلك ستقاتلهم في ايران.

لماذا شكرا لا تكفي..

إنها تلك الضفة الثاني من الشكر والتي نقبع نحن عليها، نحن أبناء المشرق العربي الذي مزقته فرنسا وبريطانيا برضى وموافقة أمريكية بعد الحرب العالمية الأولى في سايكس بيكو وسان ريمون وسيفر، فأصبحنا كيانات لم تستطع ومنذ أزمنة استقلالها المتقاربة أن تعيد بناء التعاون فيما بينها، بل لم تستطع هذه الكيانات أن تضع سياسة أو خطة تتفق فيها على أي قضية خطيرة في وجودها من فلسطين إلى كل القضايا الداخلية أو الخارجية التي تحياها.

نحن أبناء المشرق الذي شاهدنا كياناته تدمر واحدة تلو الأخرى، من فلسطين إلى العراق إلى لبنان إلى الشام، وشاهدنا دول الجوار تضع الخطط لتقسيمه وتصرف الأموال لتغيير أنظمته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

نحن أبناء المشرق الممزق الذين صحونا في 7 تشرين على سؤال يفتك بوجود العدو الأكثر خطراً علينا من بداية محاولاتنا لنيل الاستقلال، إنه سؤال اسرائيل وساستها ومواطنيها عن اليوم التالي للحرب على غزة؟

يعجنا هذا السؤال المصيري، ويطربنا عجز العدو عن التصدي له، ويسعدنا عقم مقدرته إلى اللحظة الحالية عن التفكير فيمن هي اسرائيل الجديدة؟ وما هو أمنها؟ واقتصادها؟ واستراتيجيتها؟

نحن أبناء المشرق مطالبين أمام سؤال المعضلة الوجودية للعدو عن اليوم التالي للحرب، أن نعلم أننا أمام ذات السؤال كمعضلة وواقع، والفارق أن العدو إلى فناء ونحن إلى انتصار إن شئنا.

إن سؤال اليوم التالي للحرب على المشرق العربي، سؤالٌ كبير ويحتاج إلى مقال منفرد، ولكننا نستطيع أن نحدد ملامحه ببساطه على ثلاثة أمتدادات زمنية. ففي الزمن الراهن إن اسرائيل التي نعرفها .. انتهت. وانتهت تحت أي مسمى كانت تكرسه هي وحلفاؤها كوجود، دولة ردع أو دولة وظيفية أو دولة مشاريع غربية أو واحة الديمقراطية. إن نموذج الأمة الذي يقوم على عنصري اللغة والدين كعصبية، هو نموذج متخلف يحتضر وسيرسل إلى متحف العلوم الاجتماعية، مع شهادات سخرية أكاديمية عن العقول التي أفرزت هذا النموذج المسخ.

أما على المدى المتوسط، فها هو المحور، كدول وأحزاب وشعوب يظهرون كقوة تمسك بمنطقة تمتد من شرق المتوسط إلى طهران مع “حصان” يدعى اليمن فمن يحب لعبة الشطرنج يدرك ممكنات الحصان بما يسمى الشوكة. لقد وضع المحور في الأشهر الماضية معالم للقوة التي تدافع عن حقوقها، وهو كتكتل مترع بالمشاكل والمصالح والحقوق والعلاقات المحلية والأقليمية والدولية، وجميع القوى اللعبة في المشرق مضطرة إلى التعامل مع معطى القوة الجديدة في هذا المحور سواء كرهت أم أحبت.

أما على المدى البعيد فإن الولايات المتحدة وأوروبا أمام مصيران لا ثالث لهما، إما إعادة تعريف مصالحها وعلاقتها وسياستها في المشرق العربي والمنطقة التي تدور حوله، وهو الإتجاه الأكثر عقلانية، ولكنه وللأسف لن يكون، فلا يوجد أي حديث عاقل يشي بتوجه كهذا في الولايات المتحدة، أو أن تنسحب بنفوذها ومصالحها مجبرة من شرق المتوسط فيسمح الفراغ لقوى المنطقة وشعوبها أن يرسموا مصالحهم ربما للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الأولى.

إن شكراً إيران لا تكفي لأننا مطالبون كأبناء لمشرق ذبحت إرادته منذ قتلت دولته الأولى الوليدة المملكة السورية الفيصلية، وفي سلخ لواء اسكندرون وفي 1948م في تأسيس وطن يهودي على حسابنا مع كل حروبه التوسعية، وذبحت أرادته في الحرب الاهلية اللبنانية واحتلال بيروت وفي حرب عبثية بين العراق وايران، والحرب الدولية التي دمرت العراق والحرب الكونية على الشام. إننا كأبناء المشرق وبكل دوله وأحزابه ومفكريه وشعوبه، مطالبون أن نبحث عن الطريق لعودة هذه الإرادة إلى إرادة واحدة، وليس إرادات متعددة، وإن هذا السعي للقوة والوحدة سيكون بمثابة الشكر لدور إيران في قضيتنا الأكثر  خطورة ومصيرية في جنوبنا السوري – فلسطين.

0
0