انتخاب الرئيس الأول – البيعة –
سبق استشهادَ سعاده وقبل إعلان الثورة القومية الاجتماعية الأولى، أن حلَّ مجلس العمد الذي كان “نذكر هنا” إدارة تنفيذية مساعدة والمجلس الأعلى الذي كان هيئة استشارية”، المادتان السادسة والعاشرة من الدستور.
وقع الحزب في فراغ قيادي، تشريعي وتنفيذي، فلا وجود لمجلس أعلى يُدْعى لانتخاب رئيس للحزب كما نصت عليه المادة الحادية عشرة ولا رئاسة تدير الحزب ولا نصًا تشريعيًا يسعف، معظم الأمناء ملاحقون أو في السجون.
بمبادرات فردية ودون أي نص تشريعي أو تنظيمي، وبدافع الالتزام القومي، تداعى بعض من الأمناء ممن هم خارج الأسر، إلى اجتماع عرفنا منهم، الأمين عبد الله سعاده والأمين الياس جرجي قنيزح والأمين أديب قدورة والأمين عبد الله قبرصي والأمين عصام المحايري، ولم يكن إذ ذاك أمينًا بل كان منفذًا عامًا لدمشق وواحدًا من لجنة شكلها الزعيم لضرورات الثورة، وآخرين، عقدوا لقاء في المملكة الأردنية الهاشمية تدارسوا فيه شأن الحزب فأجمع رأيهم على اختيار الأمين جورج عبد المسيح رئيسًا للحزب وكان آنئذٍ محكوما بعقوبة الإعدام في لبنان ومتواريًا عن الأنظار فيها، فأمَّنوا وصوله إلى عمان وأُبُلِغَ اختيارهم وعقدت له رئاسة الحزب .
التعامل مع الأمر الطارئ
- زعيم استشهد
- فراغ في القيادة الحزبية
- مجلسا الأعلى والعمد سبق للزعيم أن أصدر قرارًا بحلهما
- الدستور معطل بالضرورة الطارئة
- أمناء أغلبهم معتقلون أو ملاحقون
- لا يوجد نص قانوني أو دستوري يساعد على تدارك الكارثة، وكان السؤال هل تتوقف عجلة الحزب، هل تنتهي القضية ويتوقف فعل النهضة لعدم وجود نظام أو نص تشريعي يسعف الحركة في مثل هذه الحال؟ هل انتهى الحزب باستشهاد سعاده؟ الجواب هو في الهدف الذي آمن القوميون الاجتماعيون على تحقيقه، إنها مصلحة سورية ولهذه المصلحة، نتجاوز النص عند اصطدامه بأمر طارئ يعيق أو يحول دون تحقيق المصلحة العليا ونبتدع الحل عند عدم النص أو العرف. ونعمل رغم عدم وجود قاعدة قانونية تقنن العمل وترسم دربه، إنه قانون الحياة العام إنه قانون سد الذرائع عندما يتعلق الأمر بالمصلحة القومية العليا، النصوص جميع النصوص والقواعد الدستورية والقانونية، كل تلك النصوص وضعت للعمل على بعث النهضة القومية الاجتماعية.
تداعى أمناء على الحزب قبل أن يكونوا أمناء فيه، وبفعل الإيمان بقضية الأمة التي نذروا وجودهم لتحقيقها، تنادوا واجتمعوا وانتخبوا رئيسًا، فكانوا أمناء على الحزب وعلى قضيته، نعم، “ ليست فكرة التنظيم هي التي تقود الحزب بل فكرة الحزب هي التي بعثت النظام وهي التي تقود التنظيم.”
الرئيس، لم ينتخب استنادًا لقانون والمرسوم الدستوري الذي يحدد طريقة انتخاب الرئيس ومدة ولايته لم يكن قد صدر، والقاعدة الناخبة لمنصب الرئاسة لا وجود لها، لقد انتخب الرئيس في مرحلة فراغ في السلطتين التشريعية والتنفيذية ، فهل نقول إن الرئيس غير شرعي وانتخابه غير قانوني ونقرر بالتالي أن ما تم يشكل خروجًا عن العقيدة والنظام ومخالف للدستور؟ إنني أرى أن المشروعية تقررها المصلحة القومية العليا عند غياب النص، وعدم وجود هيئة تشريعية في ظل ظرف طارئ، هنا يتجلى معنى ” العقل هو الشرع الأعلى”
انتُخِبَ الرئيس، وأنشئت الهيئات التشريعية والتنفيذية وأصبح مركز الحزب في الشام “الجمهورية السورية”. وتابع مسيرته بزخم العطاء السخي، إنه دم سعاده نسغ حياة، جعل الحزب في الشام الأبعد انتشارًا والأوسع قاعدة والأفعل وجودًا، فانقلب السحر على الساحر، وخاب فأل القتلة الذين ظنوا اغتيال الزعيم قضاء على الحزب، فإذا به يقض مضاجعهم يؤرقهم في ليلهم ويربكهم في نهارهم فكان الغدر الثاني وفيه تفصيل محله في غير هذا الكتاب. عودة إلى التعديلات الدستورية .
سبق القول إن المادة الثالثة عشرة من دستور سعاده نصت على:
“.. إن مدة ولاية الرئيس المنتخب و طريقة انتخابه وطريقة انتقاء المجلس الأعلى ونظامه الداخلي تحدد فيما بعد بمرسوم يصدره الزعيم على حده ويكون له صفة المراسيم الدستورية .”
ولما لم يُصدر الزعيم المرسوم الدستوري الخاص بذلك بسبب تلاحق الأحداث وانتهاء باستشهاده، فقد باشرت السلطة التشريعية، بعد تَشَكُّلها وتَشَكُّل المؤسسات، على النحو الذي بينا دون سند من دستور أو نص قانوني بل بفعل قانون استمرار الحياة والتعامل مع الأمر الطارئ وبما يمليه الإيمان القومي ذلك أن المبادئ الحقوقية شرعت في البدء للتعامل مع الحياة وتنظيم شئونها، نقول عكفت السلطة التشريعية على إصدار التشريعات دون التمييز بين ما هو دستور وما هو قانون. وبسبب عدم اعتماد المتخصصين في العلوم الحقوقية، عُدِّل القانون الأعلى – أبو القوانين – بالقانون الأدنى، وهذا خرق للعلوم الدستورية. وتتابعت الأخطاء بتتابع التعديلات.
قبل أن نتناول بالدرس التعديلات الدستورية ومناقشتها وبيان مدى انطباقها على الدستور، لا بد من بيان بعض المصطلحات الحقوقية ومعانيها توخيًا للدقة العلمية.
القارئ لدستور 1937 قراءة الدارس الباحث المدقق يتبين أن المؤسس صاحب الدعوة إلى القومية الاجتماعية راعى في وضع كتيب تعاليم ودستور الحزب السوري القومي الاجتماعي، التسلسل التالي:
- المقدمة
- الدستور “مواد الدستور”
- مراسيم الزعيم الدستورية
- المراسيم
وهنا لابد من بيان معاني هذه المصطلحات الحقوقية، إذ قد يكون من بين القراء من ليس على إحاطة بمعانيها، ومن ثم سنتحدث بإيجاز في ضوء ما ذكر عن الدستور ومقدمته والفرق بينه وبين المراسيم الدستورية ثم نأتي إلى مناقشة التعديلات.
- الدستور هو القانون الأعلى للدولة أو مجموعة القواعد التي تحدد نظام الحكم وتنظم السلطات فيها ودائرة عمل كل منها إنه هيكل الدولة، تصدر التشريعات استنادا إليه وبالتأسيس عليه، تقوم بوضعه أصلاً هيئة تأسيسية تنتخب لهذه الغاية او تعين تعيينًا بحسب نظام الحكم القائم ويقره الشعب باستفتاء شعبي. هو من حيث المبدأ غير قابل للتعديل إلاّ بشروط صعبة وإجراءات دقيقة. هذا في الدولة، أما بالنسبة للحزب السوري القومي الاجتماعي فهو مجموعة القواعد التي ينهض عليها التأسيس يتضمن عقيدته والغاية من تأسيسه، يحدد السلطات و مصدرها وقواعد القيادة وضوابطها وطريقة تعديله والجهة التي تقر ذلك وتشكيلها.
- · القانون، هو قواعد حقوقية تنظم العلاقات في الدولة والمجتمع وتبين حقوق الأفراد وواجباتهم وحرياتهم تضعها سلطة تشريعية وفي بعض الأنظمة تقننها سلطة تنفيذية تعطيها بعضُ الدساتير مثل هذه القوة، وتسمى القوانين التي تصدرها السلطة التنفيذية في هذه الحالة مراسيم تشريعية في الشام وفي لبنان مراسيم اشتراعية، هذا في الدولة أما في الحزب فقد صنف كتيب تعاليم ودستور الحزب السوري القومي الاجتماعي طبعة سنة 1936 أعمال الزعيم التي تصدر عنه بوصفه مصدر السلطة التِشريعية “مراسيم الزعيم الدستورية يصدرها بالصيغة التالية “استنادًا إلى…. يسن القانون التالي” وما كانت تصدر عنه بوصفه مصدر السلطة التنفيذية سماها “المراسيم” أصدرها بالصيغة التالية “استنادا إلى…. يرسم ما يلي.”
عودة الى معاني الكلمات في ترتيب ” كتيب تعاليم ودستور ..”
- المقـدمة: عرض لمراحل تأسيس الحزب والطبيعة الحقوقية للتأسيس وشروطه وتحديد أطرافه وآلية توثيقه.
- الدستور: القواعد التي يقوم عليها الحزب: غايةً وعقيدةً وسلطات وإجراءات انتقالها، وطرق تعديله وشروط الانتماء .
- المراسيم الدستورية: هي النصوص القانونية التي يصدرها مصدر سلطة التشريع.
- المراسيم: قواعد تحديد الوظائف وتنظيم الإدارات التي تساعد مصدر سلطة التنفيذ في تصريف شؤون الحزب وتقوم على إدارته.
بعد أن أوضحنا اختصاص كل سلطة من السلطات الحزبية، أصبح بيِّنًا لدينا أن كل نص يصدر عن غير مصدره يكون قد صدر عن جهة لا ولاية لها وحكمه القانوني كأن لم يكن، وعلى هذا سنتابع دراسة التعديلات التي جرت على دستور سعاده.
“يتبع”