الوطن السوري في حالة استباحة كاملة من فلسطين إلى لبنان فالشام وذلك بعد استباحة العراق وتدمير قدراته الاستراتيجية في مطلع هذا القرن. إن قصف الأسلحة والذخائر الاستراتيجية الذي يقوم به العدو الإسرائيلي في الشام يتم دون أية مقاومة، فالشام بلا غطاء جوي، والطيران المعادي يستبيح البلاد. لقد وصلت قواته في الجنوب الشامي إلى مشارف ريف العاصمة دمشق. كذلك، بدأت الأخبار تتوالى عن اغتيال علماء سوريين وهذا أمر مرشح للاستمرار. التجربة العراقية ماثلة أمامنا. الحلفاء السابقون وبعض العرب يكتفون بعبارات الإدانة.
لنحدّق بالمشهد في كل قتامته. تمدد تركي – إسرائيلي برعاية أمريكية يعتصر الكيان الشامي. مجموعة من التنظيمات المؤتلفة/المتعادية التي، في أفضل حالاتها لا تستطيع وقف الاستباحة، وفي أسوأها، لا ترفضها.
موارد البلاد تحت الاحتلال أو التدمير ما ينذر بتضخم نقدي هائل وبمجاعة في بعض المناطق. ونحن إذ نتعمد وضع هذه الصور السوداء أمامنا، وربما تأتينا الأيام القادمة بما هو أكثر سوادًا، فلكي نتمعن بها جيدا استدراجًا للإحباط وقمعًا له. إن أخطر ما يهددنا اليوم هو الإحباط.
كيف نخرج كسوريين قوميين اجتماعيين من هذا الكابوس؟ ليس هناك من عصا سحرية تخرجنا منه بل مسار يسبقه ويرافقه بعض الشروط الضرورية.
الشرط الأول هو عدم الاستسلام لليأس والإحباط. ليس لدينا من كتف نبكي عليها، بل ليس لدينا وقت للبكاء.
الشرط الثاني هو الجرأة الأدبية، بمعنى ان يتحمل المسؤولون في التنظيمات الأربعة التي تحمل اسم الحزب المسؤولية التاريخية، فيجعلون من أنفسهم معبرًا إلى “حزب واحد، قيادة واحدة”. لا يفاخرنَّ أحد بأن تنظيمه “أكبر” أو “أفعل” أو “أنجح”. هذا يصح إذا كان المقياس هو مقارنة تنظيم بآخر. إذا كان المقياس هو غاية الحزب فالأربعة متساوون في الفشل.
الشرط الثالث هو قيام قوة عاقلة وحازمة من الصف القومي، ومن كل التنظيمات، تحيط بهذه القيادات وتعمل معها للوصول إلى آلية لانتخاب هذه القيادة الواحدة في أقرب وقت ممكن.
الشرط الرابع هو أن تنبثق هذه القيادة من الصف القومي الاجتماعي وتكون من أفضل المؤهلين وعيًا وإدارة وسياسة وتنظيمًا.
الشرط الخامس هو التفاف القوميين حول هذه القيادة ووضع كل خبراتهم وإمكانياتهم في تصرفها.
الشرط السادس وضع الخطط بعيدة المدى لترميم الحزب تمهيدًا لانطلاقة جديدة له.
هذا المسار هو للنقاش بغية التنفيذ. لا مجال للتراجع. وضع البلاد ووضع الحزب لا يحتمل تأجيلا. فقياس الأعمال هو بالنتائج. والنتائج الحاصلة واضحة.
أما بعد، في 23 آب 1982، أتت إسرائيل ببشير الجميل رئيسًا للجمهورية اللبنانية تتويجا لاستباحة لبنان آنذاك. في 14 أيلول من السنة ذاتها، أعلن حبيب الشرتوني بداية نهاية الاستباحة. تابعه خالد علوان في الحمراء، وقامت مقاومة متنامية بشتى أشكالها وتنظيماتها أخذت ثمانية عشر عاما لإنهاء الاستباحة. حين بدأت المقاومة، لم يكن لديها أكثر من السلاح الفردي. الأمر نفسه ينطبق على كل مقاومة لاحتلال واستباحة.
نحن الآن أمام استباحة جديدة. ولكن، وبالرغم من قتامة المشهد، هناك فرصة أمام الحزب السوري القومي. أن يقوم، لأول مرة ربما منذ استشهاد سعاده، بوضع خططه هو دون أي اعتبار لحليف أو ممول خارجي. لمواجهة الاستباحة، وللاستفادة من الفرصة، هناك خطوة أولى لا بد منها: “حزب واحد، قيادة واحدة”. هذه هي نقطة البداية، الباقي تفاصيل.
1 Comment
قد يستسلم البعض ويطويهم النسيان … الأمة لا تستسلم ولا تموت. الشرط الأول للقوميين المخلصين هو الإقدام ففيه تنطوي الجرأة الأدبية (نعم، بالدرجة الأولى) وغير الأدبية. ما ينطبق على القوميين السوريين ينطبق على بقية القوى الحزبية بمختلف مبادئها السياسية والفكرية، وينطبق على كل القوى مجتمعة من أجل جبهة شامية مشرقية للتحرر الوطني. وعلى كل إنسان سوري ينتمي إلى شعبه وأرضه في هذه المرحلة القاتمة.