“الإسقاط (Projection) هو حيلة دفاعية من الحيل النفسية اللاشعورية، وعملية هجوم يحمي الفرد بها نفسه بإلصاق عيوبه ونقائصه ورغباته المحرمة أو المستهجنة بالآخرين، كما أنها عملية لوم للآخرين على ما فشل هو فيه بسبب ما يعتقد أنهم يضعونه أمامه من عقبات وما يوقعونه فيه من زلات أو أخطاء،[1] وهو آلية نفسية شائعة يعزو الشخص بوساطتها أو عن طريقها للآخرين احاسيس وعواطف ومشاعر يكون قد كبتها بداخله. ويقول علماء النفس أن الأفراد الذين يستخدمون الإسقاط هم أشخاص على درجة من السرعة في ملاحظة وتجسيم السمات الشخصية التي يرغبون رؤيتها في الآخرين ولا يعترفون بوجودها في انفسهم.” (سيغموند فرويد)
تعقيبًا على مقالي السابق “ملاحظات على المشهد” وردتني العبارة التالية من مسؤول حزبي: “التنظير جيد، حطو كتفكم حدنا شي مرة.” هذه العبارة دفعتني لكتابة هذا المقال.
لن أدخل في تفاصيل ما دار بيني وبين هذا المسؤول، بل اكتفي بالقول إني حاولت أكثر من مرة التواصل معه قبل نشر المقال، لبحث مضمونه، فكان يعد ولا يفي. بعد أسبوعين نشرت المقال بصيغته الأخيرة، فكان رده عن التنظير كما ورد أعلاه.
هذه ليست المرّة الأولى التي نواجه فيها مثل هذه التهم. فحين نشرت مجموعة منا برنامج عمل تحت عنوان “سورية مسؤوليتنا“، تقدمت على أساسه لانتخابات 2012، وصُف برنامج العمل ذلك بأنه “تنظير”. وحين نشرت مجموعة البناء خطابها المنهاجي – القسم الأول، وفيه كذلك عرض للمشاكل مع حل مقترح لكل منها، حصل ما هو أسوأ من تهمة التنظير. فحضرة المسؤول نفسه، في أكثر من لقاء، وصف هذا الخطاب بأنه “الحل الأنسب” لإعادة بناء الحزب. ولكن حين كنا نسأله متى يرغب بوضعه موضع التنفيذ، خاصة الشق الدستوري منه، والذي هو المفتاح الأساس لكل ما يلي، كان الجواب، “مش وقته هلق.”
وإذا كان من فائدة، فلا بأس ان نذّكر أننا في كل ما نكتب ونعمل ننطلق مما نراه مصلحة سوريا العليا وليس مصلحة أشخاص. وأننا إذ نتعامل مع الاحداث فبرويّة وتبصّر. وأننا في جميع لقاءاتنا مع مسؤولين ومعارضين، كنا نعتبر آلية انبثاق السلطة كأولوية قصوى، وأن عدم أخذهم بها لم يوقفنا ورفقاءنا في إعادة البناء عن القيام بخطوات عملية إن لتخفيف المعاناة من مأساة كورونا، أو لرفع الضغط المعيشي عن رفقائنا، أو لإنشاء مشاريع إنتاجية في الوطن. وفي الوقت نفسه، كنا نحذّر من مغبة خطوات قبل وقوعها مثل استكمال مجلس أعلى فاقد للنصاب من بقايا مجلس قومي فاقد للشرعية، أو لتعيين شتّامٍ عميدًا دون مصلحة، ومن ثم عضوًا في المجلس الأعلى، أو خوض الانتخابات اللبنانية.
أما الحقد فهو ما اتهمنا به من انتقدنا ذهابه مع الرئيس الأسبق الراحل علي قانصوه لزيارة محمود عباس، عميل إسرائيل الأول، والذي تفوق على العميلين اللبنانيين سعد حداد وأنطوان لحد. أما الأخلاق، فلا حاجة للكلام عنها بأكثر مما تكلمنا في المقال السابق.
إذا كان هناك من حالات تصف الإسقاط النفسي بأبهى تجلياته، فهذه هي. الشخص لا يسأل نفسه عما يرتكبه، إنه يرميك بالأوصاف والنعوت لأنك تذكر ما يقوم به.
طبعا، لم نكن بحاجة إلى فرويد ليشرح لنا معنى الإسقاط. فأمثالنا الشعبية تسبق فرويد بأجيال، وأفضلها “كل وعاء بما فيه ينضح”، أما أرذلها فلا داع لذكره.
التنظير! ما هو التنظير؟ وفق معجم المباني، تنظير الأفكار هو “التأمل فيها مليا لوضعها في نظرية“. ولكن هناك معنى شعبيًا للكلمة هو ما نعتقد أن المسؤول يقصده: “ظاهرة «التنظير» استحوذت على الأغلبية وخصوصا المسؤولين في الجامعات والمتحدثين في المجالس والحوارات الإعلامية المختلفة حيث تسمع أشياء من إبداع في اللهجة والنغمة والحوار، من تأكيدات وإثبات للحقائق بأساليب تعتمد على الخيال والمثاليات، ولكن في آخر المطاف يظل ذلك تنظيرا دون واقع وتطبيق.”
في كل خطوة قمنا بها منذ سنوات، سواء في مشاركتنا في معركة انتخابات 2012 الحزبية وصولاً إلى الخطاب المنهاجي – القسم الأول، كان للمجموعتين اللتين وضعتا هاتين الوثيقتين التاريخيتين هاجس أساس ألا وهو مسؤولية الحزب السوري القومي الاجتماعي عن الوطن السوري والقضية القومية. في الحالتين، لم نضع تصورًا نظريًا، بل وضعنا خطط عمل قابلة للتنفيذ، منا أو من سوانا. في وثيقة “سورية مسؤوليتنا” وضعنا برنامج عمل تشريعيًا ملزمًا للمجلس الأعلى في حال الفوز، ينطلق من واقع الحزب المريض ليقدم مخارج عملية في شتى المجالات. الأمر نفسه ينطبق على الخطاب المنهاجي. الاثنان يقدمان خرائط طريق يمكن لمن يرغب الأخذ بها، كلها أو جزء منها، ولكنها تقدم خطوات عملية وليس نظرية.
لماذا إذن تُرفض هذه الأفكار ويُرمى أصحابها بتهمة “التنظير” السلبي الذي يظل “دون واقع وتطبيق”؟ هذا السؤال يشغل بالنا ونحاول إيجاد جواب منطقي له دون ان نقع نحن أنفسنا في مغبة “الإسقاط.”
نعتقد أن السبب الرئيس هو أن هذه الخطوات صعبة وتحتاج إلى جرأة وتصميم وإيجابية في التفكير. والمقصود بالإيجابية في التفكير هو التالي، أن نبدأ مما يجب أن يكون، ومن ثم نقوم ببناء القدرات لتحقيقه، وليس أن ننطلق من، “هذا مستحيل ولا يمكن تحقيقه”، فنرمي صاحب الفكرة بـ “التنظير”، متهمين إياه بأنه لا يفهم الواقع.
ولكيلا يبقى كلامنا عامًا، نربطه بواقع الحزب والأمة، فنسأل السوريين القوميين الاجتماعيين عددًا من الأسئلة:
- هل أن إنقاذ سورية وتحقيق نهضتها ممكن من دون الحزب السوري القومي الاجتماعي ونظرته وغايته وعقيدته ومبادئه الإصلاحية؟
- هل يمكن للحزب السوري القومي الاجتماعي في وضعه الحالي أن يتنكب دور إنقاذ سورية؟
- هل يمكن للقيادات القائمة أن تعيد بناء الحزب السوري القومي الاجتماعي بما يؤهله لتنكب دوره الانقاذي؟
- هل تصلح المؤسسات القائمة من مجلس أعلى إلى سلطة تنفيذية إلى مجلس قومي لتنبثق منها قيادة إنقاذية؟
- هل يمكن للمؤسسات القائمة ان تتخذ أية خطوة يمكن أن تكون ممرا للدور الذي على الحزب أن يلعبه؟
نعتقد أن الأجوبة الموضوعية على الأسئلة من واحد إلى أربعة هي كلا، والجواب على السؤال الخامس هو، “ممكن“. وهو ممكن إذا أخذت القيادة الحزبية في مركز الروشة بمقترحنا الذي ورد في مقالنا السابق.
- وقف العمل برتبة الأمانة لمرحلة مؤقتة
- انتخاب لجان مديريات جديدة، ومندوبين عنها، خلال ثلاثة أشهر، تمهيدًا لانتخاب مجلس قومي جديد
- دعوة جميع الرفقاء المنكفئين للالتحاق بمديرياتهم كشرط ضروري للمشاركة في العملية الانتخابية
- ينتخب المندوبون قيادة مؤقتة ممن تنطبق عليهم شروط رتبة الأمانة
- تكون مدة القيادة المؤقتة سنتين يتم فيها مراجعة الدستور الحالي وتعديله حيث يلزم
- كذلك تتم مراجعة سجلات الأمناء بغية تنقية هذا الجسم من الشوائب.
رب قائل، “ولكن هذا المقترح يلغي هذه القيادات كلها، فلا يمكن لها أن تأخذ به، من هنا يعتبر كلامك تنظيرًا”. هذا الكلام يكون صحيحًا إذا اعتبرنا ان هذه القيادات لا همّ لها سوى نفسها وأن مصلحة الحزب والبلاد لا تعنيها، وهذا ليس ما نقول. بل نحن نقول لهذه القيادات ما يلي:
لقد أُعطيتم فرصة سنتين لتثبتوا جدارتكم فلم تنجحوا. والانتخابات اللبنانية كانت محطة أخيرة في سلسلة من الأخطاء والإخفاقات أنتم مسؤولون عنها دون سواكم. نعم كان هناك نجاحات صغيرة، وكان هناك أعباء وضغوطات كبيرة، ولكنكم لم تصغوا للنصح الصادق قبل كل محطة/خطأ في السنتين الماضيتين. الثقة التي منحها لكم البعض من غير شرط، وتلك المشروطة، قد تبخرت أو تكاد. من هنا، لم يعد بالإمكان التعويل عليكم لوضع خطط عملية لم تتمكنوا من وضعها خلال السنتين الماضيتين.
بالتالي، ومنعًا لمزيد من التشظي، ومنعًا لقيام كل مجموعة بالمناداة “الأمر لي”، نكرر القول إن في هذا مخرجًا مشرفًا لكم، وإنقاذًا للحزب، فهلّا أخذتم به؟