منذ عام 2012، ومع فارق التجربة والظروف، استحضر الكثير من أكراد الكيان الشامي تجربة إقليم كردستان العراق في تبني نفس السلوك لبناء إقليم كردي. وباتوا يطلقون
على المناطق الكردية اسم “غرب كردستان” على اعتبار أن كردستان العراق هو جنوب كردستان وإيران هي شرقه وتركيا هي شماله. فشكلت التطورات الأخيرة مناسبة « ليستفيق الوعي الكردي بالأيديولوجية القومية » والخروج بها إلى حيز الممارسة العملية.
وفعلياً دخلت الخطوات الأولى حيز التنفيذ من خلال تشكيل قوات مسلحة لمجابهة المسلحين التكفيريين كداعش والنصرة ومنع سيطرتهم على المدن التابعة للأكراد، ومن ثم محاولة تنظيم هذه المدن إداريا واقتصادياً. إضافة إلى خطوات سياسية شملت التحضير للإعلان عن استقلال الإقليم من خلال حكومات محلية. وأخيرا محاولة المشاركة في مؤتمر جنيف للمطالبة بحقوق الأكراد في الكيان الشامي.
إلا أن هناك عامل سابق للتطورات التي حدثت في الكيان الشامي في 2011 دفع بالأكراد في هذا الاتجاه وهو عامل لا يتم التطرق إليه بشكل واف عند تحليل الحالة الكردية. هذا العامل هو اعتقال عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني والدور الكبير الذي لعبته هزيمة حزبه في إعادة بناء رؤية جديدة حول الواقع الكردي عموما. فبعد اختطافه تركياً من العاصمة الكينيّة نيروبي في 15/ 2 /1999، ومحاكمته تركياً كذلك، طرح أوجلان مبادرة الحل السلمي، مطالباً حزبه بإعلان هدنة، وسحب المقاتلين إلى خارج الأراضي التركية.
والعامل الآخر المتشابك مع العامل السابق هو توقيع اتفاق أضنة الأمني بين الشام وتركية عام 1998 والذي طوى عقدين من التحالف بين حزب العمال الكردستاني والدولة السورية (1980 – 1998)، قبل إبرام اتفاق أضنة الأمني بين أنقرة ودمشق.
سمح هذان العقدان من التحالف برد المسألة الكردية في الكيان الشامي إلى مصدرها، ألا وهو تركيا. إنما وبسبب التحولات في كردستان العراق واتفاق أضنة وانقلاب سياسات حزب العمال الكردستاني في تركيا، عادت المشكلة الكردية إلى سورية الطبيعية. فبنت تركيا سورا من الأسلاك الشائكة على طول أجزاء من حدودها السورية لتراقب عن بعد الأكراد العراقيين والشاميين وهم يدخلون في « متاهة الحقوق القومية ».
وهكذا، وفي ضوء الصراعات الداخلية التي تمزق أكراد الكيانين الشامي والعراقي ومحاولة تركيا تحقيق السلام مع أكرادها، وجد أكراد الشام فرصة سانحة في المطالبة بالأحقية في أراض يدعون ملكيتها وحقوقا تاريخية لهم فيها. فامتنعوا عن تسمية المنطقة شمال شرق الكيان الشامي بل “روج آفا” أو غرب كردستان. وأنتجت هذه القرارات ارتدادات خطيرة في الواقع الكردي الشامي، حيث انتقل حزب العمال الكردستاني إلى الحوار والنضال السلمي على المسرح الكردي التركي بينما انتقل إلى العمل المسلح وإعادة تنظيم نفسه باسم حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD) على المسرح الشامي.
يصيغ حزب « الاتحاد الديمقراطي »، وهو صاحب السلطة الفعلية في أرياف المناطق الكردية، إدارة الوجود الكردي في الكيان الشامي، ضمن مفاهيم “الأمة الديمقراطية” ومشاريع “الإدارات الذاتية”، ووفق تصورات زعيم “حزب العمال الكردستاني” عبد الله أوجلان. ولاتزال الكتلة الجماهيريّة الموالية لحزب
يستقي الحزب والوحدة فكرهما من حزب العمال الكردستاني في تركيا حتى أصبحت صور أوجلان منتشرة الآن في شمال شرق الكيان الشامي. أما في المقابل فيطرح الحزب الديمقراطي الكردستاني أحزاب “المجلس الوطني الكردي” المؤلفة من 16 فصيل والقريبة من رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني. مشروع هذه الأحزاب غير واضح حول “اللامركزية السياسية”، ومتشابه في جوهره مع الفدرالية الكردية في العراق، حيث تشكو هذه الفصائل من محاولة تفرد حزب الاتحاد الديمقراطي بالساحة الكردية الشامية وفرضه سياسة أمر الواقع على الجميع.
ورغم تسارع الإجراءات التنظيمية في مناطق الإدارة الذاتية الكردية إلا أنه لم يستطع هذا الجهد الكردي المحكم القفز على حقائق الجغرافيا السياسية التي تفرض منطقها وحضورها على الجميع في أشد اللحظات التاريخية حرجاً. فالأكراد مشتتون بين مناطق حول دمشق وفي ريف حلب وفي عفرين وفي الجيب الشمالي الشرقي من الأراضي الشامية؛ مناطق تفتقد فيما بينها إلى اتصال جغرافي وواجهة بحرية. فبالإضافة لكونها محاطة ببيئات معادية من كافة الاتجاهات سواء التركية منها أو تلك التي تخص العلاقة مع كردستان العراق، إن قضية الأكراد فيها ميؤوس منها جغرافيا بالرغم من بعض المكتسبات السياسية أو العسكرية هنا أو هناك. إنهم لا يستطيعون تجاهل قوة وحتمية العامل الجغرافي.
بدا هذا المشهد واضحاً مع السقوط السريع لمدينة عفرين بيد الأتراك والميليشيات التابعة لهم، بالرغم مما تمتلكه عفرين من مقومات الصمود كالكثافة الكردية العالية وقاعدة لتدريب المقاتلين، فضلا عن وعورة التضاريس. ويكشف هذا السقوط هشاشة المشروع الفيدرالي الكردي وعجزه الجيوسياسي أمام توازنات القوى، ذلك أن الدول الإقليمية الأربع التي يتوزع فيها الأكراد لا تسمح بقيام دولة كردية أو حكم ذاتي أقرب إلى الدولة. والإصرار على إقامة فيدرالية في بيئة لا تسمح بها لا محليا ولا إقليميا هو تجربة متكررة في التاريخ الكردي الحديث. وربما تكون جدلية الفشل الكردي في بناء دولتهم القومية خلال تجارب كثيرة هي التي دفعت بحزب العمال الكردستاني إلى تغيير استراتيجيته من إقامة دولة كردستان الكبرى إلى إقامة مناطق حكم ذاتي في دول سايكس بيكو.
وباستعراض سريع، يمكن احصاء عشر محاولات كردية فاشلة في هذا الاتجاه.
بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وضع الحلفاء الغربيون المنتصرون تصوراً لدولة كردية في معاهدة “سيفر” عام 1920. إلا أن هذه الآمال تحطّمت بعد ثلاث سنوات إثر توقيع معاهدة لوزان التي وضعت الحدود الحالية لدولة تركيا بشكل لا يسمح بوجود دولة كردية. ثم كانت مملكة كردستان 1922 بقيادة محمود الحفيد في السليمانية العراقية في تشرين الأول 1922 التي وأدها الجيش البريطاني في العراق بعد عامين على ميلادها. ثم كردستان الحمراء في 7 تموز 1923 حين قررت بعض الرموز الكردية تأسيس منطقة حكم ذاتي لها بإيعاز من الرئيس السوفييتي فلاديمير لينين؛ لكن التجربة لم تستمر كثيراً بسبب معارضة بعض الرموز السوفيتية لأي تحرك كردي قد يؤدي إلى ضرر بكل من الجارتين تركيا وإيران فكانت نهايتها عام 1929. عام 1927، أعلن أكراد تركيا عن قيام « جمهورية آرارات الكردية المستقلة » لكن الجيش التركي قضى على هذه الجمهورية عام 1930. عام 1946، استغل بعض الأكراد في إيران الأزمة الإيرانية الناشئة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية للإعلان عن قيام جمهورية « مهاباد » فقامت الحكومة الإيرانية بإسقاطها بعد 11 شهر من إعلانها. ثم أزمة إقليم كردستان العراق حين أبرمت الأحزاب الكردية معاهدة للسلام مع الحكومة العراقية في آذار من العام 1970 أعطت بموجبها الأكراد حكماً ذاتيا وأعلنت اللغة الكردية لغة رسمية لهم. كما أضافت إلى الدستور العراقي مادة تنص على أن العراق بلد يضم شعباً من قوميتين هما « العربية والكردية ». ثم أصدرت الحكومة نفسها في آذار 1974 قانون الحكم الذاتي لمنطقة كردستان العراق. إلا أن الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة الملا مصطفى البرزاني رفض القانون ولجأ إلى السلاح مرة ثانية. عام 1992 استغل بعض القيادات الكردية الفوضى التي عمت الجمهوريات المنبثقة عن الاتحاد السوفييتي إثر تفككه وتم الإعلان في ربيع هذا العام عن قيام دولة للأكراد في لاجين بأذربيجان. حصل ذلك نتيجة سياسة أرمنية معادية لأذربيجان رفضها الأكراد الذين يشتركون مع الأذريين في الدين والثقافة والأرض.
لم تدم نتائج استفتاء عام 2017 على تقرير المصير في إقليم كردستان أكثر من أسبوعين حتى فرضت الدولة العراقية سيطرتها على المناطق المتنازع عليها بانتشار قواتها المسلحة والأمنية مستفيدة من الانقسامات الكردية الداخلية والتوازنات الإقليمية التي تركت الأحلام الكردية تواجه مصير الفشل مرة أخرى.
بالرغم من تسارع الأحداث في الكيان الشامي بين عامي 2012 – 2018 والتي أعلن الأكراد خلالها عن إقامة إدارة ذاتية مؤقتة بالمقاطعات الثلاث التي أطلق عليها اسم « روج آفا » أي غرب كردستان، وبالرغم من إعلانهم عن إقامة نظام فدرالي واضعين له الخطط لانتخاب مجلس شعوب الأقاليم ليكون بمثابة برلمان كردي، إلا أن اصطدام الأحلام الكردية المتكرر بحائط التوازنات الدولية والإقليمية من خلال الإعلان الأمريكي عن سحب القوات الأمريكية على وجه السرعة من الكيان الشامي يعتبر خاتمة أحلامهم.
بعيدا عن الإعلان الأمريكي الأخير، يمكن قراءة آفاق التجربة الكردية في شمال الكيان الشامي على ضوء التجارب السابق ذكرها أعلاه، خاصة أن نار الأزمة الشامية أكبر من الحسابات المحلية الخاصة بالمكونات الشامية القومية والسياسية والمناطقية. ففي الوقت الذي تنمو فيه أحلام الأكراد لمزيد من المكاسب، تنحسر مناطق سيطرتهم عن عفرين ومنبج وفق ترتيبات روسية أمريكية تركية لا تأخذ أحلامهم في الاعتبار. تجربة أعادت نفسها فاقتربوا فيها كثيرا من تحقيق أحلامهم قبل أن ينحسر الواقع عنها ويضعهم أمام الحقائق الجغرافية السياسية التي لا تقبل الجدل.
أدت سيطرة الوحدات الكردية على مناطق جغرافية واسعة مليئة بثروات طبيعية إلى امتلاك ثقل اقتصادي، هو الأول من نوعه في تاريخ الأكراد الشاميين. ترافق ذلك مع حماية عسكرية أميركية على الأرض إضافة إلى هيمنة إدارية – سياسية مطلقة شكلت في الوعي الكردي أهمية كبرى. لا يمكن توظيف هذه الأبعاد المتعددة للقوة الكردية في بناء كيان مستقل أو تنظيم دولي، لأنه يمثل أزمة باعتبار أن الخيار الآخر لتوظيفه هو نزاع كردي داخلي.
بدت ملامح النزاع في هيمنة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني على المشهد الكردي الشامي وعدم سماحه للمكون الكردي الآخر، أي المجلس الوطني الكردي، بمشاركته في اقتسام النفوذ على الرغم من تدخل إقليم كردستان بشكل متكرر لإيجاد نوع من التوازن بين الفصيلين الكرديين. ويضاف إلى عامل أبعاد القوة المذكور عامل آخر هو العناد الذي تتميز به الشخصية الكردية مما يجعل القادة الأكراد على حافة الحرب الأهلية مستهدفين السلم المجتمعي عند أي تقاسم للسلطة أو الثروة أو مناطق النفوذ. فرغم أن الفريقان الكرديان الشاميان اجتمعا في 12 تموز2012 في أربيل، واتفقا على تشكيل اللجنة الكردية العليا من أجل إقامة سلطة موحدة داخل « كردستان الغربية »، ورغم أن هذا الاتفاق قد أوجد صيغة تعايش بين حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني وبين المجلس الوطني الكردي، لكنه لم يحقّق تحالفًا حقيقيًا، وترك احتمال حصول خلافات واشتباكات مسلّحة قائما كما جرى فعلا في مناطق حلب في آذار 2013.
يشبه اتفاق أربيل بين حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني وبين المجلس الوطني الكردي الاتفاق الذي عقد خلال فترة الحرب الأهلية الكردية في الكيان العراقي بين أنصار بارازاني وأنصار طالباني، حيث استمر الصراع سياسيا تارة وعسكريا تارة أخرى كانت آخر حلقاته الانقسام الكردي العراقي حول كركوك في العام 2018 مما سمح للقوات العراقية بدخول المدينة دون مقاومة تذكر.
يصعب جمع الأكراد في كيان فدرالي واحد بسبب عدم التجانس التنظيمي والفكري القائم بينهم، أي بين من يريد الإنفصال ومن لا يريده، أو بين من يعمل على الانفصال ومن يرفض العمل عليه. وهذا الاختلاف الكردي على الطرف الشامي مشابه تماما في أسبابه ونتائجه للانقسام الكردي على الطرف العراقي. كما يفترض أن يكون حاسما في إعادة تنظيم المسألة الكردية ضمن إطار وطني شامي.
ومرة أخرى، بعيدا عن الإعلان الأمريكي الأخير، هناك الكثير من المؤشرات التي تفيد أنه كان لدى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني توجه للتوصل خلال هذا العام إلى تفاهم مع الدولة الشامية ضمن فهمه لنظام الإدارة الذاتية:
- ما أعلنه الرئيس المشترك لـ”مجلس سوريا الديمقراطية” رياض درار في تصريح لشبكة “رووداو” الكردية تاريخ 26/11/2017 ونقلته قناة روسيا : “أن “قسد”، ستنضم للجيش السوري الذي سيتكفل بتسليحها عندما تتحقق التسوية السورية”. ومن انه “لا حاجة للسلاح والقوات، إذا كنا ذاهبين إلى دولة سورية واحدة بنظام
فيدرالي، لأن هذه القوة سوف تنخرط في جيش سوريا. فقوات سوريا الديمقراطية هي قوات سورية وليست محلية. كما أن الوزارات السيادية مثل الجيش والخارجية ستكون لدى المركز. - ما نشرته صحيفة العربي الجديد ونقله موقع “الرقة بوست”عن أن الأكراد يفاوضون الدولة لدخول الرقة ردّاً على تسليم الأمريكان لعفرين ومنبج إلى تركيا والفصائل التابعة لها.
- ما نشرته مواقع إلكترونية كموقع “عربي21” نقلا عن نشطاء قولهم: “إن ميليشيا «قسد» بصدد تسليم مدينة الرقة للدولة السورية، معتبرين أن المدينة ستكون بمنزلة اللبنة الأولى لبناء الثقة ما بين «الإدارة الذاتية» والدولة”، وما نشره موقع “الجزيرة في 28/7/2018 عن “كشف رياض درار الرئيس المشترك لما يسمى مجلس سوريا الديمقراطية – الذراع السياسية لقوات سوريا الديمقراطية – أن هذه القوات ستعمل على إعادة المناطق التي تسيطر عليها إلى النظام السوري. وأضاف درار في تصريح خاص لقناة الجزيرة أن لقاء مجلس سوريا الديمقراطية بالنظام السوري كان بطلب من النظام، وقد سبقته لقاءات في مدينة الطبقة بريف الرقة من أجل عودة سد الفرات إلى النظام. وكان المجلس قد أعلن في بيان اتفاقه مع النظام السوري عن تشكيل لجان لإجراء مفاوضات بشأن وضع نهاية للحرب ورسم خريطة طريق تقود إلى سوريا ديمقراطية لا مركزية، على حد تعبير البيان”.
- إن مفهوم الإدارة الذاتية التي يتبناها ويمارسها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني لا تعدو أن تكون تطبيقا موسعا للقانون الشامي للإدارة المحلية 107 لعام 2011 في إطار اللامركزية الإدارية الموسعة.
وسيفتح التوسع في تطبيق قانون الإدارة المحلية 107 في المناطق الكردية، بما يلبي الخصوصية الكردية ضمن مركزية الدولة الشامية، سيفتح الباب واسعا لمعالجة المسألة الكردية في الكيان الشامي. علما أن تطبيق نظام الإدارة الذاتية الكردية في شمال الكيان الشامي هو نموذج يحتذى في مجال الإدارة المحلية إذ يفترض بالدولة الشامية أن تتمثّله في تطبيق القانون 107 للإدارة المحلية والذي لم يجر تطبيقه على ارض الواقع الشامي حتى الآن رغم مرور سبعة سنوات على إصداره. وهكذا يمكن القول أن تجربة الإدارة الذاتية الكردية في الكيان الشامي هي نموذج لا يمكن فقط التعايش معه وإنما استلهامه في مجال الإدارة المحلية والعلمنة بعيدا عن الحديث العنصري أو عن اقتلاعه أو تسويته بالأرض، خاصة وان وزير الخارجية السورية وليد المعلم أعرب العام الماضي عن استعداد دمشق للحوار مع الأكراد بشأن إقامة “إدارة ذاتية”.
- يبدو بوضوح أنه لن يكون باستطاعة الأكراد الشاميين أن يقرروا بمفردهم المسار السياسي الذي سيتبعونه بمعزل عن قوة الجذب التي تمارسها القوى الكردية الموجودة في العراق وتركيا، أي الحكم الكردي القائم في شمال العراق، وحزب العمال الكردستاني برئاسة عبدالله أوجلان في تركيا. وفي ضوء فشل المفاوضات بين حزب العمال الكردستاني وتركيا وكذلك في ضوء فشل البارازاني في قضية الاستفتاء وضم كركوك، يصبح من الممكن القول إن الظروف الإقليمية تدفع الأكراد إلى إيجاد تسوية مع الدولة الشامية. وقد تبلورت هذه الظروف بشكل حاسم مع الإعلان الأمريكي الأخير بحيث تكاملت العناصر الداخلية مع مثيلاتها الإقليمية لتفتح الباب واسعا أمام عودة الأكراد السوريين إلى كنف الكيان الشامي وفق تسوية تحفظ مصالح الجميع .
بعد أن صدّرت تركيا المشكلة الكردية إلى الكيانين الشامي والعراقي خلال المئة عام الأخيرة، يكون الحل بإعادة تصدير هذه المشكلة إلى تركيا من خلال إتباع سياسة مشابهة لسياسة الرئيس الراحل حافظ الأسد في دعم حزب العمال الكردستاني والعودة إلى الوضع السابق لاتفاقية اضنة الأمنية. فقد شجّعت السلطات الشامية ودعمت نشاطات حزب العمال الكردستاني ضد تركيا، كما سمحت لمقاتلي الحزب المذكور بإقامة قواعد لهم داخل الشام، وقد استمرّ هذا النشاط الداعم للحزب المذكور إلى حين تعرض الكيان الشامي لتهديد جدي من قبل تركيا في العام 1998.
إن المسالة الكردية سواء في الكيان الشامي أو العراقي فتحت المجال بشكل غير مباشر لنبش المستور فيما يتعلق باتفاقية سايكس بيكو وتقسيم سورية الطبيعية إلى الكيانات الحالية المشكلة لها وهو مستور خطير جدا دفع كل من حاول المس به خلال المئة عام الأخيرة حياته ثمنا لمحاولته. بالنظر إلى خريطة كردستان في العراق والشام وتركيا نجد أن هذه المناطق تقع في حدود سورية الطبيعية. هذه الحقيقة الجوهرية هي مدخل للحديث عن أن حلا مشتركا للمسألة الكردية بين الكيانين الشامي والعراقي سيفضي إلى إيجاد صيغة تمثل خطوة نحو الأمام في التعامل مع مفاعيل اتفاق سايكس بيكو. وهذا الحل المشترك لا يعني بالتأكيد منح وطن مستقل للأكراد في الشام والعراق وإنما تنسيق السياسات في التعامل مع هذه المسالة خاصة وان أكراد الشام في مجمل حركتهم يمثلون استجابة للتطورات التي تحدث في ملف أكراد العراق.
0 Comment
قرأت المقال مرتين وبحثت عن الحل الذي يقترحه الكاتب فلم أجده إلا في السطرين الاخيرين وهو: “تنسيق السياسات بين الشام والعراق في التعامل مع هذه المسألة…”
أرى أن هذا ليس حلاً بل هو فقط دعوة للتنسيق. الحل برأيي هو بأعتبار ملايين المواطنين من اصول كردية مواطنين سوريين كاملين متساويين في الحقوق المدنية والسياسية في الدولة السورية القومية. يعني أن الحل هو في القومية السورية الاجتماعية التي ترى الامة السورية مجتمع واحد، أي وحدة مصالح ووحدة مصير دون حواجز حقوقية بين اقليات واكثريات على اساس عرقي أو لغوي أو ديني. إن القومية العربية التي أخرجت الاكراد وميزتهم على أساس عرقي لغوي تتحمل الجزء الاكبر من مسؤولية تفاقم وتعقيد المسألة الكردية. الحكم الذاتي المحلي جائز ومقبول بشرط البقاء ضمن مبدأ وحدة الحقوق الساسية والمدنية لجميع السوريين.
أنا أتفق معك تماماً حضرة الرفيق شحادة
تحيا سوريا
ن . م