كبر الذئب في العمر، وثقُلت حركته وأصبح مخّه سميكاً في الإدارة. كما أصبحت حركته بطيئة ولم يعد قادراً على تنظيم أحوال القطيع.
اغتنم الثعلب الفرصة، وذهب لمقابلة الذئب. وهناك شرح خطورة الأوضاع واحتمال قيام الذئاب من الجيل الشاب المتحمس، بانقلاب يودي به بعدما كثرت أخطاؤه وخسر الكثير من مواقع القطيع الاستراتيجية بسبب سوء التخطيط وانتشار الفساد.
قال الثعلب وهو يجهد لإبراز علامات الصدق على وجهه: يا سيدي الذئب الشيخ. لقد قدمت الكثير خلال حياتك الحافلة، ولابد أن تُكرّم. فخبرتك لن يتحلى بها أي خلفٍ، وربما تشتت القطيع إذا اعتزلت أو تم إقصاؤك وجلست في الوكر بلا عمل.
فكر الذئب طويلاً ثم قال: وكيف أبقى في القيادة وقد طعنت في السنّ وبتُّ أنسى واجباتي وغادرتني الحنكة وحسن التصرف؟ كما أنني سأخسر أية معركة يدعوني لها أحد الذئاب الشباب الأقوياء الطامعين بالجلوس مكاني على الكرسي!
أجاب الثعلب بأنه يمتلك خطة تبقيه في منزلته فلا ينال منه أحد ولا يخسر معركة أو يذهب إلى التقاعد أسوة بالذئاب الشيوخ!
رد الذئب متلهفًا: وكيف ذلك أخبرني؟
أخرج الثعلب من حقيبته أوراقاً ومصنفات، وراح يشرح للذئب المخاطر المحتملة. ثم اقترح عليه أن يعينه نائبًا، بحيث يتولى المراقبة وإيصال المعلومات من أجل حسن اتخاذ القرارات، ووعده بأن يكون عينه الساهرة لتدارك أي خطر محدق. الثعلب قال: لابد أن تبقى عزيزًا مكرمًا يا سيدي. وأنا سأقوم بما يلزم كي تبقى رمزًا يضرب به المثل عند جميع القطعان.
اقتنع الذئب الشيخ بالفكرة. وفي اليوم الثاني أصدر قرارًا بتعيين الثعلب نائبًا أول مع صلاحيات واسعة. وبالفعل بدأ الثعلب مهامه رغم امتعاض الذئاب من هذا القرار الذي يعتبر سابقةً لم يحدث قبلها في الغابات.
الثعلب نظم مسابقات خاصة بمصارعة الذئاب القوية، حيث راحت الذئاب الشرسة تُفني بعضها داخل الحلبة في قتال يستمر حتى الموت. وكان الذئب الشيخ يحضر المباريات ويشعر بالغبطة وهو يرى منافسيه يشيّعون إلى مثواهم الأخير مثخنين بالجراح، فيغدق عليهم الألقاب والتكريمات، ثم يذهب كي ينام قرير العين.
أعاد الثعلب النظر بآلية توزيع الغنائم، ولاحق شبكات الفساد وركز على تطبيق القانون. وكان كل يوم يجتمع مع الذئب الشيخ، فيخبره بأحوال القطيع والقرارات التي لابد من اتخاذها في هذا الموضوع أو ذاك.
تحسنت أوضاع القطيع الداخلية، وبدأ الثعلب يرسل الوفود إلى القطعان المجاورة، فنشطت العلاقات الدبلوماسية وأبرم الاتفاقات الاقتصادية. كما استعان بخبراء في التنمية الذئبية، فشجع التعليم ودورات الاختصاص فزادت الكفاءات وشهد القطيع ازدهارًا جعل الجميع يمتدحون الذئب الشيخ على حسن الإدارة والتخطيط الاستراتيجي.
مضت الأيام، والثعلب يتلقى الثناء والرواتب العالية والامتيازات من الذئب الكبير على خطته الناجحة في إنقاذ سمعته وستر آخرته التي كانت قاب قوسين من التلاشي.
وسّع الثعلب حدود القطيع، وأسند المسؤوليات الهامة إلى ثعالب آخرين استدعاهم لهذه الغاية. وكان السياح يأتون لزيارة القطيع كي يشاهدوا الثعالب وهي تقوم بتنظيم أحوال الذئاب، وتشرف على عمليات الافتراس وتوزيع الطعام والشراب بحنكة صارت مضرب المثل في الغابات المجاورة.
ضرب الثعلب على مخالب العصاة من الذئاب، وزج بهم في السجون، عندما احتجوا على جلوس الثعالب في المناصب الرفيعة. كما وظف العسس ووزع العيون عند كل مفرق ووكر، من أجل اكتشاف الحركات المناوئة والقضاء عليها في المهد.
الثعلب أصبح الحاكم الفعلي لقطيع الذئاب، بعد أن مات الذئب الشيخ. ومع مرور الوقت ظنت الذئاب أنها ثعالب، بعد أن غيّر الجقل مناهج التعليم، فصارت الذئاب تتصرف وتعوي مثل أبناء آوى، فتنتظر بقايا الفرائس وتقتات على الفطائس والجيف والجلاميط المرمية التي تخلفها الضباع بعد أن تشبع!.. عرفتوا كيف؟