“كل عقيدة تضع على عاتق اتباعها المهمة الأساسية الأولى التي هي تحقيق غايتها. كل ما دون ذلك باطل. وكل عقيدة يصيبها الإخفاق في هذه المهمة تزول ويتبدد اتباعها. عوا مهمتكم بكامل خطورتها والهَجُوا دائماً بهذه الحقيقة الكبرى – حقيقة عقيدتكم – ومهمتكم – حقيقة وجودكم وإيمانكم وعملكم وجهادكم. مارسوا البطولة ولا تخافوا الحرب بل خافوا الفشل.” سعاده، رسالة الى القوميين، 1947-01-10. |
منذ أربع سنوات ونحن نكتب عن أزمة الحزب السوري القومي الاجتماعي التي انفجرت عام 2016. معظم كتاباتنا في تلك السنوات ركزّ على قيادات التنظيمات المسماة بالحزب السوري القومي الاجتماعي، وقد كانت ثلاثة قبل حلّ تنظيم “الأمانة العامة”. وقد حددنا في أكثر من مقال إن السبب العام للأزمات التي تعاني منها هذه التنظيمات هو إهمال غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي بالكلية، ووصفنا ممارساتها بأنها تتراوح بين الفساد والصنمية والانحراف وإن بنسب متفاوتة.
نادرا ما أتينا على الصف الحزبي وممارساته ما خلا وصفا عاما، نرى أنه ما يزال ساريا، هو “التبدد”، وتناولنا حالات الإحباط والغضب التي يمر بها الصف القومي نتيجة ممارسات قياداته.
في مقال اليوم، سوف نركز النظر أكثر على الصف السوري القومي الاجتماعي كونه المادة الأولية لإعادة البناء وسوف نفعل ذلك منطلقين من عبارة سعاده التحذيرية أعلاه، فنسأل هل يمكن أن تزول عقيدة الحزب السوري القومي الاجتماعي ويتبدد القوميون؟
كيف تزول هذه العقيدة وهي مكتوبة ومحفوظة في الكتب وفي الملفات الرقمية؟ طبعا، لن تزول العقيدة من الكتب والخوادم الكبيرة والملفات الرقمية، ولكنها تزول من نفوس معتنقيها، فإن زالت زال فعلها، وزالت الحيوية والقوة التي تشد معتنقيها بعضهم إلى بعض فيتبددون وتُنسى العقيدة التي جمعتهم والغاية التي شدت عصبهم، وتطوى في كتب التاريخ.
في الأشهر الماضية تسنى لنا التواصل مع أعداد من القوميين من مختلف أنحاء الوطن والعالم ومن فئات عمرية مختلفة وسويات فكرية وثقافية وتعليمية كذلك. وقد لمسنا من مظاهر زوال العقيدة من نفوس معتنقيها ما يدفعنا إلى قرع ناقوس الخطر مجددا. فيما يلي أبرز الظواهر التي شهدناها.
- القول بإعادة النظر بالعقيدة والغاية وما إذا كان هناك ترابط فعلي بينهما، ومدى صلاحيتهما الراهنة!
- هل المطلوب أن نحمل المبادئ مسطرة نقيس بها السياسات والقرارات!
- بما أن استعادة الأراضي السورية المحتلة، ليس فقط فلسطين، أمر مستحيل فمن الأفضل نسيانها!
- واستطرادا، بما أننا عاجزون عن استرجاع فلسطين لماذا لا نقيم سلاما مع دولة العدو ونطبّع العلاقات معها فيُرفع عنا سيف العقوبات!
- نحن مع فصل الدين عن الدولة شرط أن يكون رئيس الدولة من الأقليات!
لقد وضعنا علامات تعجب بعد كل من هذه العبارات وهي غيض من فيض ما سمعناه وقرأناه على ألسنة كتّاب أو رفقاء قوميين. وهذا في رأينا هو زوال العقيدة من نفوس من اعتنقها يوما، وهذا هو التبدد عينه الذي حذر منه سعاده.
لماذا وصل بعض القوميون إلى هذا الحال؟ هناك أسباب عديدة أكثرها يعود إلى القيادات المتلاحقة، ليس فقط في الثلاثين سنة الماضية، بل وما قبل ذلك أيضا. قراءة سريعة لتاريخ الحزب منذ خروج القوميين من السجن سنة 1969 لليوم تمكننا من رؤية مراحل فاصلة لا علاقة لأي منها بتجييش القوميين لنشر عقيدتهم وخدمة غايتهم بل العكس. كانت مراحل تماهت فيها القيادات وبالتالي الصف الحزبي مع مشاريع سياسية تخدم الغير وفي معظم الحالات تتناقض مع عقيدة الحزب ومبادئه الإصلاحية. فمرحلة 1975-1969 كانت مرحلة هيمنة منظمة التحرير على قرار الحزب. 1982-1976 كانت مرحلة التنازع بين منظمة التحرير والسوريين. 2005-1982 كانت مرحلة السوريين. ومنذ 2005 فإن قرار الحزب مرتهن بين السوريين وحزب الله. في كل من هذه المراحل شهد الحزب نزفا من خيرة إمكانياته التي انتمت بسبب عقيدته وغايته لتخرج منه حين رأت أن مشروعه لا علاقة له بتلك العقيدة والغاية.
هل يمكن وقف التبدد وإعادة بناء ما تهدم؟ نعم، ولكن بصعوبة كبيرة لمن يتنطح لهذه العملية، خاصة في المراحل الأولى. إن القوميين الذين انكفأوا عن مؤسساتهم قد خسروا قيمتين مهمتين للعمل الإنشائي، هما النظام والتنظيم. وقد تعمدنا نشر مقال مهم لحضرة الزعيم في هذا العدد هو مقال النظام، فيمكن العودة اليه.
ما هي أبرز الصعوبات في إعادة البناء؟
الهدف الأولي يجب أن يكون الوصول إلى كتلة حرجة صلبة من القوميين تأخذ على عاتقها إعادة البناء وتجتذب ما تبقى من إمكانيات صالحة للعبور من المرحلة الصعبة الأولى إلى وضع اللبنات الأساس في عملية إعادة البناء.
ما هي المادة التي سوف تجمع القوميين؟ عقيدتهم ومهمتهم التي بدأنا مقالنا بها. هذا هو ما يجمع القوميين. إنه نقطة البداية السليمة. الباقي تفاصيل.