إشراقة الوجه السوري في أعمال نبيل السمان

Share

مسكون دائماً بالحلم السوري. في اللون والخط والأفكار التي تشغل مخيلته، يولد الحلم نفسه دائماً. كيف نستعيد خصوصيتنا الفنية ونخترع وجهاً للمجد؟ كيف يمكن أن تعود مخيلات ربات الخصب بعدما أتعبها المكوث في قبور التاريخ؟

في كل معرض، يخطو الفنان نبيل السمان باتجاه الحضارة السورية القديمة، يحاول استرجاعها للحاضر وتقديمها بشكل معاصر. ولأن التاريخ يكتبه الأقوياء، يختار الألوان الحارة الفاتحة والزاهية، كي تترك أثرها الفكري والبصري في العين، فلا تغشى أو تنسى ما كانت عليه في يوم من الأيام!

في معرضه الأخير، “وجه ومدينة”، أكمل السمان خياره المنهجي باتجاه البورتريه السوري، فاستعاد جبران وأبولودور وقافلة طويلة من الرموز في الفن والفكر والحرب. ولأن الكثيرين لا يعرفون عن تاريخهم شيئاً، فرح السمان وهو يشرح من هم أولئك الذين يصر على استعادتهم من ذاكرة النسيان.

لا تبدو أعمال نبيل السمان كلاسيكية، فمنذ تجاربه الأولى نجا من تقليد الغرب، لأن مشروعه الكبير كان يرتبط دائماً بالحلم السوري وشعوره بمسؤولية استعادته من كبواته أو غفواته الطويلة التي امتدت إلى نوم عميق.. يحاول السمان أن يكون غصناً في شجرة الفن السورية التي أورفت منذ عصور ما قبل الميلاد، لهذا يرفض الانقطاع عن الجذور، ويجتهد دائماً كي يقدم الوجوه خارج التوقعات الصنمية للتاريخ.

يقول السمان إن الوجوه تشكل الحالة التعبيرية للأفكار والانفعالات، أما الأمكنة فهي موطن هذه الوجوه وانعكاساتها المادية. ومن هذا الباب أتت تسمية المعرض “وجه ومدينة” ليحاول الإلمام كل مرة بمرحلة أو عصر قديم لابد من التذكير به.. وهنا يقول السمان إن هناك مسؤولية لابد للفن من تحملها. فالنجاة ليس فردياً والفن ليس بوحاً عاطفياً لمشاعر الأفراد. ولابد أن يكون هناك مشروع وأهداف ورؤيا بعيدة المدى في المسيرة الفنية سواء تحدثنا عن الفن التشكيلي أم الأدب أم الموسيقا.

يحاول السمان جمع الشكل والمضمون في تكاملية ليست سهلة. فهو يبني على التقنيات والألوان بشكل متواز مع الأفكار، ولا يتراجع بعد كل إنجاز، بل يضع هدفاً جديداً يطمح للوصول إليه كي تكتمل الدائرة. كأن السمان في سباق مع الزمن ويحاول دائماً النبش في الماضي المجيد كي يقول للحاضر إنك مجرد ظرف مؤقت، ولابد للمخيلات الخصبة من الانطلاق وإنبات الإبداع حتى وإن طال الزمن.

في معرض إكسبو دبي، حضرت لوحة نبيل السمان “أليسار” لتعبر عن جانب مهم من الفن السوري الذي ينحو باتجاه الخصوصية خارج الأوهام التجريدية والتهويمات التي لا تعني شيئاً في بناء جماليات الإنسان. وظهر نبيل عائداً من قرطاج ومن خبايا اللون الأرجواني وأسطورة قدموس وأوروبا، ليفاجىء المشاهد أن ما يتحدث عنه هو الحلم السوري الذي اختزل في فترات تاريخية عبر أبطال وفنانين وقادة حربيين.

يقول السمان: من حق جيل الشباب أن يعبر عن نفسه، رغم أن الأمر يتم عبر الإغراق في التجريد وعبر التقنيات الحديثة التي فرضت نفسها عليهم. معظم الفنانين الشباب غير مشغولين بهاجس الهوية وذلك بسبب العولمة والكثير من الإحباطات التي حصلت تاريخياً. بالنسبة إليّ أقبل الجيل الجديد بكل هفواته وعثراته ومعضلاته.. فهو لسبب أو لآخر خرج على المعطف الكلاسيكي ومن يدري ربما يضيف الكثير في السنوات القادمة عندما يحدث الاختمار وتحين اللحظة، جيل اليوم غير مشغول بسؤال الهوية الذي أرّقنا سنوات طويلة.. يفاجئنا أنه يحفظ أسماء المطربين العالميين من الثقافات الأخرى ويعلم ما الأغنيات التي صدرت حديثاً لتلك الأسماء، وتبدو اهتماماته مختلفة جذرياً عن جيل الآباء، لكننا لابد من أن نقرّ بأن هناك طريقة تفكير مختلفة لدى أولئك الشباب الذين يرسمون ويكتبون الشعر ويمارسون مختلف أنواع الفنون. ربما أهم ما يميز الجيل الحالي هو رفضه للتنظير، لكنه للأسف لم يتمكن من فعل شيء حقيقي، نعم النتائج ليست سعيدة، لكن هناك تجريباً وتخبطاً وتأثيراً لتقنيات الاتصال الحديثة، لقد اختلفت الأدوات والمعطيات.

تجربة السمان تستحق الوقوف طويلاً، نظراً لحضور المشروع الفكري إلى جانب الإبداع في تفاعل وانسجام يعطي كل منهما الآخر بالقدر نفسه.

0
0