أوروبا في مواجهة أزمة الخليج

Share

الفينيق / حزيران (يونيو) 2017 / في السياسة / العالم العربي

أزمة الخليج التي بدأت عقب زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة إلى المنطقة تثير العديد من المخاوف في العديد من المناطق حول العالم. فاحتمال تداعيات هذا التوتر كبير، ومن الممكن أن تكون أثاره مفجعة إذ أنها تتعدى صفة خلاف سياسي بين دولتين أو أكثر لتصبح خلافاً إقليمياً قائماً على أساس تيارات طائفية مسيّسة لصالح هذه القوة أو تلك

الاتحاد الأوروبي موجود داخل هذه الأزمة، فهو يشعر أن كل تحول دولي أو إقليمي يطاله أكثر من غيره خاصة وأن مدبر التحول أصبح خصماً علنياً. لكن من طبيعة هذا الاتحاد أن يراعي المشاعر، وتصريحاته تتصف دائماً بالمراعاة باستعماله العبارات المبطنة.

الاجتماع الذي عقدته فيدريكا موغريني، الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية وسياسة الأمن، مع وزير الخارجية القطري هو تعبير عن تخوف أوروبا من الأزمة الخليجية وتداعياتها. فالأزمة تطالها من جوانب عدة أهمها المسائل الأمنية والاجتماعية. ولا داعي هنا للدخول في تفاصيل ما قد تكلفها من التزامات مالية لتوقي الحذر في ما يتعلق بالاعتداءات الإرهابية وزيادة الالتزامات المالية في مجال الدفاع المشترك، وهو أمر بدأت تعمل على تأمينه بعد موافقة كافة الدول الأوروبية عليه.

لكن الأزمة الخليجية تثير قلق الاتحاد الأوروبي لاعتبارات أخرى ناتجة كذلك عن زيارة ترامب إلى منطقة الخليج والاهتزاز الذي أحدثه في موضوع “مكافحة الإرهاب”. هذا الموضوع الذي اتفقت عليه في السابق دول خليجية عدة فبات اليوم محط خلاف. إذ أن هناك إرهاباً مسموحاً به وآخر مرفوضاً. الإرهاب القطري غير مسموح به، بينما ذلك الذي تعمل عليه السعودية مسموح به بل ويُغذى بالسلاح والعتاد واللوجيستية. فبينما كانت أوروبا وما تزال تعلن رغبتها في محاربة الإرهاب من كل جوانبه، نرى الرئيس الأميركي لا ينفك عن إطلاق تصريحات لتغذية التفرقة بين الدول الخليجية، ويلوم  قطر على مواقفها الإرهابية. إقليمياً أصبحت القطيعة بين الدول واقعاً يتوجب التعامل معه في حقائقه المتعددة. وهذا أكثر ما يقلق الاتحاد الأوروبي إذ عليه بموجب ذلك، كما ذكرت موغريني في مؤتمرها الصحافي وبشكل مبطن، التعامل مع اختلاف وجهات نظر كل طرف من الأطراف المعنية في المنطقة. وهو يأمل أن تؤدي مساعي الكويت إلى تهدئة التوتر الخليجي، واعداً بالدعم ومؤكداً على الالتزام بهذه المساعي دون غيرها.

الاعتبارات الأخرى التي تواجه الاتحاد الأوروبي اليوم هي أن ترامب ذهب إلى أبعد ما يمكن أن يتخيله العقل. فعندما قرر حل الاتحاد الأوروبي، أحد التجمعات الدولية التي يرغب في حلها، لم يخطر ببال أوروبا ولو للحظة واحدة أن يتعرض لأشباه التحالفات القائمة مع الاتحاد. مجلس التعاون الخليجي كان ولا زال في مسار مفاوضات تعاون مشترك وحوار سياسي مع الاتحاد الأوروبي، مفاوضات لم تنته حتى الآن. فالاتحاد يواجه أزمة التفاوض مع دول مجلس التعاون، مقرراً فقط دعم المساعي الكويتية ومصراً ألا يقوم بأي مسعى مغاير لها. لكن هذا لا يمنع دوله الأعضاء، ولا حتى إدارة الشؤون الخارجية فيه، من إقامة اتصالات جانبية دون أن يكون لها دور علني ودون أن تستطيع فرض توجهاتها، لأن هذا من شأنه أن يمنع استمرار هذا التعاون في حال انحازت أوروبا لهذه الدولة أو تلك.

الموقف الأوروبي الموحد لم يمنع صدور ردود فعل منفردة كان أولها التصريح الألماني الذي اتهم ترامب مباشرة بإشعال نار الفتنة في منطقة الخليج، مؤكداً أن برلين لا تنتهج نهج السياسة الأميركية. والرئيس الفرنسي ماكرون من جانبه دعا إلى التضامن، وأكد مساندته لكل المبادرات الكفيلة بتهدئة الوضع في منطقة بحاجة كبيرة إلى الاستقرار والأمن.

ردود الفعل الدولية كانت معبرة عن كل طرف حسب طريقته. تركيا تنحاز وتدافع عن قطر. إيران تدعو إلى تهدئة النفوس مؤكدة أن الأزمة في الخليج لا تعود بالنفع على المنطقة. أما روسيا فصمتها يعبّر عن سياستها. هذه الردود أشبه ما تكون بسيناريو وزعت فيه الأدوار ببراعة. لكن من قبل من؟

في كل عمل مسرحي نجد المخرج وموزع الأدوار… لقد اختلطت في ذهني الأمور فلم أعد أفرق ما بين هذه الدورين. ولكن إذا كان المخرج هو فعلياً من يصرخ ويتوعد ويشتم، وموزع الأدوار هو من يكتفي بالمقابلات الصامتة وإبداء الرأي، فربما ساعدنا هذا على معرفة من هو؟

وبين هذين الدورين، نجد اتحاداً أوروبياً يحاول جاهداً الحد من التطرف الديني، والتطرف العرقي، والالتزامات المالية، وعدم ثقة المواطنين بمؤسساته، والحركات الانفصالية، والإرهاب… فهل سيستطيع اليوم التعامل مع ضربة جديدة ملفها متشعب بشكل كبير. فبدلاً من أن يكون فقط في مواجهة أزمات الشرق الأوسط القريبة، سيجد نفسه مضطراً لأن يوسع رقعة مواجهاته، وهذا شيء هو في غنى عنه. وكما ذكرت موغريني، فإن الاتحاد الأوروبي يتمنى ألا يتم بحث موضوع أزمة الخليج في اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين المقبل والمقرر في 19 حزيران الحالي. هذا كل ما يمكن أن يصرح به حالياً: إنه فقط يتمنى…

0
0