أموال الآباء في الأبناء- رئيس التحرير

اسامه المهتار

Share

نحن لسنا مع الآية التوراتية التي تقول، “لأني أنا الرب إلهك إله غيور أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء وفي الجيل الثالث والرابع”، حتى ولو حُدّدت بشرط يقول، “من الذين يبغضونني”. (تثنية 9 :5) ولكننا مع افتقاد أموال الناهبين من الآباء في حسابات أبنائهم الشخصية وكذلك في حسابات زوجاتهم وأقاربهم والمقرّبين.

إن سرقة المال اللبناني، وضمنًا الشامي المودع في المصارف اللبنانية، وقبله العراقي والفلسطيني لا يمكن أن يمر بدون عقاب. صحيح أن التقادم قد نظّف الكثير من الأموال التي جُمعت من السرقة والقتل والتجويع، ولكن هذا لن يمنع فئة مخلصة أو ناقمة تريد استرداد حق الشعب في تعبه، من تصفية الحساب مع مصّاصي الدماء هؤلاء وذرّياتهم.

ليس لدينا بيانات موثقة ولكننا لا نغالي إذا قلنا إن ثروات عقارية تضخمت في الحرب العالمية الأولى حين كان الوالد “يبيع” قطعة أرض بدراهم قليلة لمحظي لدى الأتراك لكي يطعم أولاده. أو في الحرب الأهلية حين كان “يبيع” شقته أو عقاره لأنه من الطائفة الخطأ في المنطقة الخطأ، أو لكي يؤمن ثمن بطاقة سفر تنقله من جحيم الحرب. بل لعل في هذا مادة لأطروحة جامعية ترصد حركة انتقال العقارات من وإلى أثناء الحروب الأهلية.

لماذا نقول هذا؟ لأن الأخبار تردنا اليوم عن أشخاص حرفيين واختصاصيين يبيعون عقاراتهم في لبنان والشام بأبخس الأسعار ثمنا لدواء أو عملية جراحية لوالدة مريضة.

لسبب ما، يعتقد السياسيون، والفاسدون في الوطن أنهم في منأى من المحاسبة، ولعلهم على حق في ذلك. فحتى الأمس القريب، كان الناس، خاصة في لبنان يعيشون دوخة المال الوفير نتيجة فقاعة الاقتصاد الريعي وهرم “بونزي” الذي بدأه الحريري الأب بدعم من الطبقة السياسية اللبنانية وقطاع المصارف المرتبط بها. ولكن الأمر يختلف اليوم. فلبنان مفلس منهوب ويجدد تحديد المسؤوليات واسترداد ما أمكن من المال المنهوب. في هذا السياق، يصبح من الضروري مراجعة الجلسة التاريخية لمجلس النواب اللبناني سنة 1998، التي شرعت الاستدانة بالدولار ومحاسبة المستفيدين من التشريع الذي شكّل قاعدة الهرم المالي المقلوب الذي انهار مؤخرا بعد إزالة الدعّامات عنه وبعد أن هرّب السياسيون الضالعون فيه أموالهم إلى الخارج.

كذلك يجب استبدال تماثيل الخونة وعمّال الاستعمار في شوارع بيروت بتماثيل ولوحات تمجّد تلك القلّة التي حاولت منع تلك المأساة في الجلسة التاريخية نفسها ودفعت الثمن، أمثال الرئيس سليم الحص ونجاح واكيم وحسين الحسيني وزاهر الخطيب وسواهم.

وللمقارنة فقط، حكمت محكمة في مدينة نيويورك على برنارد مادوف بالسجن لمدة 150 سنة لأنه خدع 4800 عميلا بما قيمته حوالي الخمسة وستين مليار دولار. ترى ما يجب أن يكون الحكم على الطبقة السياسية اللبنانية التي يشتبه بسرقتها ما يزيد على المائة وستين مليار دولار من المودعين في المصارف اللبنانية؟!

وبعد،

تحفل كتب التاريخ بصفحات الانتقام والثأر. نحن لا نحب العنف ونُدينه ونفضل منطق القضاء والعدالة. ولكن التاريخ لا يأبه لما نحب أو نكره. التاريخ يقول إن بعض الناس ينتظرون عدالة إلهية خارج هذا الكون فيما يقوم بعض آخر بتنفيذ ما يرونه عدالة هنا واليوم.

على الطبقة السياسية اللبنانية أن تعرف أن حساباتها في المصارف الخارجية لن تحميها. والذي يرى جنى عمره يتبخر لكي يتنعم ابن سواه بِيَخْتٍ في “خليج الزيتونة” لن يصبر طويلا.

نعتقد أنه في مصلحة الطبقة السياسية اللبنانية أن تبدأ برد ما سرقته من الشعب قبل فوات الأوان، عليها.

0
0