أحمد عيد مراد
الزميل أحمد عيد مراد صحافي متمرِّس، أسَّس أكثر من مجلَّة في كندا، وله باع طويل في الشعر والأدب عامَّة، والصحافة خاصَّة. أرسل إلى الفينيق هذه المادة التي نقلها من كتاب وليم مكلور طمسون، William McClure Thomson، مبشِّر بروتستنطي، كان مع (دانيال بلس-Daniel Bliss)، أحد مؤسِّسي (الكليَّة السوريَّة الإنجيليَّة) عام 1866، (الجامعة الأمريكيَّة في بيروت – AUB) حاليًا . عنوان الكتاب: (الأرض والكتاب – The Land and the Book)، طُبِعَ للمرَّة الأُولى سنة 1857 وأصبح المرجع الأساس في الولايات المتَّحدة عن سورية والأراضي المقدَّسة. بقيت مبيعات هذا الكتاب الثانية بعد كتاب “كوخ العم طوم” لمدَّة طويلة.
وُلِدَ طمسون في مدينة سبرنغ دايل في ولاية أوهايو سنة 1802، وتوفِّي في مدينة دنڤر في ولاية كولورادو سنة 1894. وَفَدَ طمسون إلى بيروت سنة 1933 مبشٍّرًا إنجيليًّا، وعاصر أحداثًا مهمَّة، منها (المذابح الطائفيَّة) في الأربعينيَّات والستينيَّات من القرن التاسع عشر.
أمضى طمسون ما يزيد على الثلاثين عامًا في سورية. حالُ اللبنانيِّين الذين يصفهم في كتابه – في جبل لبنان – لم يتغيَّر، ما يدفعنا إلى السؤال: “أليس لتغيير هذا الحال أسَّس سعاده حزبه”؟
يُمْكنُ افْتراضُ عدم وُجُود دوْلةٍ فيها مثْلُ هذا التّعدُّد من الْأجْناس الْعدائيّة. لذا يكْمُنُ الْعائقُ الْأكْبرُ بوجْه تقدُّم أوْضاعهمْ وسُلُوْكهمْ وطُمُوحاتهمْ، وتحْسينها بصُورةٍ عامّةٍ ودائمةٍ. من الْـمُسْتحيل جمْعُ هؤُلاء في شعْبٍ واحدٍ متّحدٍ، أوْ إجْماعُهُمْ على أيّ هدفٍ دينيٍّ، أو سياسيٍّ ذي أهمّيّةٍ تُذْكرُ. لذا، لسوْف يبْقُون ضُعفاء وغيْر قادرين على حُكْم أنْفُسهمْ، ومُعرّضين للْغزْو والاضّطْهاد من الْأجانب. هكذا كان الْحالُ، وهكذا هُو الْآن. وهكذا، لسوْف يسْتمرُّ ليبْقُوا شعْبًا مُنْقسمًا ومُوزّعًا ومغْلُوبًا على أمْره”.
هذا نصُّ الكاتب طمسون. وما يلي بعض ما علَّق عليه الزميل مراد:
هلْ هذا الْوصْفُ ما يزالُ ينْطبقُ على لُبْنان الْقرْن الْواحد والْعشْرين! اللّهُمّ نجّنا منْ أنْفُسنا. فبمُواطنين فيه يرْضوْن بذلك، لا حاجة للُبْنان لأعْداء.
عنْدما يتوقّفُ الزّمنُ في حياة الشُّعُوب والْأُمم، ويتحوّلُ الْوطنُ إلى كانْتُوناتٍ وإقْطاعيّاتٍ من الْأفضل والْأجْدر لبنيه شدُ الرّحال إذا ما يئسُوا منْ تغُيير الْحال.
لا بأْس أيْضًا منْ إلْقاء نظْرةٍ خاطفةٍ على الْأوْضاع الْعربيّة عامّةً، ومنْها ما يجْعلُ لُبْنان مع ما فيه منْ مآخذ وما يعجُّ فيه منْ فوْضى سياسيّةٍ، واحةً في متاهات الْبيْداء الْعربيّة. إنّ الزّعيم أو الْقائد أو الرّئيس-تعدّدت الْأسْماءُ والْحاكمُ واحدٌ – عنْدما يُغيّبهُ الْـموْتُ إذا لمْ يُقْض عليْه بانْقلابٍ عسْكريٍّ، يكُونُ وارثُهُ الابْنُ جاهزًا لاعْتلاء (كرْسيّ الْعرْش، وحمْل الصّوْلجان) الّذي غالبًا ما يسيلُ دمًا. ولا يخْتلفُ عنْهُ في التّوْريث رُؤساءُ “عشائر” النّظام الطّائفيّ اللُّبْنانيّ. هذا (الْحاكمُ الْـمغْوارُ) لا يتردّدُ في إحْضار خُبراء الْأمْن (CIA) والْحماية منْ دُول الْغرْب للْحفاظ على شخْصه وحُكْمه، ويُرْسلُ الْبعْثات لتدْريب رجال مُخابراته على أحْدث طُرُق الْـمُراقبة والتّجسُّس والتّعْذيب الّتي غالبًا ما تنْحصرُ بمُراقبة أبْناء الشّعْب و(تأْديبهمْ)، وتتْرُكُ الْوطن عُرْضةً للنّهْب والسّلْب واسْتباحة حُدُوده.
من الْـمُفارقات الْـمُضْحكة الْـمُبْكية أنّ أدبيّات الْأحْزاب الطّائفيّة والْـمذْهبيّة والْإقْطاعيّة بلا اسْتثْناءٍ، في لُبْنان خاصّةً، تدّعي أنّ ثرْوتهُ الْحقيقيّة تنْحصرُ في موارده الْبشريّة (الْإنْسان) الّتي هي الْأساسُ في تعْزيز مسيرة التّنْمية الشّاملة، ورفْع مُسْتويات النُّمُوّ والتّقدُّم في شتّى الْـمجالات. وهذا في الْواقع أبْعدُ ما يكُونُ عن الْحقيقة حين ينْتقلُ الْأمْرُ من الْقوْل إلى الْفعْل. شبابُ لُبْنان الْيوْم، بعْد انْسداد الطُّرُق أمامهُمْ، ليْس لهُمْ إلّا الْـهجْرةُ.