ألغاز سوريا التي يحكمها الخوف والغضب!

Share

تقوم الفينيق بنشر سلسلة مقالات تتناول وضع الشام في ظل المتغيرات الجوهرية التي تمر بها البلاد تحت عنوان “الغاز الشام” نتناول فيها العناوين التالية:

سقطت سوريا الدولة، وتغير واقعها الذي عرفناه منذ الاستقلال عن المحتل الفرنسي بشكل جذري. ويتجاوز التغير نتائج كل نقلاتها العنيفة السابقة من جميع الإنقلابات والوحدة والانفصال، بل نستطيع أن نضيف ببساطة وثقة، أنه يتجاوز أبشع نتائج استبداد البعث بالسلطة الذي يبدو كأغنية أطفال مقارنةً بالقادم الجديد.

أحد أخطر جوانب جذرية هذا الانتقال الخطير، أنه يقدم خطابا تعبوياً ليقنع المجتمع السوري أن هذا السقوط يجب أن يتبعه سقوط خيارات خارطة سوريا – الشام الجغرافية السياسية من أصدقاء وأعداء وخصوم وتوازنات وحدود ومصالح. هي خيارات لم يبتكرها البعث بل عاش في ظلها التاريخي وحساباتها المعقدة جدا، فالعداء لإسرائيل مثلا قضية تعني وجود سوريا الدولة والمجتمع وليس ترفا في العلاقات الدولية، وبالتأكيد كان البعث والرئيس الأسد الابن والأب أحد أجزاء تاريخ هذه القضية.

بغض النظر عن كيفية سقوط دمشق بالتسليم أو الخيانة أو بالغدر، على اتفاق ما أو بخليط من كل ما سبق، سيبقى هذا الأمر للتاريخ القريب والوثائق، والمؤرخ النزيه يراقب ويرسم من المعطى ونتائجه. 

ما جرى في سوريا غير معقد على الوصف، ولكنه يحمل ألغازاً على كل مستوياتها الداخلية والخارجية والمستقبل. فكيف يحل المؤرخ النبيه هذه الألغاز ليرسم صورة للقادم أمام مجموعة من الخيارات التي تسقط فيها سوريا إلى حد اللحظة بشكل حر وجنوني ودون أي جاذبية تغير أو تلطف من المقبل المحزن؟

لغز سقوط دمشق

ترافق تاريخ دخول دمشق 8- 12 مع فيض إخباري لما يجري واغراق المشاهدين بكمية هائلة من التقارير التي تركز على كل ما لا يجب فهمه والتركيز عليه والتساؤل عنه، والأكثر خبثاً محاولة خلق قيم اخلاقية ترسم معنى ما جرى لتقتحم نفوس مجتمع خائف أو سعيد أو مصدوم مما يجرى، فنجد أنفسنا أمام خلاصة تقول بمختصرها الكاذب (هرب الرئيس الجبان متخلياً عن شعبه أو طائفته أو مؤيديه وقد سرق معه كذا وكذا) بينما التوصيف الصحيح والذي لم يذكر: اقتحام دمشق من “مجموعات مشاة” لتنظيم مصنف كإرهابي أمام القانون الدولي ومرتبط بتنظيم القاعدة وداعش بعد دعم رسمي ومباشر استمر لعقد ونصف من قبل دول؛ تركيا وقطر وفرنسا وبريطانيا وأمريكا.

مجموعات مشاة! نعم، هل شاهد أحدكم  في كل التقارير منظراً لأرتال الدبابات أو العربات المجنزرة التي تتقدم، أبدا. وهو السر وراء ما حدثني به بعض أفراد الهيئة دون انتباه (كنا نظن مع بدء دخولنا لسوريا أن ثمة اتفاق ما بين الجميع للتضحية بنا) إنهم مدهوشون بما استطاعوا تحقيقه وهي دهشة تشعرهم بعدم الثقة والخوف.

بوضوح، لقد أدخل التركي قوات تحمل سلاح جندرمة لتسيطر على رقعة واسعة من الأرض، واللغز هنا ليس فقط في كيفية تقدم هذه القوات بل في القادم من الأيام، وسيعرف الجميع قريبا أن ما يحمله هؤلاء من سلاح فردي هو قضية قابلة للمنافسة داخليا لمجتمع تدرب أفراده على الحرب عبر عمر الحرب في سورية. وبالتالي إن القوة التي دخلت هي قوة تحت رحمة المشروع التركي كما كانت سوريا يوما ما تحت رحمة فرنسا في انذار غورو.

القوة التي دخلت إلى سوريا، فصائل مشاة متنوعة لا نعرف بدقة الهدف الذي يجمعها ومترعة بشخصيات أجنبية يرافقها مترجمون، والأحمق من لا يعرف أنهم ضباط ارتباط لمشاريع لا نعرف ما هي طبيعة مهمتهم والتداعيات التي ينتظرونها على الأرض ومقدرتهم على خلق الحدث.

القوة التي دخلت سوريا تستطيع النجاح عسكريا في حفظ أمن محافظة أو قرية ولكن بالتأكيد ليس إدارة أمن دولة وحمايتها، وهي قوة مترعة بشعارات من مثيل التقدم باتجاه القدس و و و .. سواء سخرنا من هذه الشعارات أو صدقناها فعلينا أن نتذكر أن بعض السذج منهم يخجلون أن لا يقوموا بما قام به حزب الله لنصرة فلسطين، وهم سيطرحون الكثير من الأسئلة. ويجب أن لا ننسى الشخصية الكلاسيكية الموجودة في كل الثورات “تروتسكي” صاحب شعار يجب أن تنطلق الثورة في كل اتجاه (العراق مثلا)، هذا الشخص اللطيف المسؤول عن تغطية اخفاقات الثورات المدوية والتحضير لاخفاقات اضافية قادمة هو شخصية ظل تركية.  

أخيرا.. علينا أن نتسامح مع كل تقارير المحطات الإعلامية ومتحذلقي البترو دولار التي كانت تروي سرديات أن جبهة النصرة وداعش من ابتكار الدولة السورية (لسرقة الثورة – أسلمة الثورة – تفريغ الثورة).

سوريا وألغاز شؤون الداخل

إن من يحكم سوريا الآن جهة مرتبطة بمجموعة من التنظيمات (مازال عدد الفصائل مبهما) المصنفة قانونيا بصفة الإرهابية (أحرار الشام، جبهة النصرة، القاعدة) وعلاقاتها بتنظيم داعش لا تحتاج إلى  توضيح وقد استفاضت فيه الكثير من الدراسات العربية والاجنبية.

  • إن هذا المنتصر الذي تم تلميعه في الشهور الأخيرة والذي ما زال توصيف نصره العسكري ملتبسا من الوجهة القانونية والحقوقية؛ هل هو ناجم عن توافق دولي؟ أو تسليم أو خديعة أو خيانة من طرف ما؟ يطرح هذا المنتصر كلاما واضحا في إدارة أخطر شؤون المجتمع وملخص طرحه، أن على الجميع أن ينسى جرائمي ولكن يجب أن أحاسب على الجرائم التي ارتكبت بحقي وحق من يؤمن بقضيتي. نعم يحق للمنتصر أن يفعل هذا!! ولكنها الوصفة الكبريتية للخراب والحرب داخليا، إذاً المستقبل واضح ثمة شعب للمنتصر وشعب للمهزوم!! وعلينا أن نتذكر أن حولنا دول تعتبر الجولاني ورجالاته مجرمي حرب وقتلة مطلوبين لديها.
  • إن ما يقدمه هذا المنتصر بخصوص الطوائف والإثنيات في سورية غامض ويعتمد على تصريحات بأسطر بسيطة ولقاءات بين قياديين من طرفه ورجال دين، ولا يبدو ثمة مجهود حقيقي واضح وظاهر في خطوات بسيطة يمكن أن تكسر واقع الخوف عند الأقليات بسبب التاريخ القريب جدا لهذا المنتصر، ولتخفيف غلواء واندفاع مؤيديه الذي لا يمكن احتمال اعتبار تجوازاتهم حالات فردية غير مسؤولة! ونستطيع القول أن مخالفة هذا المنتصر لسلوكيات المنتصرين المعتادة يثير الريبة جدا، فهل من المعقد أن يُصدر هذا المنتصر بيانات يومية (بيان أول – بيان ثاني) تحدد جوانب حياة المجتمع وتوجهات المنتصر بما يتعلق بالسياسة الداخلية والخارجية والانضباط للشؤون اليومية؟

إن جل ما نعثر عليه هو تصريحات للقيادة العسكرية تصدرها الجزيرة أو قنوات التواصل الاجتماعي بل أن بعض القنوات قامت بتقليد (وربما لا، من يعلم؟) بعض التصريحات مما اضطره لاصدار تصريحات تنفي التصريحات التي أُطلقت.

  • لطالما كان المنتصر يحتاج إلى إعلام مرئي ومسموع يمثل توجهاته ونظرته الى الأحداث الجارية ليخاطب الداخل والخارج. فما هو المبرر لإغلاق التلفزيون الرسمي ومحطات الراديو بينما المنطقي والمتوقع أن ينشط هذا الإعلام بشكل هائل. هل يستطيع أحد أن لا يخرج إلا بأحد الاستنتاجات التالية، إما أن المنتصر لا يملك ما يقوله على التلفاز، أو أن ما يريد قوله لن يقبله أحد بالواقع الجغرافي الحالي، أو انه ينتظر إنذار غورو!
  • يمكن تقسيم صورة الفوضى في سوريا ضمن 3 أقسام، ثمة تفلت من القانون لجهات أهلية تستغل الأمر بالسرقة والتخريب وسواها، وثمة تجاوزات من أفراد بعض الفصائل ويتم التعامل معها، وثمة تجاوزات تحمل ثأراً لأفراد محسوبين على قضية المنتصر… إن استمرار التجاوزين الأخيرين بالتحديد، وسلوك المنتصر الذي يعتبر الأمر قضية فردية هو الوصفة المثالية لإنفجار يحترق به الجميع، فمن يعلم؟ أثناء سرقة ما، عندما يدافع أحد أبناء الأقليات عن منزله فيقتل السارق ليتبين أن السارق من طائفة أخرى أو محسوب على فصيل ما أو قرية مجاورة لها حيثيات ما أثناء الحرب مع القرية التي تتم السرقة فيها. هل سيُفهم هذا السلوك من قبل المجتمع الخائف والمجتمع المنتشي بالنصر بحدوده السرقة فقط؟ أم أن ضباط الأرتباط ينتظرون وخلفهم إعلام يفتقر لأصغر حدود المصداقية؟ ما هي الأيام التي يجب أن نحسبها على المنتصر كي نتأكد أن هذه النتيجة القذرة هي ما يريده بالضبط؟
  • هل يصعب إلزام الفصائل مثلا بعدم إرتداء رموز داعش وحمل أعلامها عندما يمشون في المدن؟ ألا يطمح من يريد أن يزيل صفة الإرهاب أن يتخذ هذا القرار؟ أم أن هذا الأمر حقا لا يعنيه؟
  • طلب المنتصر من الفصائل الفلسطينية في سوريا تسليم سلاحها ومستودعاتها والتحول إلى مكاتبها. ربما لا يعلم المنتصر أن الملف الفلسطيني وسلاحه في سوريا قضية أعقد من حصرها بالفلسطيني فقط، بل ثمة سوريين معهم منخرطون بحالة السلاح والقرار. والانكى من ذلك أن المنتصر ربما لا يعلم أن الفلسطيني يملك من الأسلحة ما يجعله متفوقا على المنتصر بحالته العسكرية (الجندرمة) وأن الفلسطيني ربما، وأقول ربما، يعرف قيادة الدبابات التي لا يعرف استخدامها عناصر المنتصر! بل ربما تملك المقاومة الفلسطينية قبضات لصواريخ موجهة؟! إننا نعود هنا لحقيقة بسيطة .. من يريد أن ينزع السلاح عليه أن يرسل رجالا ليأخذوه. وهي معادلة غاية في البساطة إلا إذا كان لضباط الارتباط المرافقين للمنتصر شأن خفي ما مع الفصائل الفلسطينية.
  • إن اعلان المنتصر إلغاء الخدمة الإلزامية قضية مفهومة ضمن طلبات صانعيه، ولكن مع الإلتزام بها بشكل جزئي لبعض الإختصاصات أمر مبهم. إذا تجاوزنا لغز ماهية هذه الإختصاصات! هل أنا الوحيد الذي يسأل عن ماهية من سيؤدي هذه الخدمة الجزئية الإلزامية طائفيا ومناطقيا وطبقيا وقبليا؟ لا أعرف إجابة على هذا السؤال، ولكن ما أعرفه أن الجميع سيقول هذه هي اميتازاتي منذ المرحلة العثمانية ولنا وللمنتصر في محاولات ابراهيم باشا ابن محمد علي  والملك فيصل في بلاد الشام عبرة حكيمة.
  • تحدث المنتصر بوضوح عن نظام السوق الحر، وربما هو الوضوح الوحيد الذي تحدث به، فهيا بنا نرحب بشركات النهب العالمية ومديونيات ستجعلنا نشتاق للبطاقة الذكية.

كيف يتصرف المنتصر؟ تصريحات مقتضبة وخطب قصيرة وتوصيفات مختصرة جدا لأحداث خطيرة تجري على الأرض .. هل نستطيع أن نستنتج من هذا السلوك أن المنتصر يحاول تقليل التزاماته ومسوؤلياته على الأرض تجاه القادم من حساب وفاتورة واقع 14 عاماً من الحرب والدماء التي كان فاعلا فيها؟ وبالتالي يمر المنتصر بأيام حساسة لا تحتمل التأخير بقضية الوضوح بما يتعلق بحقوق المهزومين في المجتمع وحمايتهم. “يتبع”

0
Set Youtube Channel ID
0