أزمة النزوح… سلاح ديموغرافي

Share

عادل جبور

يمكن تقديم عشرات التوصيفات والتفسيرات لما تقوم به الدولة الصهيونية ضد الضاحية الجنوبية من بيروت والمناطق المجاورة لها. فلقد بات واضحاً أن العدوان “الإسرائيلي” يركز على الضاحية بشكل جنوني يتجاوز مسألة العمل العسكري المزعوم. ذلك أن القصف الجوي، مدعوماً بالقصف البحري، يدمّر الأبنية والمجمعات السكنية بعقلية منهجية تشي بوجود مخطط معيّن بعيد المدى… طبعاً  إلى جانب الادعاء بملاحقة قيادات “حزب الله”.

منذ انفجار الوضع على الحدود اللبنانية – الفلسطينية قبل أسابيع لجأت القيادة الصهيونية إلى تكتيك القصف الجوي بالطائرات الحربية والطائرات المسيرة والصواريخ المتنوعة. وبنظرة عامة، نلاحظ تطوراً في استخدام هذه الوسيلة مع تصاعد حدة المواجهة على الجبهة الحدودية. فقد وسّعت الطائرات المعادية مجال اعتداءاتها لتشمل الجنوب والبقاعين الغربي والشمالي والضاحية الجنوبية على وجه التخصيص، إضافة إلى بعض القرى والبلدات، خارج ذلك الحيز الجغرافي، لكن يسكنها أناس من التيار المؤيد للمقاومة.

في المرحلة الأولى من التدمير الصهيوني المنهجي، إدعت تل أبيب أن قصف الضاحية الجنوبية هو “جزء من مخطط تصفية” القادة السياسيين والميدانيين في “حزب الله”، وفي بعض الأحيان قيادات أخرى من قوى حليفة لـ”محور المقاومة”. وترافق هذا القصف “الإنتقائي” إذا جاز التعبير، مع ضربات عشوائية وأخرى موجهة في مناطق ذات لون طائفي معيّن (الشيعة). وكان من الطبيعي أن تؤدي المجازر اليومية التي ترتكبها الدولة الصهيونية إلى “نزوح” عشرات الألوف من المواطنين، خصوصاً النساء والأطفال والكبار في السن.

لقد قرأتُ وسمعتُ العديد من التفسيرات يقدمها خبراء ومراقبون من هنا ومن هناك، تبدأ من أن العقلية التوراتية اليهوهية تربي أتباعها على قتل كل “الأغراب”… وصولاً إلى أن القيادات الصهيونية تنفّس عن أحقادها ضد المدنيين العزل انتقاماً مما يُلحقه أبناء المقاومة بالقوات الإسرائيلية في الجنوب! وأي واحد منا قادر على ذكر أسباب أخرى تدخل ضمن نطاق مروحة واسعة من التفسيرات والتحليلات. لكني في هذه العجالة أريد تناول الخلفيات السكانية (الديموغرافية) التي تراهن عليها الدولة الصهيونية كسلاح فعّال في معركتها الشاملة ضد بلادنا.

سبق أن مرّ شعبنا في جنوب لبنان والبقاع الغربي، تحديداً، بتجارب نزوح وتهجير بسبب الاعتداءات الصهيونية على الأراضي اللبنانية منذ مطلع السبعينات حتى اليوم. ودائماً كان الناس يعودون إلى منازلهم بعدما تسكت طبول الحرب. فالمواطن الجنوبي النازح مؤقتاً يلقى الملجأ في بيروت أو في البقاع الشمالي، وفي مناطق أخرى أيضاً، ناهيك عن سورية. ثم ينتظر الحل السياسي ليشد رحاله إلى بلدته أو ضيعته، فيرمم ما تضرر ويعيد بناء ما تهدّم.

ونحن نشعر بوجود مخاطر شديدة تهدد وحدة المجتمع، هي نتاج أنماط النزوح  وجغرافية الإقامة في المرحلة الحالية. وسنكون أكثر وضوحاً في التفاصيل: مناطق التواجد الشيعي تلقت، وما زالت تتلقى، الضربات العنيفة التي أجبرتها على النزوح إلى “مناطق غير شيعية”. وكانت الغالبية العظمى من الشعب اللبناني على قدر المسؤولية في احتضان أبناء شعبهم ورعايتهم في ساعة المحنة التي يمرون بها. لكن المعضلة تكمن في أصوات النشاز التي بدأت نبرتها تعلو بالتوازي مع ولوغ الصهاينة في دماء أهلنا وناسنا.

أعتقد أن العدو الصهيوني يستخدم التدمير المنهجي لجعل موجة النزوح الحالية مشكلة مختلفة عن سابقاتها. كما أنه يخطط لإطالة أمد حالة اللجوء، بحيث تنشأ بؤر احتكاك وتوتر بين السكان المحليين والسكان النازحين! وفي ظل تواصل العدوان الصهيوني، ستبرز عناصر قد تؤدي إلى إشكالات، منها:

  • مزيد من الاعتداءات الصهيونية يعني مزيداً من النزوح.
  • سياسة التدمير الشامل للمجمعات والمباني السكنية ستعرقل عودة النازحين في حال تم إقرار وقف إطلاق النار.
  • قد لا تتأمن بالسرعة المطلوبة المساعدات لتمويل إعادة الإعمار، فالدول الخليجية التي دفعت سنة 2006 لا تبدو مستعدة الآن.
  • التركيز على “المناطق الشيعية” ينمّي شعور الغبن بين المواطنين.
  • من المتوقع أن تتحرك أطراف محلية لوقف إيواء نازحين جدد.
  • الضغط على خدمات المدارس والمستشفيات والأشغال سيصل إلى مرحلة الصدام إذا استمر الوضع.

في هذه المرحلة بالذات، تحتل مسألة إيواء النازحين ورعايتهم حيزاً واسعاً من جهود عمال الإغاثة والإنقاذ. والحقيقة أن محور المقاومة وحلفاءه يتعاطون بشفافية مع ملف النزوح، حتى لا تتحول تلك الحالة الوطنية الإنسانية إلى لغم موقوت قابل للتفجير على يد العدو الصهيوني، مباشرة أو مداورة. لذلك فإن الكرة في ملعب “التيار الآخر” على الساحة اللبنانية. فقد لاحظنا خلال الأيام القليلة الماضية تصريحات ومواقف يبدو وكأنها جزء من “جوقة” منظمة تصوّب على المقاومة التي تتصدى للأخطبوط الصهيوني في جبهات عدة.

يظن بعض ذوي الارتباطات المعروفة أن الضربات الصهيونية أضعفت محور المقاومة، وعلى هذا الأساس يراهنون على إحداث تغيير في الداخل اللبناني. ويصل الأمر عند تيار منهم إلى حد التفكير بإشغال الخطوط الخلفية للمقاومة عن طريق أزمة النزوح! إن مثل هذه الخطوة ستكون كارثية على الجميع، ولكنها قد تكون وجودية بالنسبة إلى ذلك التيار المرتبط بالخارج. والنصيحة التي نسديها للمغامرين أن اتعظوا من تجارب الغزوات الصهيونية للبنان، فليس العام 1982 ببعيد عن ذاكرتنا القومية.  

0
0

1 Comment

Hussein Bazzi 9 أكتوبر، 2024 - 2:37 ص

بعد التحية .. من وجهةالدراسة هي الهدف المرجو من التدمير الديموغرافي هي عملية النزوح الجماعي وهنا نتكلم عن اعداد هائلة من سكان الضاحية الجنوبية والمتلاصقة مع عدد من المخيمات الفلسطينية اضف اعداد هائلة من النازحين السوريين ايضا..ومسٱلة الهمجية الصعيونية في التدمير حتى لا يبقى للهواء حياة كما حدث بتواريخ مفصلية من الصراع القائم كما ذكرت ..لكن الرسالة هي اعمق لاسترداد الردع بعد نزوح كافة سكان المستوطنات شمال الارض المحتلة وحتى ما بعد شمالها من ايلات وطبريا وصولا لمنطقة حيفا ..كما ان هجرة 500 الف مستوطن من المستوطنات ياتجاه كافة اصقاع الارض ب one way tucket زاد من غضب العدو غضبا وباشر بعملية التدمير وتوزيع رسائل التهجير ..واخذت ذلك المنحى الطائفي اي ضرب الشيعة في عكر دارهم ….في سنة 2006 تحول الجنوب الى خراب وعند اللحظة الاولى لوقف اطلاق النار ..لم تكن ظلمة بل شمسا ساطعة في ذلك اليوم عاد الحميع الى الخراب ونصب خيمة امام اعادة الاعمار …شخصيا تهجرت من قريتي عشرون عاما وعشرون ربيعا وعدت اليها محررا بعد كل هذا الانتظار ..قد ينجح العدو في خططه مع بعض الاحزاب واصنام في النظام اللبناني لكنه لن ولن ينجح مع شعب عايش العدو وهزمه رافعا شعار ..هيهات من الذلة ..كذلك من رفع شعار الاسرائيلي منذ اشهر وهو يطالب بالكونفدرالية ولكم لبنانكم ولنا لبنانا ..وهم لا يشبهونا ..قد سقطت من غير رحغة ..اسامه المهتار لك كل الشكر على كل اضاءة .

Post Comment