ما الفاعل السياسيّ الآن وهنا؟
لمراجعة الحلقة الرابعة يرجى الضغط هنا.
السؤال بـ
“ما” سؤالٌ فلسفيّ، يتناول مفهوم الفاعل السياسيّ وشكله ومادته ومحدداته، دون أنْ يشير إليه بـ
“هذا”، أي بمعنى أنَّ السؤال بـ
“ما” يفيد البحث في حالة الفاعل السياسيّ وشروطه، ولا يفيد البحث فيمن هو الفاعل السياسيّ بعينه. فسؤال ما هو الفاعل السياسيّ؟ يسبق زمنياً ومنطقياً سؤال من هو الفاعل السياسيّ؟ وكونه سؤال بـ “ما” فإنَّه يفيد الإطار والمسرح المعرفيّ الذي يبرز فيه فاعل سياسيّ لا على التعيّين، وليس كالسؤال بـ “من” الذي يفيد تحديد العاقل والاسم بشكلٍ ذاتيّ. إنَّه سؤالٌ تدرس إجابته شروط بروز الفاعل السياسيّ الآن وهنا، وقوام إمكانيته حتى ولو كانت إمكانيّةً ضئيلةً وتقارب الصفر دون أنْ تكون صفراً. ويبحث أيضاً في نقد مسلماتنا المعرفيّة السائدة عن الفاعل السياسيّ، بوصفها عقبةً أمام رؤية وإنتاج فاعل سياسيّ جديد.
مفهوم الفاعل السياسي:
من صفات المفهوم كمفهوم أن يكون واسعاً في الشمول فقيراً في التضمن. فمفهوم الفاعل السياسيّ مثلا، يشمل جميع الفاعلين السياسيّين ماضيا، حاضرا ومستقبلا، ولكنه يتضمن أقل قدرٍ ممكن من الصفات الأساسيّة التي يشترك فيها جميع الفاعلين السياسيّين، والتي يمكن أنْ تحدّ المفهوم وتعيّنه.
وبفضل ممارسة السلطة كسلطة، ومسلّماتنا المعرفيّة عن هذه الممارسة، تقلّصَ عندنا مفهوم الفاعل السياسيّ في الشمول، واقتصرَ على فاعلٍ واحد هو الرئيس أساساً، والذي يتبعه بدرجات متفاوتة عدد معيّن من الفاعلين، ينظم العلاقة فيما بينهم شكلٌ هرميٌ وخيطٌ لا مرئيٌ يصلهم بشخص الرئيس. وهؤلاء الفاعلون هم: النظام، الأمن، الجيش، رئيس الوزراء، الوزراء، أصحاب رأس المال، الحزب، النقابات العماليّة والحرفيّة والاتحادات بأنواعها والمؤسسات الدينيّة والمذهبيّة. كذلك الدولة، ومؤسساتها التنفيذيّة والماليّة والدبلوماسيّة والتشريعيّة والقضائيّة والإعلاميّة والأيديولوجيّة.
تؤكد قراءتنا أنَّ هؤلاء فقط هم الفاعلون السياسيّون، أمّا باقي أفراد المجتمع ومكوناته وجماعاته…. إلخ، فهم ليسوا فاعلين سياسيّين ولا يمارسون سلطةً إطلاقاً. إذن فهؤلاء منفعلون، فقط بممارسة فعل أولئك الفاعلين عليهم بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر. وعلى العكس أيضاً، توسّع هذا المفهوم في التضمن، فصار يضم صفات أساسيّة كثيرة، وصفات ثانويّة كثيرة أيضاً، كالولاء والطاعة ومرادفاتها. فبتنا أمام خليط غامض في المفهوم، وهذا ينافي وظيفة المفهوم ويلغيها من جذورها.
وحتى نخرج من هذه الخط وهذه الفوضى، نحدّد مضمون مفهوم الفاعل السياسي، بممارسة السلطة وبممارسة مقاومة السلطة، أو بكليهما معاً. ولنقل بداية إنَّ الفاعل السياسيّ يتجسد في ممارسة السلطة/المقاومة في آنٍ كممارسةٍ للقوة، باعتبار أنَّ السلطة/المقاومة منتشرة ومبثوثة في كلّ مكان وزمان عبر النسيج الاجتماعيّ والسيرورة التاريخيّة، وليست مُركزة في مكانٍ محدّد أو زمانٍ محدّد.
فالحاكم في المسلمة الأولى ليس محكوماً أبداً، والمحكوم ليس حاكماً على الإطلاق. الحاكم يمتلك السلطة بينما المحكوم لا يمتلكها. إنَّها ثنائية تضع السلطة في جانب وتترك الطرف الآخر بدونها، فلا تأبه للعلاقة الواقعيّة بينهما بوصفها علاقةً باتجاهين. وهذا يعني ممارسة القوّة من طرفٍ على طرفٍ آخر، وممارسة المقاومة من قبِل الطرف الذي تُمارس عليه السلطة بآن.
والمرْكَزة في المسلمة الثانية كما ثنائية الحاكم/المحكوم في الأولى، كلتاهما تمثلان معرفة أُخذت من منظور عالٍ وعامّ، وكأنها معرفة تَنظُر إلى السلطة بعين طائر مُحلِّقٍ في السماء، فتمسح الأرض بشكلٍ لا ترى فيها التفاصيل. فالمركزة تُركِّز السلطة في الدولة ومؤسساتها قانونياً وحقوقياً بواسطة مفهومي السيادة والشرعيّة. وهي بهذه المركزة لا ترى سوى ممارسة سلطة المؤسسات والأماكن المحدّدة والشخصيات الفاعلة كالرئيس والعلاقة الهرميّة بالسلطة التنفيذيّة والتشريعيّة والقضائيّة والإعلاميّة، فتهمل بمرْكَزَتها هذه لامركزيّة السلطة المبثوثة في كل شيء من جهة، وتُهمل مقاومة السلطة الملازمة لكل ممارسة سلطويّة من جهة ثانية.
والواقع أنَّه لا توجد علاقات للقوة أو ممارسة للسلطة دون مقاومات حقيقيّة وفعّالة لهذه القوّة أو هذه السلطة، لأنَّ المقاومات تتشكل بالضبط في تلك النقاط التي تُمارَسُ علاقات القوة عندها. ولذلك تتسم نقاط الصراع والتفاوت والنفي بين السلطة وبين مقاومتها بأنها عريضة جداً ومنتشرة، فهي ليست محصورةً داخل حدود جغرافيّة أو تاريخيّة أو أثنية لبلد ما، لأنَّ هذه النقاط بنت الحياة ومنها.
لقد كان الفاعل السياسيّ قديماً هو الملك-الإله، ثم توسّع الفاعل السياسيّ وتجسّد في الملك-اللويثان أساساً أو الغول الذي قال به هوبز: “الذئب الأكبر الذي يضبط جميع الذئاب الصغار والآخرين ليوقف حرب الجميع ضد الجميع، ومن ثم يطرد العنف والحرب خارج حدود مملكته إلى المجتمع الدوليّ.” ومن ثم تجسد في الدولة ومؤسّساتها بشكل كبير، وبالبروليتاريا كطبقة أو كنقابات، ومؤسسات المجتمع المدنيّ وجماعات الضغط “اللوبيات” والشركات الضخمة وأصحاب رأس المال والجماهير والطلاب و….. إلخ.
أمّا الآن فقد برز الشعب كفاعل سياسيّ، ينطوي على قوة كامنة تُمارس الشرعيّة والتفويض بوصفها مصدراً لهما. وبرزت سلطة من لا سلطة لهم كالمبعدين ومؤسّسات المجتمع المدنيّ، والمجتمع الأهلي كفاعل سياسيّ يعتمد الحَسَنة والاكتفاء الذاتي والفَزْعَة، والفاعل السياسي الفردي في مقاومته الموضعيّة للسلطة محلياً، والفاعل السياسيّ الافتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي، وأيضاً برز الفاعل السياسي على مستوى عالمي كالتنظيمات الإرهابية والمتطرفة والشركات متعددة الجنسيات. وجميع هؤلاء هم فاعل المستقبل السياسي، وليس موت الفاعل السياسي – كما علّمتنا حقبة ما بعد الحداثة عن موت الإنسان وموت المؤلف وموت التاريخ وموت الإيديولوجية – إلّا موتاً لتصوراتنا السائدة عن الفاعل السياسيّ من جهة، وولادة فاعلٍ سياسيٍ جديد وليس مفارقاً يرفضه موروثنا المعرفي ويعانده، ولا تسمح لنا مسلماتنا عن الفاعل السياسيّ برؤيته والمراهنة عليه من جهة ثانيّة.
وهنا بالذات خَلُص ميشيل فوكو في كتابه “إرادة المعرفة” إلى إبراز عدة مسلّمات معرفيّة تُقزم رؤيتنا للسلطة وتُسطّحها، فنعيد إنتاج ممارسة السلطة بدلاً من مقاومتها وزحزحتها وإثخانها بالجروح والندوب. وهكذا يتوسّع مفهوم الفاعل السياسيّ ليشمل فاعلين سلطويّين يمارسون علاقة القوّة بواسطة الضبط والمراقبة إضافة للقتل والتعذيب، ويبرز فاعلون سياسيّون يقاومون الفاعلين السلطويّين وسلطتهم المنتشرة أفقياً وعمودياً.
ومن المسلمات التي نقدها فوكو: “مرْكزة السلطة بدلاً من لا مرْكزتها، رؤية السلطة كَمُلكْيّة بدلاً من رؤيتها كاستراتيجية ممارسة للقوّة. تبعية السلطة لنمط الإنتاج بوصفها بنية فوقيّة، وبوصفها علاقة علّةٍ بمعلول، بدلاً من رؤية علاقة القوّة المتغيرة مع الزمن بين الاقتصاد وبين السلطة. رؤية علاقة الحاكم بالمحكوم رؤية ماهية جوهريّة، تفصل بينهما فصلاً أبدياً دون وصل.”
وإذا لخّصنا ما توصّل إليه فوكو، نجد شروطاً تقيّد تفكيرنا وعملنا في موضوع الفاعل السياسي، مثلَ أنَّه لا سلطة بدون مقاومة، ولا ملكيّة للسلطة، والسلطة علاقة قوّة متغيرة تُمارَس، وعدم قابلية السلطة للمركزة وانتشارها في كلّ مكان ولا مكان في آن.
وبالفعل فقد رسخّت رؤية السلطة من علٍ (من منظور عين الطائر) عدة مسلّمات في معرفتنا بالسلطة، تَحصُر وتُمركِز الفاعل السياسيّ في الدولة ومؤسساتها التنفيذيّة والتشريعيّة والقضائيّة، في النظام وجيشه وأيدولوجيته، في فرد محدّد كالملك، الخليفة، الأمير، السلطان، الرئيس. فهؤلاء فقط هم الفاعلون السياسيّون، لأنهم يملكون السلطة، بينما الآخرون هم مادتهم وموضوعهم.
فباتت الدولة ومؤسساتها صاحبة السلطة، وغالباً بات الرئيس أو الملك هو “الكل بالكل”، وخُصّت الأحزاب كذلك بشيء من السلطة، وبرزت مؤسّسات المجتمع المدني لاحقاً كلاعب سياسي مع جماعات الضغط “اللوبيات” والطلاب أيضاً، وقبلها برزت البروليتاريا مع ماركس والماركسيّة كلاعبٍ أساسي. هؤلاء هم الفاعلون السياسيّون فقط، وغيرهم من أفراد وجماعات وشعوب ومؤسسات.. إلخ، تُمارس عليهم السياسة أو السلطة أو علاقات القوّة لا فرق. وما هذه الرؤية إلّا “رؤية اختزاليّة للمجتمع”، تنـزع منه عمومية السلطة والسياسة بوصفها ممارسةً للقوّة، وبالتالي تنزع عمومية الفاعل السياسيّ وتحصره.
فهل تُرسِّخ الرؤية من أسفل (من منظور عين الضفدع) مسلّمات جديدة تُرشِدنا في تحديد الفاعل السياسيّ من جديد؟ ولا سيّما أنَّ مثل هذه الرؤية تأتي من موقع لا مركزيّ، ومن زاوية تتبع واقع الحياة الاجتماعيّة في أصغر تفاصيلها من ظواهر شعبيّة وعشوائيّة وهامشيّة وفرديّة وافتراضيّة وأهليّة.. إلخ.
شرطا تحديد الفاعلين السياسيّين الجُدُد:
للبحث في الفاعل السياسيّ الجديد (الأداة الجديدة)، لا بدّ لنا من تحديد أوليّ لمسألتين بغاية الأهميّة لموضوعنا وهما: تحديد الشروط الابتدائيّة المُعيقة أو المساعِدة في رؤية وخلق فاعلٍ سياسيٍّ جديد، وتحديد طبيعة النظام الشامي/السوريّ كفاعلٍ سياسيٍّ وحيد حاولَ جاهداً هضم جميع الفاعلين التقليديّين في سلطته ولكنه فشل، بدليل بروز براعم فاعلين جدد.
ففي تحديد طبيعة النظام الشامي/السوريّ القائم الآن نجده يُمارس سلطته كعلاقة قوّة على الشاميين/السوريّين. ومن خلال نقاط الاحتكاك بينه وبينهم، فقد كَثُرت توصيفات وتحديدات النظام، ولاسيّما في السنوات الثمانية الماضية. ومن هذه التوصيفات أنَّه نظام استبداديّ دكتاتوريّ قمعيّ، شموليّ أو ما بعد شموليّ، طائفيّ، لا بل ذهب البعض إلى نعته بالعميل والخائن وشطح آخرين إلى وصفه بالإرهابيّ أو مُفرِّخ للإرهاب أو مُوظِّف للإرهاب أو جاذب للإرهاب أو داعم ومموِّل له.
وبالمقابل نجد أن الكثير ممن هم مع النظام أو من بعض مخالفيه أو معارضيه لا بل حتى من بعض الغربيين كجورج غالوي، يجده نظام مقاوم ممانع، نصير لحركات المقاومة عامة وحركات المقاومة السورية خاصة، حقق للشاميين حياة رغيدة آمنة (وخاصة في فترة الرئيس بشار الأسد)، استطاع أن يحقق التفوق في بعض المجالات، منفتح، لديه رؤية تحديثية وتطويرية، قلب العروبة النابض.. إلخ.
والحق يقال، إنَّه من الصعب بمكان جمع هذه الصفات وإحصائها وتصنيف الغايات من وراءها على خلفية النسبيّة وحالة اللا تفاضل التي نعيشها في ظل الفوضى. ومن هذه التوصيفات توصيفات سياسيّة معارضة ومنها سياسيّة موالية، ومنها توصيفات إقليميّة ودوليّة. ومنها توصيفات علميّة مستمدة من علوم السياسة والاجتماع والاقتصاد إلى آخر ما هنالك من أيديولوجيات ومن توصيفات.
أمّا في تحديد الشرط الثاني الذي يكمن في تحديد الشروط الابتدائيّة، ونقد سذاجة تعليقها، فهناك شروط ابتدائيّة لا منتهية تحكم الفكر كما تحكم العمل. وكل فكرٍ وعملٍ لا يراعي الشروط الابتدائيّة مآله السقوط والإرهاب. ومعرفة جميع الشروط الابتدائيّة مستحيل لأنها غير منتهية.
ومن الشروط الابتدائيّة للتفكير وللعمل الآن وهنا: الفوضى، التدّخل الدوليّ والإقليميّ، انعدام القطبيّة الدوليّة، التنظيمات الإرهابيّة الوصائية المتطرفة. فلا تفكير مثمر بفاعل سياسيّ، دون الاعتراف بالتدخل الدولي والإقليمي كشرط ابتدائي واقعي.
وبدون أخذ الفوضى في الحسبان لا نصل إلى نتيجة في تفكيرنا وعملنا، ولاسيّما أنَّ الفوضى فتحت مجالاً للتنظيمات الإرهابيّة الوصائية المتطرفة للتمدد والحصول على السلاح والثروة وإنشاء هيئات شرعيّة للقضاء وإدارة التوحش من جهة، ومن جهة أخرى حجّمت النظام من حيث احتكاره للقوة وللثروة وللمعرفة، في حين كانت هذه الاحتكارات سنده. ومع الاتكال على قطبيّة دولية مزعومة ومعدومة قياساً على الحرب الباردة، سنجد أنفسنا في العراء مكشوفين أكثر من قبل وفي طريقنا إلى مزبلة التاريخ.
رغم هذا كلّه وغيره، ثمة سياسةٌ لأنّه ثمة حياة. وربط السياسة بالحالات السياسيّة المرحليّة مقتل للسياسة. توجد سياسة أجل، تتراجع نعم، ولا أقول إن أثرها معدوم، بل إنه يسعى إلى العدم ولكنه لا يصل. أمّا القول بعدم وجود سياسة بالمطلق، فهذا مُحال نظري وعملي. ولنلاحظ أنَّ كل محاولات نزع السياسة من المجتمع وإعدامها لم تصل لمرادها، ذهبت هذه المحاولات وبقيت السياسة.
إنَّ تقويض ونقد مسلماتنا القديمة يساعدنا على رؤيةٍ مختلفةٍ للأمور، لدينا مشكلة في تصوراتنا، في تمثيلاتنا، في إعادة إحضارنا للواقع إلى الفكر. وبتجاوز هذه المشكلة يمكننا أنْ نفتح الواقع المقفل أمامنا، وأنْ نقف إزاء رؤية ماديّة تسدّه، ورؤية وضعيّة تُصنِّمه، ورؤية تقنوقراطية تخصّصه، لتُترَكَ الجموعُ من البشر والأفراد خارج الموضوع، فيتحولوا إلى مادة لا شكل لها، مادة للعبث بها حسب الأهواء.
طالما السياسة باقية في مختلف الشروط الابتدائية، فأين هي الآن وهنا؟!
لاشكّ أنها متراجعة عند النظام كما هي متراجعة أيضا عند التشكيلات المعارضة المعترف بها من قبله، ولكنها قائمة في الحياة نفسها في مقاومة الموت والرعب والدمار. الرهان إذن، هو على هؤلاء المبعثرين المقاومين، أصحاب الفكر والعقيدة والنهج حاملي لواء مصلحة سورية فوق كل مصلحة، وهو أكبر من الرهان على الائتلافات والمنظمات والأحزاب. للأسف بألم وبحزن أقول: في حالتنا الشامية/السورية بات من يوفر الحدّ الأدنى من الأمن والحدّ الأدنى من الطعام فاعلاً سياسياً بامتياز، بل يمكن القول إنَّه يقود المرحلة جزئياً وضمن حدوده وشروطه الابتدائية. من هذا الجديد ويبرز الفاعلون الجدد.
الفاعل السياسي الأداة الجديدة:
“إذا كانت الأداة الوحيدة لديك هي المطرقة، فإن من الطبيعي أن تنظر إلى كل شيء على أنه مسمار”.
ثمة مغزىً في هذه المقولة، لعالم الاجتماع أبراهام ماسلو، (فيلسوف أمريكي (1918-1993). وردت العبارة في كتابه المنشور عام 1966 بعنوان The Psychology of Science، وأصبحت ركيزةً لما يُسمى في علم الاجتماع بـ «قانون الأداة») يفيدنا في فهم الظاهرة، مجال البحث، على أكثر من مستوى.
أولاً: في العلاقة بين الأداة (الفاعل السياسي) ووظيفتها:
بشيءٍ من المبالغة لتأكيد المعنى، نريد هنا استخدام الأداة الجديدة، بذاتها، للدلالة على العلاقة بين الأدوات من جهة ووظائفها من جهةٍ أخرى. فحين تبقى الأدوات، للبحث في موضوعٍ مثل الفاعل السياسي محصورةً في المقال والورقة والدراسة المنشورة، يكاد يكون من الطبيعي أن يسود الانطباع، نفسياً وفكرياً، أن المُنتجَ النهائي هو مادةٌ ثقافية مكتوبة، لا أقل ولا أكثر. من المحتمل، بل من المُفترض، أن تكون هذه المادة جزءًا من تراكمٍ معرفي يؤدي إلى فعلٍ بشري في نهاية المطاف. لكن الأمر، في مثل هذه الأحوال، يكون، في اللاوعي، منوطاً بأحدٍ آخر، يقوم هو بتلك المهمة عملياً.
لا ننسى أن الاهتمام بالثقافة، في ثقافتنا واجتماعنا البشري السوري، لا يزال متدنياً، في أحسن الأحوال. وحين تظهر شريحةٌ تهتم بالموضوع وتعطيه جهداً ووقتاً، كما ويجري الآن، فإن الافتراض المُرجح، في العقل الجمعي، أن ما تُنتجه سيكون ثقافةً أولاً وثقافةً آخراً. قد يؤكد هذا الانطباع مما شاهدناه ولمسناه على الساحة العربية عموما وساحتنا الشامية بالتحديد.
إن استقراء الساحة الشامية فيما يتعلق بالانتقال، في مسألة الفاعل السياسي، من التنظير إلى التطبيق، يوحي بأن الطريق طويلٌ بينهما، ويبدو محفوفاً بكثيرٍ من مشاعر الحذر والتوجس والتردد. مع الترجيح بأن السبب يكمن في التحرزات والحسابات الكثيرة والمعقدة التي لا يبدو أن ثمة مخرجاً منها للتعاطي مع الموضوع على المستوى العملي. قد لا يكون تعسفاً أن ننظر إلى الأمر هنا على أنه نوعٌ من انتظار الكمال في جانب التنظير، آخذاً بالاعتبار حساسية الموضوع وطبيعة التجارب السابقة ودرجة الشعور بالمسؤولية. لكن العملية تبدو، مع مرور الأيام، أشبه بانتظار المخلص الذي لن يأتي أبداً.
في المقابل، تُشكل مجرد النقلة في استخدام الأداة، من المادة المنشورة إلى تلك المرئية / الحوارية، نقلةً ودفعةً نفسيةً وفكرية وعملية، ليس فقط في اتجاه تطوير الحوار حول موضوع الفاعل السياسي، بل وفي التقدم عملياً باتجاهه.
لا يمكن شرح الموضوع هنا بشكلٍ دقيقٍ علمياً دون شيءٍ من المبالغة ومطﱢ الموضوع، كما ذكرنا أعلاه. ففي عملية تكوين فاعلٍ سياسي، ثمة فارقٌ واضح بين كتابة عشرين ورقة عنه، هي ضروريةٌ بالتأكيد، وبين اجتماع أربعة شباب سوريين؛ شابتين وشابين في الأصح، لا يبلغ أكبرهم خمسة وثلاثين عاماً، للحوار في الموضوع، بطريقةٍ حرةٍ وعفوية، وبشكلٍ يراه ويسمعه المهتمون، وهذا نشاطٌ، لمدة ساعة، لن يصبر عليه إلا مُهتم!
ثمة حرارةٌ إنسانيةٌ إضافية هنا في عملية تحويل الفكرة إلى الواقع تجعل النقلة جليةً، حتى لمن لم يخطر في باله النظر إليها بالطريقة المذكورة في هذه السطور. فنحن نجد أنفسنا إزاء جملة عناصر تدخل، وُفق قوانين الاجتماع البشري، في صلب تلك العملية، وهي عناصر لا تتوافر أبداً في المادة المكتوبة. نحن هنا إزاء بشرٍ نراهم ونسمعهم، يمكن جداً أن يكونوا فاعلين سياسيين، بشكلٍ لا يمكن أن توحي به كلمات مكتوبة. نحن أمام شباب، شباب مثقف، نساء ورجال، يتجادلون عن عوائق تشكيل الفاعل السياسي، يبحثون عن هوية محتملة لذلك الفاعل، وعن هياكله الممكنة، والوسط المحلي والإقليمي والعالمي، السياسي والثقافي والاجتماعي والعسكري، الذي يُشكل الإطار الموضوعي الخارجي الذي سيُعمَل فيه، وغيرها من مسائل تتعلق بالقضية مجال البحث. والإطارُ، النفسي على الأقل، يوحي من خلال آليات التفاعل مع الموضوع بين المتحاورين أنفسهم، وبينهم وبين المتابع المهتم، بأن بضع جلسات من هذا النوع يمكن أن تؤدي إلى بلورة، أو زرع نواة فكرة عملية تتعلق بموضوعة الفاعل السياسي. وبشكلٍ لا يمكن أن توحي به عشرات المقالات. هذا ما يبحث عنه كثيرون في الشام المشهد الراهن، بما فيه من فراغٍ هائل يتعلق بالفاعل السياسي. شباب، تنوع، ثقافة، حوار، جدية، اختلاف في الآراء دون خلاف، بحث في قضايا تأسيسية، مقترحات، وهكذا.
ثمة حاجةٌ للتطوير، في هذه المرحلة، في أدوات بحث موضوع الفاعل السياسي كمبدأ. لا يقتصر الأمر، بطبيعة الحال، على الحوارات المرئية كاكتشافٍ فريدٍ سيقود إلى تحقيق الهدف، وإنما نقصد الانتقال إلى نوعٍ ودرجةٍ من الحركة التي تُمثل أُسَّ الفعل والإنجاز البشري، مسترشدةً بالنظر ومقترنةً به على الدوام. ثمة ضرورةٌ للحركة بمعناها الحرفي، عبر فعاليات عملية، اجتماعاً وحواراً وصياغةً للمقترحات العملية، وربما تجريباً، بما يخلق تكاملاً وتحفيزاً لديناميكيات نفسية وفكرية وعملية، غالباً ما تكون دافع الفعل البشري لدى الفرد والجماعة، وبشكلٍ يُطلق شرارة المبادرات والاقتراحات، ويُحرّرُ كمون الفعالية الإنسانية من أسر النص المكتوب المُغلق.
ثانياً: في عوائق ظهور الفاعل السياسي:
من عوائق وجود الفاعل السياسي، “الحالة التطهرية” الموجودة لدى كثيرين من المهتمين بالشأن العام إجمالاً والسياسة تحديداً، حيث تَظهر ضرورة الانخراط في الهياكل السياسية للمعارضة، مثلاً، ولكن من يشعر بتلك الضرورة ينأى بنفسه عن مستلزماتها العملية، خوفاً من التلوث بالأجواء السائدة في تلك الهياكل، ويطلب من الآخرين، التصدي لتلك المهمة. وهناك أيضاً عوامل تبدأ من “انهيار الإيديولوجيات” التي تشكل إطاراً تُبنى فيه رؤية العالم والتحالفات الضرورية للفعل السياسي، وصولاً إلى طغيان مأزق العنف في الواقع الشامي، بما يجعل كل نشاطٍ إنساني، بعيداً عن البقاء على قيد الحياة، نوعاً من الترف لدى السواد الأعظم من الشاميين. ونستطيع أن نذكر “سلبية التجربة مع الأنظمة والحكومات”، والشعور لدى كثيرين، بأن مساحة النقد تضيق وتتضاءل في ساحة السياسة. وتلك عناصر ينفر البعض منها مفضلين العمل، بسببها، مع من يُشبههم في حقل المجتمع المدني ومؤسساته.
ما من شكٍ أن عوائق ظهور الفاعل السياسي كثيرةٌ ومعقدةٌ ومتداخلة، وأن هذا يصدق في راهن الواقع الشامي، ربما أكثر من أي واقعٍ آخر. لكن من المفيد هنا أن نبحث في بعض المسكوت عنه في هذا الإطار (كاجترارنا لذاتنا/عدم تقديم رؤية جديدة/سطوة النظام الواحد/فرض بعض السياسيين كواقع حال…..)، لسببٍ أو لآخر، حتى لو كان الموضوع حساساً، لأسباب شخصية/عملية/فكرية (إيديولوجية). فالحديثُ فيه بصراحةٍ وشفافية منهجيٌ وضروري إذا أردنا الحفاظ على درجةٍ من الجدية والموضوعية في البحث، فلا نتجاهل جوانبَ فيه ذات علاقة، ما من شكٍ أن إغفالها سيجعل البحث ناقصاً. خاصةً حين يكون ما نتحدث عنه ظواهر عملية لها حضورٌ على أرض الواقع، بل ولها تاريخ، مُشتركٌ أحياناً، على بعض المستويات، وليست مجرد شعارات وأفكار هامشية ليس لها تأثير في الموضوع. بمعنى أن الهروب من مناقشتها الآن قد يؤدي، على الأرجح، إلى مواجهتها عملياً في المستقبل، والأرجح بشكلٍ سلبي نفسياً وعملياً.
يتبادر لذهن الكثيرين، عما تعنيه كلمة “نحن” عند الحديث عن ضرورة “أن نقوم نحن بتشكيل فاعل سياسي”. إلى أنه يقصد شريحة تنتمي إلى العلمانية الديمقراطية، وأن مثل هذا التأسيس يأتي للتعبير عن رؤيتنا، وبعيداً عن التحالفات والهياكل الائتلافية السابقة والسائدة.
لكن ثمة شرائح ومجموعات شامية، منها ما هو مؤطرٌ بأشكال مختلفة، وهذه فيما نحسب حقيقةٌ لا يمكن إنكارها على مستوى منطلقات الرؤية ومقدماتها الأساسية على الأقل. رغم هذا، يشهد الواقع بأن التواصل، ومعه التعاون والتنسيق، ضئيلٌ بين هذه المجموعات وتلك الشرائح، إن لم يكن مُفتقداً بشكلٍ نهائي.
من هنا نصل إلى السؤال المعقد الذي تحدثنا عنه: لماذا لا تستطيع شرائح الشام، مثقفة وجدية، توجد بين رؤاها تقاطعات واسعة، على الأقل فيما يتعلق بهوية ورؤية الفاعل السياسي، أن تتواصل، فضلاً عن أن تُنسق وتتعاون، حين يتعلق الأمر بهذا الموضوع الخطير والهام وطنياً وسياسياً، ليس فقط بالنسبة للشام وشعبها، بل ولأفراد الشريحة نفسها؟
ما من شكٍ أن ثمة أسباباً ما توجد في ذهن أصحاب العلاقة، وقد يمكن جداً تفهمُها على صعيد التفاصيل. لكن المشكلة في المسألة تتمثل في أن هذا لا يحلُّ العقدة الكبيرة أو يجيب عن المسكوت عنه، التي تفرض نفسها عندما ننقل الظاهرة إلى ساحة العمل العام، حيث مكانها وموقعها الأصيل نهايةَ المطاف. إذ كيف يمكن للشامي المُقتنع بضرورة وجود فاعلٍ سياسي جديد أن يفهم هذا الوضع الغريب، والأرجح الشاذ، في نظره؟
وهل يكون غريباً على الشامي من أهل الإسلام السياسي أن يطرح هذه الظاهرة مثالاً على أزمة رؤية لدى خصومه السياسيين، بل ويتعدى ذلك إلى وصفها على أنها أزمة شخصنة وخلافات ومصالح؟ هل يعني هذا، فيما يعنيه، أن ثمة مشكلةً ثقافية (فوق سياسية، أو ربما تحت سياسية) تؤثر في الشامي، بغض النظر عن ثقافته السياسية، خاصةً عندما يتحرك في ساحة الشأن العام؟
ولكن، في مدخلٍ آخر للنقاش، هل يمكن التفكير بأن الأمر يتعدى المسائل الشخصية، ليكون خلافاً في مضمون الرؤية ذاتها، وهي التي يُعتقد أنها واحدةٌ، على الأقل على مستوى المنطلقات والمفاهيم والمبادئ العامة؟ الواضح أن مثل هذا الوضع يعيد المسألة بأسرها إلى نقطةٍ صفرية تتعلق بحقيقة وجود رؤية علمانية ديمقراطية حداثية يمكن الاتفاق على منطلقاتها ومفاهيمها ومبادئها الرئيسة.
في جميع الأحول، يستمر السؤال الرئيس، مع ما يُفرزه من أسئلةٍ أخرى، محط تساؤلات مشروعة سواء جرى طرحها بشكلٍ موضوعي يبحث عن الحل في نهاية المطاف، أو بخلفيةٍ كيدية وانتقامية. وتبقى الإشكالية بأسرها مفتوحةً تطرح سؤالاً كبيراً، يحتاج بدوره إلى إجابات صريحة، تقتضي تحليلاً جذرياً لمضمونها، في عمليةٍ قد تساعدنا على فهم الجزئية المتعلقة بعوائق ظهور الفاعل السياسي العتيد.
ثالثاً: في هوية الفاعل السياسي:
يطفو مباشرة على السطح مفهوم حول مدى الجماهيرية الممكن، بين الشاميين على الأرض، داخل الشام وفي الشتات، لأي هيكل سياسي يحمل هويةً يسارية/علمانية/ديمقراطية، أو بمعنى، هوية خارجة على توصيفات مثل الإسلام السياسي والإسلاميين.!! يبدو من استقراء الواقع الشامي أن الإجابة سلبيةٌ على السؤال المذكور.
هل يَنتج هذا عن قناعةٍ لدى الشاميين بأن الإسلام السياسي وأهله يمتلكون الحلول لمشكلاتهم والإجابات لأسئلتهم؟ لا، على وجه التأكيد، خاصةً بعد التجربة المُرة مع هؤلاء في مؤسسات المعارضة السياسية. هل ينتجُ عن انطباعٍ بأن مناضلين ومقاتلين من خلفيةٍ إسلامية كانوا الغالبية العظمى ممن حمل السلاح دفاعاً عنهم (وهنا يتوجب علينا ألا نعمم هذه الحالة فواقع الحال لأي مراقب بات معروفا)، بغض النظر عن ظواهر داعش والقاعدة؟ الاحتمالُ كبير، وأسبابه منطقية. هل ينتجُ عن شعورٍ بالانتماء إلى الإسلام كهوية وثقافة تاريخية؟ نعم بالتأكيد، وبخلفيةٍ يصعب الجدال فيها. هل ينتجُ عن افتقاد غير الإسلاميين، من جهة، للقدرة على طرح برامج ورؤى ومواقف تظهر فيها ملامح إجابة على الأسئلة وحلول للمشكلات، وتَحملُ، من جهةٍ أخرى، درجةً من الانسجام الحضاري مع تلك الهوية والثقافة، دونما عداءٍ وإقصاء وشعورٍ بالفوقية؟ نعم حتماً.
ومن وجهة نظري السبب يكمن بسبب افتقار هذه الجماعات للبرامج والرؤى والقدرة على الطرح، وبسبب رفضهم أي طرح يخالف مفهوم هذه الهوية والثقافة والذي يؤدي عمليا إلى دولة إسلامية. في الـ”نحن” التي وردت سابقا وسترد في آخر مقالي هذا يكون الحل من خلال طرحنا “نحن” للدولة القومية الديمقراطية التي تحفظ كرامة المواطن والدولة والأديان، ما يجب أن يقنع أي مواطن يطلب الكرامة له ولأبن وطنه بالتساوي.
مرةً أخرى، لا يستند الاستنتاج أعلاه إلى إحصاءات رقمية وتحليلات حسابية، لكننا نحسب أنه يدخل في إطار التحليل الموضوعي النظري للظاهرة، مبنياً على قراءة المشهد العام، وربما بالنسبة لنا، على تجارب شخصية متطاولة مع أجسام المعارضة الشامية وبيئاتها، خاصةً في سنوات ما سميَّ بالثورة.
قد يمكن القول إن هوية الفاعل السياسي وتحديات صياغته تتمحور حول العناصر التالية:
-
المنطلقات النظرية الأساسية
-
ما فرضته طريقة تعاطي العالم، بنظامه الدولي السياسي والثقافي، مع الثورة الشامية من معطيات فكرية ونفسية وعملية،
-
ثقافة المجتمع الشامي التاريخية،
-
الواقع السياسي والميداني والاجتماعي الشامي المحلي، بمتغيراته المعقدة.
-
بالجمع بين الفرضيات الكامنة في الفقرتين السابقتين، يمكن الاستنتاج بصعوبةِ، إن لم يكن استحالةِ، الحصول على قبولٍ جماهيري شعبي شامي بالمعنى المقصود لفاعلٍ سياسي من لونٍ واحد. يَصدقُ هذا، بحق هياكل ومؤسسات الإسلام السياسي، لكنه يصدق أكثر بحق هياكل ومؤسسات تقف كلياً في الجهة المقابلة لها، وعلى النقيض منها. إذ كيف يمكن أخذ المُعطيات والمقتضيات المتعلقة بالعناصر الأربعة أعلاه بعين الاعتبار جميعاً، وهي كثيرةٌ ومُعقَّدة، وحشرُها، خلال عملية تكوين أي فاعلٍ سياسي، في إطار فلسفةٍ سياسية معينة تقليدية (إسلامية أو علمانية أو يسارية..)، ستكون محدودةً مهما كانت، في قدرتها على استيعاب إفرازات الواقع الشامي الفريدة والتعامل معها بشكلٍ إيجابيٍ بنَّاء.
فمع فشل تجربة الإسلاميين الشاميين العملية، والفراغ الذي يخلقه وجود (داعش) و(النصرة) بممارساتهما لدى أصحاب العواطف والخلفية الإسلامية من غير المنخرطين في الشأن السياسي، وافتقاد قدرة العلمانيين الديمقراطيين الحداثيين على تقديم نموذجٍ يكونُ بديلاً في أعين الناس، وحمولة التاريخ الشامي الزاخرة بحكم الشعب تحت عناوين قومية ويسارية وعلمانية وحداثية، وطغيان شعور الشاميين بفشل المنظومة الأخلاقية العالمية في التعامل مع قضيتهم، وهو، في نظرهم، مرتبطٌ بفشلٍ في منظوماتهم السياسية وقواعدها النظرية، مع كل هذا التعقيد، لا يبدو ثمة مخرجٌ سوى في البحث عن نموذجٍ من خارج الصندوق كما يقولون.
لا يستطيع أحدٌ الادعاء بالقدرة على عرض هذا النموذج حالياً فيما نحسب، لكن من الأرجح أنه سيكون نموذجاً جديداً هجيناً أساسه الوطن والمواطنة، وقد يكون (مُفصلاً) على مقاس الحالة الشامية، وسيُنسَجُ بناءً على تفاعل بين النظر والحركة بالمعنى الوارد أعلاه، فيكون بالتالي مولوداً شرعياً للثورة الشامية بمعناها الحقيقي والأصح، أي الثورة على ما سبق لبناء جديد نكون “نحن” الفاعل السياسي الأداة الجديدة فيها.
0 Comment
[…] للزميل شوكت البشارة. للعودة الى الحلقة السابقة، يرجى الضغط هنا. “إذا كانت الأداة الوحيدة لديك هي المطرقة، فإنه من […]