آذار التجدد والقيامة

Share

لايغيب عن ذهن مثقف رصين، أو وطني أمين، أو مقاوم عتيد، إرث ونتاج أنطون سعاده الفكري والثقافي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والعلمي، حتى وإن لم يكن من حملة فكره او المؤمنين به. وهو الذي عمل على توجيه حياة الامة نحو التقدم والفلاح وأثبت أن حزبه ليس لمحازبيه فقط بقدر ما هو لكل حر شريف. وحين نتحدث عن شخص كالزعيم سعاده نتحدث عن قائد كان متقدمًا على عصره في مناداته لقيم ومفاهيم تعنى بارتقاء الفرد المجتمع وتعمل على بناء منظومة فكرية واخلاقية ثابتة وراسخة في نفوس أبنائها. أطلق نهضة بدلت نظرة أبناء امته في شخصة الفرد والتي اعتبرت حادثاً عظيماً في ارتقاء النفس البشرية وتطور الاجتماع البشري، أما ظهور شخصية الجماعة فأعظم حوادث التطور البشري شأناً.

وبعد مرور 118عامًا على ولادة الزعيم المفكر، تشتد قوى التآمر على سوريا الطبيعية بكل كياناتها دون استثناء، وخاصة الشام والعراق، وبصفاقة لم يشهد العالم لها مثيل من قبل أعداء أصبحوا تقليديين في كيدهم للأمة وتربص لحظة إعلان وفاتها، وبطبيعة الحال فالتاريخ يحدثنا عن فظائع وأهوال كثيرة مرت على أمتنا، وتعرضت خلالها لعمليات إفناء منظمة ودمار شامل بقصد محوها من سجلات التاريخ، حتى ظن الظانون أنها قضت ولم يعد لها القدرة على النهوض، والعجيب ليس ما تعرضت له هذه الامة من أهوال وفظائع بل هو الإصرار على البقاء والتمسك بقوة بهذا الوجود، وهذا ما يثير حفيظة هؤلاء الأعداء ويرفع وتيرة قلقهم باستمرار، وخاصة منذ بدايات القرن الماضي حيث ظنوا أن أمة تعرضت لكل أنواع التغييب والتقطيع لن تقوم لها قائمة.

لم يكن في حسبانهم أن اليوم الأول من شهر آذار 1904 سيحمل معه قوة وإرادة لن تلين، ولكن فعليًا حدث هذا وولد انطون سعاده باعث الامة من رقدتها التي طالت والتي لم يكن أحد يحسب أن أحداً من أبناء هذه الامة سيكون له تأثير يذكر بنهوض هذه الامة. وقد خبر الأعداء مواقف وشخوص مدعي العمل النهضوي على ساحة البلاد السورية التي أصبحت كذلك بعد أن كانت كلها سورية ولم نجد من يعترض أو ينبه الشعب لخطورة الموقف بل على العكس فإن هؤلاء المدّعين باتوا ينصرفون للبحث والتفكير وبذل الجهد في المفاضلة تحت أي استعمار يجب أن تنضوي بلادهم التي يدعون العمل على نهضتها ويزوّرون الوقائع ويتلاعبون بعقول الناس ويمارسون ألاعيب الخداع بالكلمات التي يطرب لها الشعب كالحرية والاستقلال والعدالة، والشعب غارق في أوهام باعها له هؤلاء وهو لاحول ولا قوة، جُزئت البلاد ومنح اليهود أرضًا عزيزة من صلب البلاد. ورجالات السياسة لا هم لهم سوى أي الاستعمارين أفضل الإنكليز أم الفرنسيين.

 هذه كانت حالة البلاد السورية في عمومها عندما تنكب الشاب أنطون سعاده مهمة النهوض بأمته، هو لم يجترح المعجزات بل انكب بالدرس والتفكير في ويلات هذه الامة فهي لم تكد تخرج من بين مخالب الدب حتى وقعت في غياهب الجب، هذا الشاب هو ارهاص الأول من آذار الذي أشرنا اليه.

للوضوح والتوضيح الذي يرافق هذه المناسبة في كل عام، لابد من إعادة صياغة مفهومنا للمناسبة والتذكير بما تحمله من معانٍ وقيم تهم عموم السوريين وليس فقط القوميين الاجتماعيين، فالكثير من المواطنين يحلو له اتهام القوميين بتقديس الفرد بشخص أنطون سعادة، لكن عندما يحاول أحدهم الاطلاع الحقيقي على فكره، يؤكد بأنه الفكر الوحيد القادر على الفوز في حلبة الصراع ومواجهة العقبات والتحديات المعيقة لنهوض الامة، وفي كثير من الحالات فإن البعض وحتى يبرر هزيمته في معركة المعرفة، ينحاز للانتصار لفكره فيعلق على هذا الموضوع والذي يعرف حقيقته في داخله ولكن الأمراض الاجتماعية الكثيرة التي تعج بها نفوس أبناء أمتنا تحول دون توقفهم عن الاتهام بشخصنة الفكر. إنه مرض خطير يدخل في صميم تفكيرنا الشعبي الا وهو انعدام الثقة بالنفس السورية والتي أجلى عنها أنطون سعادة غبار السنيين ووضعها حيث يجب أن تكون وأثبت أن فيها كل حق وكل خير وكل جمال. كما تنكب مسؤولية اظهار كل ما في النفس السورية من فضائل وقوة وتوق للنهوض، بعد أن كان البعض من الخارج والداخل قد ظن بأن لا قيامة لهذه الامة من بين الأموات.

0
0