LOADING

Type to search

أوكرانيا مجرد حلبة.. والمعركة روسية ـ أطلسية

العالم موضوع العدد

أوكرانيا مجرد حلبة.. والمعركة روسية ـ أطلسية

أحمد أصفهاني
Share

بغض النظر عمّا ستؤول إليه العمليات العسكرية التي تشنها روسيا في بعض المناطق الأوكرانية، فإن أوكرانيا بحد ذاتها ليست الهدف النهائي بل هي فقط الحلبة التي يتواجه عليها قطبان دوليان هما روسيا والحلف الأطلسي بأعضائه وحلفائه. وكانت هذه المواجهة متوقعة منذ العام 2014 على أقل تقدير، والطرفان كانا يستعدان لها وينتظران اللحظة المناسبة.

القوات الروسية في أوكرانيا

في ذلك العام أثمرت الخطط الأوروبية الأطلسية عن إسقاط النظام الأوكراني الصديق لروسيا، ليقوم مكانه نظام شديد العداوة لها. وقد ردّت موسكو بالسيطرة على شبه جزيرة القرم، أو “استعادتها” حسب القاموس السياسي الروسي. وشكلت تلك الخطوة نموذجاً خطيراً تعمّد الأطلسيون تجاهله… أو لنقل أعمتهم نجاحاتهم بضم دول المعسكر الاشتراكي السابقة عن ملاحظة التغيرّ في نظرة روسيا الاستراتيجية لعلاقتها مع الأطلسي ومع الاتحاد الأوروبي. ولعل الاضطرابات التي شهدتها بلاروسيا بين 2020 و2021 قرعت جرس الإنذار في الكرملين لأنها استهدفت آخر دولة حليفة لروسيا في أوروبا الشرقية ـ البلطيق.

عندما قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إطلاق هذه العملية العسكرية كان يوجه رسالة إلى الأطلسي بقوة السلاح. فالشروط التي وضعها، وأهمها حياد أوكرانيا وعدم ضمها إلى الحلف الأطلسي، تعني عملياً إيقاف التمدد الأطلسي عند حده الأخير بما في ذلك ـ ربما ـ الشراكات الاستراتيجية التي أنشأها “الأطلسيون” في جنوب شرق آسيا مستهدفين الصين!

في السادس من تموز سنة 2015، كتبت مقالاً بعنوان “الخطط الأطلسية الأوروبية على ضفاف المتوسط”، تناولت فيه النشاطات الأطلسية في حوض البحر الأبيض المتوسط على ضوء التدخل في ليبيا لإسقاط العقيد معمر القذافي وقتله، وفي الوقت نفسه الفشل في إسقاط الحكم في الجمهورية السورية لكن بعد تدمير البنية التحتية واحتلال المناطق الشمالية الشرقية من البلاد.

وهنا أبرز مقاطع ذلك المقال التي تكشف لنا كيفية وصول الأمور إلى وضعها الحالي:

“اعتقد كثيرٌ من المراقبين أن انهيار الاتحاد السوفياتي سنة 1991، ومن ثم تفكك “حلف وارسو” وغيابه عن مسرح الأحداث، سيدفع قيادة “حلف شمال الأطلسي” (الناتو) إلى البدء في مراجعةٍ استراتيجيةٍ لتقييم الغاية من بقاء ذلك الحلف الذي نشأ في الأساس سنة 1949 بهدف مواجهة المعسكر الشيوعي المكوّن آنذاك من الاتحاد السوفياتي ومنظومة الدول الاشتراكية في أوروبا الشرقية. فإذا كان الخصم الفعلي لم يعد على قيد الحياة، فما معنى استمرار البنية العسكرية والسياسية التي قامت لدرء خطر أصبح في مقبرة التاريخ؟

“الحقيقة أن حلف “الناتو” لم يتأسس فقط لردع الخطر السوفياتي، بل تضمنت مبادئه التأسيسية عناصر ثلاثة هي: أولاً، مواجهة مخاطر التوسع السوفياتي (الشيوعي). ثانياً، منع إحياء النزعات العسكريتارية القومية في أوروبا من خلال وجود عسكري واسع لقوات من أميركا الشمالية على الأراضي الأوروبية. ثالثاً، المساعدة في، أو التشجيع على، مزيد من الاندماج السياسي في أوروبا. والعنصر الثالث هذا يؤكد لنا أن مؤسسات “الاتحاد الأوروبي” السياسية والاقتصادية والأمنية تعتبر رديفًا حيويًا للبنى والمنظمات التي أقامها “الناتو” في أوروبا على مدى العقود الماضية.

“شكل سقوط الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية في أوروبا الشرقية إشكالية مؤقتة بالنسبة إلى المخططين الاستراتيجيين في “الناتو”، فراحوا يبحثون في الأدوار الجديدة التي يمكن تحويل جهود الحلف إليها. ففي ظل غياب قيادة روسية حازمة وقوية في تسعينيات القرن الماضي، تمكنت قيادات “الناتو” و”الاتحاد الأوروبي” من التوسع شرقاً ليتم سريعاً استيعاب الدول الخارجة من فلك الاتحاد السوفياتي السابق. وما كادت موسكو تلتقط أنفاسها بعد سنوات الانهيار العاصف والنهب المنظم لثروات البلاد، حتى كانت غالبية بلدان البلطيق وأوروبا الشرقية قد أصبحت إما أعضاء في “الناتو” أو أعضاء في “الاتحاد الأوروبي” تمهيداً للحصول لاحقًا على العضوية العسكرية الكاملة… أي أن هذه الدول باتت خط المواجهة المباشر مع روسيا!

“غير أن الخطط الاستراتيجية المتجددة للأطلسيين سرعان ما وجّهت أنظارها إلى خارج حدود أوروبا في خطوة استهدفت تثبيت صياغة جديدة لمبادئ الحلف التأسيسية، والتي لاحظنا أعلاه أنها كانت تقتصر على أوروبا ومنطقة شمال الأطلسي بالمعنى الجغرافي ــ السياسي. في آذار سنة 1999 شنّت القوات الأطلسية غارات جوية كثيفة على جمهورية الصرب بحجة منع وقوع “انتهاكات لحقوق الأنسان” في مقاطعة كوسوفو. وكانت تلك المرة الأولى التي يلجأ فيها “الناتو” إلى عمل عسكري من دون موافقة مجلس الأمن الدولي، ما شكل سابقة خطيرة على صعيد القانون الدولي…

“التحول المفصلي في تحركات الأطلسي تمثل في العمليات العسكرية لإسقاط نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا بموجب القرار رقم 1973 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في آذار سنة 2011. ومع أن الحملة الأطلسية ضد ليبيا اتخذت من حماية “المعارضة الليبية” ذريعة لتدمير النظام، فإن أحداً لم ينخدع بتلك التبريرات التي كشفت عن ملامح مخططات أطلسية ــ أوروبية مختلفة، ساحتها هذه المرة شواطئ البحر الأبيض المتوسط…

الحرب في ليبيا

“ليس مستغربًا أن ينتقل تركيز “الناتو” إلى حوض المتوسط بعد وصول تمدده في أوروبا الشرقية إلى أقصى مدى متاح له… إلى حدود الاصطدام المباشر مع روسيا الصاعدة مرة أخرى إلى مصاف “الدول الكبرى”، والساعية إلى استعادة وزنها الإقليمي والعالمي الفاعل. إن الضفتين الشرقية والجنوبية للبحر المتوسط هما المجال الأمني الحيوي للضفة الأوروبية المقابلة. وإذا استعرضنا جغرافية المتوسط من المغرب إلى اليونان، مرورًا بالجزائر وتونس وليبيا ومصر وفلسطين ولبنان وسورية وقبرص وتركيا، لوجدنا أن للحلف الأطلسي تواجداً أو علاقات أو اتفاقات مع معظم هذه البلدان…

“ولم يكن من باب الصدفة أن يُعلن الأمين العام للحلف الأطلسي يانس ستولتنبرغ (…) أن الحلف قرر “تعزيز قوة التدخل السريع برفع عديدها من 30 إلى 40 ألف عنصر”، أي أكثر من ضعفي حجمها الحالي. ومع أنه أشار بهذا الصدد إلى تحديات أوكرانيا ودول البلطيق في ما يتعلق بالعلاقة مع روسيا، إلا أنه أوضح كذلك أن القرار يأتي “في إطار تأقلم الحلف الأطلسي مع بيئة أمنية جديدة”… والمتوسط هو بالفعل أخطر بيئة أمنية في ظل الأوضاع الراهنة، كما تشهد على ذلك أحداث تونس وليبيا ومصر وسورية…

“ما يُثير القلق في هذه المسألة التي ما زالت في بداياتها أن للحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي (أو لبعض أعضائهما) سوابق في تجاهل قرارات مجلس الأمن أو عدم اللجوء إليه أساسًا، وعندنا مثالان صارخان على التحركات الإنفرادية هما جمهورية الصرب ثم العراق (…) إننا نرى في الخطط الأطلسية ــ الأوروبية غموضاً مقصودًا، ربما كان جزءاً من “تأقلم الحلف الأطلسي” حسب تعبير ستولتنبرغ، بحيث يصبح الأطلسي منتشراً بالفعل على كامل ضفاف المتوسط”.

مرّت سنوات خمس على ذلك الكلام، وقد تخلى الأطلسي خلالها عن البند الثاني الذي أشرنا إليه أعلاه (منع إحياء النزعات العسكريتارية القومية في أوروبا)، بحيث تصاعدت النزعات العنصرية الشعبوية وتوسع سباق التسلح تحت إشراف الأطلسي مباشرة. ولذلك كان لا بد من أن يحصل الصدام العسكري، فكانت أوكرانيا الحلبة والضحية في آن معاً. من المستبعد أن يحقق أي من الطرفين انتصارًا ناجزًا، لكن الأكيد أن نظامًا عالميًا جديدًا سينشأ بعد صمت المدافع. وكما يُقال في الأدبيات السياسية: الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي وروسيا وأوكرانيا بعد المعركة لن تكون كما كانت قبلها!

Print Friendly, PDF & Email
Twitter0
Visit Us
YouTube
YouTube
LinkedIn
Instagram0

1 Comment

  1. Avatar
    Fawzi harb 9 مارس، 2022

    Excellent article many thanks

    رد

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Contact Us


Please verify.
Validation complete :)
Validation failed :(
 
Thank you! 👍 Your message was sent successfully! We will get back to you shortly.