1

يستقيل أو يُقال؟ ليس هذا هو السؤال

وصل الأمين حنا الناشف الجزيل الاحترام إلى لندن في زيارة خاصة قبل أيام من الانتخابات النيابية اللبنانية في أيار سنة 2018. وطلب أن يلتقي برفقاء المملكة المتحدة الذين تقاطع غالبيتهم “مركز الروشة”. قررنا قبول الدعوة على الرغم من أننا لا نعترف برئاسته للحزب السوري القومي الاجتماعي، كونه انتخب من قبل مجموعة أعضاء في المجلس الأعلى نحن نعتبرها فاقدة للأهلية وفاقدة للشرعية وفاقدة للمصداقية، من دون الانتقاص من كرامة الأمين حنا وتاريخه الحزبي.

عُقد اللقاء في منزل الرفيق فؤاد حردان، بحضور معظم الرفقاء في المملكة المتحدة. تركز حديث الأمين الناشف على جانبين: الأول، الانتخابات النيابية. والثاني، الوضع الداخلي للحزب (أو الأصح الأحزاب السورية القومية الاجتماعية). قدّم لنا الأمين الناشف عرضاً مسهباً لمجريات الانتخابات النيابية، والضغوط التي يتعرض لها الحزب من “حلفائه” للتنازل في عدد من الدوائر. وكان صارماً وحازماً عندما أكد بما لا يدع مجالاً للشك أنه لن يقبل التخلي عن أي مقعد، خصوصاً في بيروت والبقاع الشمالي… طبعاً نحن نعلم جميعاً كيف انتهت المعركة الانتخابية!!

أما وضع الحزب الداخلي، ويقصد بذلك “مركز الروشة”، فقد أعطانا عنه صورة كانت معروفة لدى غالبيتنا. لكنه تعهّد أمام الحضور بأنه سيسعى إلى تغيير تلك الأوضاع بدءاً بجريدة “البناء” التي لا يجوز أن يكون رئيس تحريرها شخصاً يحمل فكراً مناقضاً للعقيدة السورية القومية الاجتماعية…. وصولاً إلى وقف وإلغاء كل القرارات الكيدية التي سبق أن صدرت بحق عدد من الرفقاء المعترضين على ممارسات “مركز الروشة”، خصوصاً بعد مهزلة تعديل الدستور سنة 2016، ثم الانتقام من أعضاء المحكمة الحزبية التي اتخذت قراراً شجاعاً بإسقاط ذلك التعديل ـ الفضيحة.

كان رأي معظم الرفقاء في ذلك اللقاء أن المجموعة المتحكمة بمفاصل القرار في “مركز الروشة” لن تسمح له، ولا بأي شكل من الأشكال، أن يمسّ مراكز القوى السياسية والمالية والأمنية التي ترسخت في جسم الحزب خلال العقود الثلاثة الماضية. ذلك أن “حزب الروشة” منذ سنة 2016 لا يكاد يخرج من تحت الدلف حتى يجد نفسه تحت المزراب بسبب كيدية وفئوية غالبية أعضاء المجلس الأعلى: من تعديل الدستور، إلى التخلص من أعضاء المحكمة الحزبية، إلى الصراع بين الأمينين الراحلين علي قانصو ومحمود عبد الخالق، إلى تشبث قانصو بخرق النظام الداخلي الذي يمنع الجمع بين رئاسة الحزب والمنصب الوزاري.

قلنا للأمين الناشف في ذلك اللقاء إن الذي استمرأوا المناصب والمغانم لن يقبلوا بأي تغيير قد يؤثر على مكاسبهم ومصالحهم الشخصية التي باتت تشكل أولوية اهتماماتهم وطموحاتهم. وأذكر حتى الآن عبارة قالها أحد الرفقاء مخاطباً الأمين الناشف: “أنت أنقذت المجلس الأعلى من ورطاته المتعددة بقبولك منصب الرئاسة، وعليك الآن أن تضرب رجلك في الأرض مطالباً بالإصلاح الفعلي”. وكان رد الأمين الناشف دالاً ومعبراً: “لن أضرب رجلي في الأرض ولن أصطدم مع المجلس الأعلى”!

ويبدو اليوم أن المجموعة المتحكمة بـ”مركز الروشة” هي التي “ضربت رجلها في الأرض” وقررت التخلص من “الرئيس” الذي لم يستطع أن يكبح جماح سلطويتها. والمسألة ليست في أن يستقيل الأمين الناشف أو يُقال. المسألة هي ماذا سيفعل بعد وقوع فعل الإقالة. هل سيصمت كما فعل كثيرٌ من المسؤولين المركزيين خلال العقود الثلاثة الماضية ترهيباً أو ترغيباً؟ هل يطوي أجنحته على ممارسات وارتكابات خوفاً من غسيل وسخ لا يجوز نشره على الملأ؟ أم أنه سيخاطب الوجدان العام للأمة وللقوميين، فيسجل له تاريخ الحزب أنه سقط واقفاً كشجرة سنديان عتيقة لم تزعزعها رياح السموم الموبوءة؟

هذا هو السؤال!