1

ولا كلمة

منذ أيام بدأت وسائل التواصل الاجتماعي بنشر صور ما بدا وكأنه لقاء بين علي قانصو ورئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس، ما شكّل مفاجأة من شقين: الأول أن المقابلة تمت في شهر شباط الماضي، أما الثاني فهو أن السيد قانصو هو رئيس تنظيم يحمل اسم الحزب السوري القومي الاجتماعي، الذي كان معروفاً بمعارضته الشديدة لاتفاقيات أوسلو وكل ما نتج عنها.

في البدء، خيّل لنا أن العملية هي عملية مونتاج من قبل معارضين للسيد قانصو، ذلك أنه من الصعب تخيّل أن لقاء مثل هذا ممكن الحدوث. غير أن اليقين بدد الشك حين ظهرت مقاطع فيديو يبدو فيها السيد قانصو متكلماً بإيماءات كبيرة من يديه، وضاحكاً لما يبدو نكاتاً من السيد عباس، فيما جلس بالقرب منه وعلى مقعد واحد ثلاثة من مسؤولي التنظيم المذكور هم السادة حسان صقر ووائل حسنية ومعن حمية.

لعل سبب عدم الانتباه لهذا اللقاء الذي تم في 24 شباط 2017، هو التعمية الصحافية. فـ”البناء”، مثلاً، غطته من ضمن مجموعة نشاطات قام بها السيد قانصو،

أما المواقع والصحف الفلسطينية فغطته على شكل زيارة قام بها “السياسي والوزير اللبناني السابق”

 

HTTPS://KHBRPRESS.NET/POST/96496/GALLERIES

متجاهلة اسم الحزب السوري القومي الاجتماعي، مقدمة للحزب في ذلك خدمة من دون ان تدري.

هذا هو الخبر، وقد صبّ القوميون المخلصون جام غضبهم على من ظهر من الحزب السوري القومي الاجتماعي في ذلك الفيديو فلا حاجة بنا للاستزادة. وحاول بعضهم الدفاع بحجة “عدم نشر الغسيل”، وعلى هذا أيضاً لا تعليق لنا. لقد كانت لنا كتابات سابقة في هذا الموضوع، ونحن مع الحقيقة كائنة ما كانت. ما سنكتبه في بقية هذا المقال هو عبرة لن تفيد قاطني مركز الورشة. بل ربما يكون فيها إفادة لمن سيستعيد الحزب السوري القومي الاجتماعي من المهيمنين عليه. والعبرة هي في كيفية اتخاذ القرار.

أولاً، أي قرار تتخذه المؤسسة، أية مؤسسة، يجب أن يكون فيه إفادة جلية لها. ثانياً، في الحزب السوري القومي الاجتماعي، هناك قرارات لا يحق للسلطة التنفيذية اتخاذها دون إجازة من السلطة التشريعية، المجلس الأعلى. منها “دراسة سياسة الحزب العامة وإقرارها”، و”إجازة الاتصالات والعلاقات الدبلوماسية والسياسية المستجدة وغير الواردة في الخطة السياسية العامة للحزب”. (أنظر القانون عدد تسعة، صلاحيات المجلس الأعلى، المادة السابعة عشرة، البندين ستة وسبعة).

لا شك أن لقاء قانصو – عباس يشكل تحولاً في تاريخ العلاقة بين الحزب والسلطة الفلسطينية. فالحزب أدان لقاءات واتفاقيات أوسلو منذ بدء مسارها التفاوضي ولحين التوقيع عليها في البيت الأبيض. ولم يشذ عن هذه القاعدة أي رئيس للحزب منذ ذلك التاريخ، ولم يلتق أي رئيس للحزب لا مع الراحل عرفات ولا مع السيد عباس بسبب سياسة الإدانة هذه.

لقاء قانصو – عباس لا يدفعنا إلى طرح سؤال مثل “هل تغيرت سياسة الحزب السوري القومي الاجتماعي حيال اتفاقية أوسلو؟” إنه إعلان عن سياسة جديدة هي سياسة التلاقي مع من وقّع اتفاقية أوسلو (محمود عباس) والسلطة التي يمثلها. لن نسأل “ما هي الفائدة للحزب السوري القومي الاجتماعي من هذا اللقاء؟” ففي سؤال كهذا استغباء للقارئ. السؤال هو هل وافقت مجالس الحزب على هذه السياسة الجديدة؟ مع أن السؤال عملياً لا قيمة كبيرة له في ظل كل الانتهاكات التي تمارسها هذه السلطة منذ انتخابها، فإننا سنسأله من أجل المستقبل أكثر منه للماضي.

كما سبق وذكرنا، هناك مسار للقرارات الحزبية العليا. على رئيس الحزب “إعداد خطط الحزب العامة… بعد مناقشتها في مجلس العمد، وتنفيذها بعد إقرارها في المجلس الأعلى”. هذا يعني مساراً من مجموعة خطوات: وضع الخطة الحزبية، مناقشتها في مجلس العمد، رفعها إلى المجلس الأعلى، مصادقة المجلس الأعلى عليها، وضعها موضع التنفيذ. هذه الخطة – في مكان ما منها – يجب أن تتضمن نصاً صريحاً يقول إن الحزب قد غيّر سياسته حيال “السلطة الفلسطينية”، مع الأسباب الموجبة، وهو بصدد اللقاء معها في أول فرصة ممكنة. هذا البند يجب أن يلقى ملاحظة من المجلس الأعلى، كونه يشكل تغييراً جذرياً في سياسة قائمة منذ عقود، فيقرها المجلس الأعلى نظراً للأسباب الموجبة، مدوناً أسماء المعترضين إذا وجدوا، أو يقبل بها وفق شروط معينة، أو يرفضها بالكامل. كل هذا يجب أن يكون مدوناً للتاريخ.

لم يصل إلى مسامعنا أن سياسة الحزب الجديدة منذ تولي السيد قانصو سدة الرئاسة تتضمن مثل هذا البند. ولم يصل إلى مسامعنا أن بنداً مثل هذا قد عُرض على المجلس الأعلى، أو أنه وافق عليه بصفته بنداً مستجداً وغير متضمن في الخطة الحزبية المقرّة. لا لم يصلنا شيء من هذا. كل ما وصلنا من أكيد المعلومات أن مجلس العمد أُخطر بدعوة من السيد عباس لزيارته، وأن الموافقة تمت دون نقاش، وأن أحداً من العمد لم يعلق على الموضوع، لا بكلمة، ولا بموقف!

وبعد، لقد حصل ما حصل. هكذا، بدون سبب، بدون فائدة، بدون تفكير، بدون موقف، بدون مصلحة. بلى كان هناك مصلحة للسيد عباس. فتحليل بعض المسؤولين المتأخر يقول إن السيد عباس أراد أن يظهر لأحد ما أنه ما يزال يملك أوراقاً داخل لبنان، فدعا عدداً من مسؤولي التنظيمات والأحزاب فلبوا، وتخاطبوا وأطلقوا النكات وعاد كل إلى بيت صاحبه.

هل يستحق هذا الموضوع كل هذا العناء والغضب. نعم ولا. نعم لأنه صفعة جديدة في وجه كل سوري قومي اجتماعي حقيقي الانتماء. إنه سيزيد في صعوباتنا صعوبة. ولا، لأن معظم الناس يدركون أن حزب سعاده لا يمكن أن يصافح يد العملاء. فإن صافحت يدٌ يدَ عميل، كانت يد عمالة أو يد غباء… لا يد بطولة. والقوميون شرفاء وأبطال لا يرحمون العملاء ولا الأغبياء. أما الذين حضروا اللقاء باسم الحزب السوري القومي الاجتماعي، فلن يلقوا من القوميين الشرفاء سوى كل الازدراء الذي يستحقه الأغبياء والعملاء