نقد وتعليق على مقال “الإصلاح من الداخل “-صوفي نادر

image_pdfimage_print

 في كل مرة أستمع أو أقرأ تحليلاً عن الوضع الحالي للحزب السوري القومي الاجتماعي، والتخبط الذي يعاني منه، وموجة الاستياء العارمة التي تنتاب صفوفه، أصاب بالهلع لما قد تؤدي إليه هذه الحالة من اندثار لفكر هو أفضل ما أنتج في أمم العالم أجمع. والأفضلية ناتجة عن كونه الفكر الأصح والأنسب لحالة أمتنا بالتحديد. أن يترجم هذا الفكر على أوضاع عالمية أخرى  أمر وارد تماماً، إنما مع تكييفه وتأقلمه ليتناسب مع هذا الوضع أو ذاك. الفكر القومي الاجتماعي هو أفضل حل للأزمات التي كانت أمتنا وما زالت تعاني منها. ومعاناتها، وإن ارتكزت على نفس الأصل، تتغير مع تغير اللعب السياسية والمؤامرات. وستكمل معاناتها إذا لم نستطع تطبيق هذا الفكر وأقلمته على أرض الواقع، فنعالج أمراضنا ونتعافى

إذاً حالياً لدينا حزب مريض، أفراده يعانون من الألم الذي يصيبهم وما من دواء نافع، لأن تشخيص المرض غير صحيح. فكل من تمتع بملكة التفكير، وهم كثر في حزبنا، يطلق العنان لآرائه ويقترح ويحلل حسب منطقه الخاص مدعياً أنه يستند إلى كتابات زعيمنا، فيشرحها ويفندها ومن ثم يعطي الحل الصحيح أي الدواء الناجع. والدواء لا يشفي!

الأمر الأهم قبل البدء بإعطاء الحل أي الإصلاح، ليس معرفة ما إذا كان من الداخل أو من الخارج مثلاً، إنما أولاً معرفة مكمن المرض، وثانياً تحديد خطورته وسرعة التدخل، وثالثاً تحديد المعطيات التي لدينا لتنفيذ سرعة التدخل، ومن ثم إعطاء الحل الأفضل. وعند تحديد الحل، من المفترض أن نحدد ما هي المتطلبات:  أولها البدء بما هو بحوزتنا سليماً معافى ومن ثم خلق معطيات جديدة لمساعدتنا في تنفيذ الحل.

إني لا استنبط طرقاً ونظريات جديدة لأن هذا التدبير طبيعي ويقوم به عقلنا البشري في كل مرة نواجه معضلة بسيطة كانت أم معقدة، وفي كل مرة يجد الإنسان حلاً يتناسب ومعضلته. الفرق بين الأفراد يقع في آخر فقرة من البحث عن الحل، ألا وهو خلق معطيات جديدة لتنفيذ الحل. فهذه الفقرة هي مكمن الابتكار والذكاء وحسن التدبير والشجاعة والإقدام والإصرار للوصول إلى النجاح.

فلنبدأ أولاً بتشخيص المرض ونسبة خطورته على سلامة حزبنا.

عندما يتم انتخاب أو تعيين أي فرد لتولي منصب ما حيث تناط به مهام محددة للقيام بواجباته، على هذا الفرد أن يعلم تماماً أنه موكل للقيام بمهامه. فعليه أن يكون خير منفذ لرغبات وتطلعات وتوجهات من أوكله. كالمحامي الذي توكل إليه قضية ما فيعود إلى موكليه لمعرفة ما إذا كانت طريقة توجهه تناسبهم وتؤدي الغرض المنشود. المسؤول الحزبي موكل من قبل كافة الرفقاء القوميين الاجتماعيين لتطبيق تعاليم وفكر وعقيدة زعيمنا وليس معيّناً لابتكار أفكار جديدة، فيفتي ويتبجح ويتباهى. وفي حال وصوله إلى هذا الوضع المتردي، على القوميين الاجتماعيين أن يحاسبوه لأنه أخل بالعقد المبرم بينه وبينهم والذي هو العمل على تطبيق فكر سعاده. عدم القيام بالمهام على أكمل وجه، وعدم تنفيذ الأوامر حسب القوانين والدستور، أمر يعاقب عليه مرتكبوه. والمهام مناطة من الجانبين الموكِّل والموكَل إليه. في الحزب السوري القومي الاجتماعي كلنا مسؤولون أياً كان منصبنا.

هذا الشرخ الكبير بين الرفقاء القوميين الاجتماعيين، مسؤولين أو غير مسؤولين، هو المرض الذي يعاني منه حزبنا. فهناك انقطاع في التواصل بين مختلف الصفوف، وكل فرد مقتنع أنه على صواب. التواصل هو اللقاء والاستماع والحوار، فالفهم.

هل هذا خطير؟ هو أكثر من خطير لأنه يؤدي إلى التفكك الذي نعاني منه. لنفترض ولو للحظة صغيرة أن حزبنا هو كجسم الإنسان، هل يمكن الاعتقاد أن كل فقرة منه قادرة بمفردها على التفكير واتخاذ القرار؟ هل يمكن للعقل أن يتخذ أي قرار دون أن يستمع إلى مشكلة العضو؟ هل يمكن للعقل أن يفهم المشكلة دون أن يقوم العضو بإرسال رسالة عصبية تنبئه بالمشكلة؟ كذلك جسم الحزب. لكي يبقى سليماً معافى من المفترض أن تتآزر أعضاؤه. والتآزر مفاده أن يقوم كل عضو بمهامه على الوجه الصحيح.

إذا لم تتآزر مختلف فئات حزبنا سنصل إلى الشلل الكلي وسيصعب علينا حتى النطق للتعبير عما نريد. أزمات أمتنا ستعالج من قبل غيرنا، من قبل من يحاول شرذمتنا، من قبل من يؤمن بغير ما نؤمن.

ما هي المعطيات التي لدينا؟ لدينا القدرة على نقل الآراء خطياً وشفهياً، على طلب اللقاءات والاجتماعات بإصرار، على إقامة الحوار، على التشبث بالإضطلاع بدورنا الطبيعي، على الحفاظ على أهميتنا كقوميين اجتماعيين وعلى أهمية نقل آرائنا، على إجبار من أوكلناهم القرار الحزبي أن يرجعوا إلينا قبل اتخاذ القرار. لدينا القدرة أن نطبق الدستور فهو حقنا الشرعي بأن نكف أيديهم عن مناصبهم، فقد أخفقوا في تنفيذ مهامهم. لدينا القدرة أن نثور في وجه من خذلنا فنتواجد في مراكزنا الحزبية يومياً لنكرر امتعاضنا، فنقيلهم عن مناصبهم ونولي ونوكل قوميين آخرين. إذا استمر القومي الاجتماعي في اعتقاده أن المسؤول أجدر وأوعى وأذكى من أي قومي اجتماعي آخر فذلك يعني أنه أخل بواجباته، وهذا أمر يحاسب عليه دستورنا الحزبي.

إنطلاقاً مما ذكرت، أصل إلى السؤال الذي لا يجدر ـ برأيي ـ طرحه لأنه عين الخطأ، وإنما يبدو أن بعض القوميين الاجتماعيين يطرحونه مراراً وهم بالتأكيد حريصون على مصلحة الحزب. لكن استياءهم من التخبط وصل لدرجة جعلتهم يحاولون البحث عن حلول أخرى، لا تناسب مرضنا حسب اعتقادي.

وهنا وددت أن أتوجه بالتحديد إلى الدكتور عادل بشارة الذي بحث موضوع الإصلاح الحزبي، مبرهناً بنقاط عديدة أن الإصلاح يجب أن يكون من الخارج. إني متأكدة أن توجهه نابع من حرصه على مصلحة الحزب، وبراهينه نابعة من مستوى الاستياء الذي يعاني منه. وفي كل فقرة يحاول فيها إبراز أفضلية الإصلاح من الخارج، يتثبت في ذهني أن المذنب الأكبر هو نحن أنفسنا، القوميون الاجتماعيون، لأننا لا نمارس واجباتنا كما هو مفترض. هذا من جهة، ونصر على اتباع نفس التوجه للتغيير في حين أثبت عدم جدارته. المشكلة ليست في مكان الإصلاح بل في طريقة الإصلاح. وهنا سأحاول قدر الإمكان أن أتبع تصنيف الدكتور بشارة لكي أبدي وجهة نظري.

  • يذكر الدكتور بشارة أنه من المستحيل أن يتم الإصلاح الحزبي من الداخل لأن إدارة الحزب لا تعترف بالفساد الذي تعاني منه، وأعطى مثالاً على ذلك تفكك الاتحاد السوفياتي والنظام السياسي اللبناني.

لا يمكن اعتبار ما جرى للاتحاد السوفياتي محاولة إصلاح، بل محاولة تفكيك وخضوع للإمبريالية. وبالرغم مما تم الإفصاح عنه في حينه عن محاولة انفتاح على الغرب لإنعاش الاتحاد السوفياتي، إنما بات واضحاً اليوم مدى فداحة فعل المسؤولين الروس في تفكيك هذا الاتحاد. ولا يمكن أن ننسى أيضاً أن الاتحاد السوفياتي ضم دولاً وقوميات غير روسية استفادت من هذا التفكك لاستعادة هويتها القومية. إذاً مقارنة واقع الاتحاد السوفياتي بواقعنا الحزبي خاطئ تماماً.

النظام اللبناني مثال آخر على عدم صحة ما يتقدم به الدكتور بشارة. إن ما يقوم به كافة المسؤولين اللبنانيين من تعديلات وإصلاحات، أو بالأحرى ما يدَّعون أنهم يقومون به، هي كلها محاولات من الخارج تعتبر تفكيكية وانفصالية عن جسم الكيان اللبناني الواحد.

إذا أردنا أن نشفي مريضاً، يجب علينا إعطاؤه دواء داخل جسمه وليس إظهار الدواء من بعيد طالبين منه أن يشفى. وإذا أردنا في أقصى الاحتمالات بتر أي عضو يسبب مرضاً لجسم ما، لا نبتر العضو الصحيح بل نقوم بإزالة العضو المريض. فخروجنا عن جسمنا لن يفيدنا إذا كنا أكيدين أننا على صواب لأننا سنعزل أنفسنا بأنفسنا، وسيمنعنا من العمل لإزالة الفساد، وسيعطي الفاسدين القدرة على نشر فسادهم في تجمعات صغيرة لا حيلة لها.

أن يعترفوا بفسادهم ؟ كيف وهم فاسدون. من الواجب علينا أن نقول لهم إنهم فاسدون، ومن ثم نتخذ القرار المناسب لإزالة الفساد. أي لإزالتهم.

2 –  يقول الدكتور بشارة إن الزعيم، بإنشائه الحزب، قام بإصلاحات من الخارج. وهذا عين الخطأ. لأن الحزب هو دواء داخلي لجسم مريض. والمشكلة هنا ليست الفكر – الدواء، إنما المريض نفسه الذي إما أنه لم يرض اتباع التعليمات لكي يشفى، أو حالته مستعصية لدرجة وجب بتره.

كم من مرة بدأت الثورات من الخارج! ولكي تتحقق في الداخل وجب على رائديها العودة إلى ديارهم لكي يفعلوا بعمق مجتمعهم وأمتهم ويقودوا التغيير مع مواطني أمتهم. وحتى بوجود هؤلاء الرائدين خارج ديارهم، فهم فقط خارجاً جغرافياً وليس معنوياً لأنهم يغيّرون ويصلحون من داخل مجتمعهم ولصالح مجتمعهم.

3 – يقول الدكتور بشارة إن “الإصلاح من الداخل هو مبدأ مثالي كالديموقراطية”، ويجب أن تتوافر العناصر الصحيحة ليسهل تطبيقه. وأنا أقول إن الديموقراطية ليست مبدأ مثالياً. هي واجب وحق على كل أمة ومجتمع ومؤسسة وفرد. إذا استمرينا بالاعتقاد أنها مثال سيصعب تطبيقها لأننا بذلك نعتبرها بعيدة المنال. ودور الإصلاح هو العمل على تطبيق الديموقراطية في كافة المجالات والمستويات.

4- إني أوافق الدكتور بشارة أن للإصلاح من الداخل آلية دستورية. لكني أضيف أن وجود آلية ضروري لأي فعل كان. وأشدد على أن الديموقراطية هي التي تعطي وتحدد آليات التعامل والعمل. وإذا كانت هذه الآليات ألغيت، حسب قوله، فالعيب واللوم يلقيان على كل قومي اجتماعي إذ سمح أن تسلب منه حقوقه وواجباته دون أن يعترض ويتمسك بها، دون أن تحيي لديه إيمانه بالثورة. إذا كان القومي الاجتماعي يرضى أن تسلب منه قشة واحدة دون أن يرى ضرورة المطالبة بها فيعتبرها عبئاً ثقيلاً، فكيف له أن يطالب باسترجاع أمة؟

5 ـ ما يقوله الدكتور بشارة عن ضرورة وجود إصلاحيين حقيقيين متمتعين بالرؤية والمناقب صحيح. وأريد فقط أن أضيف أن هؤلاء موجودون وبكثرة، ولكن ما نفتقده هو الإيمان والجرأة والشجاعة. أن أتشدق بشيء للمباهاة لا يعني أني أجرؤ على تنفيذه. عندما يقدِم أي فرد منا على عمل ما، من المفترض أن يضع نصب عينيه احتمالاً واحداً وهو الإنجاز. ألا نذكر المقولة : لقد خسرنا المعركة لكننا لم نخسر الحرب. الخسارة ليست فشلاً. الفشل هو ألا نعمل على الإطلاق. الخسارة والربح هما فقط مراحلتان من مراحل الإنجاز.

6 ـ إختطاف الحزب من قبل مصالح قوية لن تتوقف عن أي شيء من أجل تحقيق أهدافها؟  أليست هذه حال أمتنا؟ ألم يدر الزعيم بها؟ ومع ذلك فكر وعمل وأنشأ ولم يفشل لأنه بدأ بإنجاز ما يهدف إليه. ومراحل الإنجاز ما زالت سائرة حتى يتحقق الهدف الأسمى.

7 ـ الإصلاح من الداخل ليس أبداً هزيمة الذات، بل هزيمة الخلايا المريضة التي تحاول التفشي في كامل جسم الحزب. الإصلاح هو انتصار الذات على الفساد. لا يجب مناشدة الخلايا المريضة أن تختفي، يجب محوها بالقوة بكل ما لهذه الكلمة من شمولية: قوة الفكر، قوة الالتزام، قوة التصميم… إلخ.

8 –  الإصلاح من الداخل ليس سخيفاً. إن ما جرى في المؤتمرين القوميين الأخيرين هو تقاعس القوميين الاجتماعيين عن ممارسة حقوقهم وواجباتهم.

9 –  صحيح أن العمل مع الفاسدين أمر غير مقبول. الحوار والتواصل هما أولى المراحل – وهنا أعني بالتواصل القوميين الاجتماعيين برمتهم وليس التواصل مع الفاسدين – ومن ثم إقصاء المذنبين عن مناصبهم.

10 ـ رفض الحلول الوساطية أو الواسطية، كما يقول الدكتور بشارة، أمر مشرف تماماً. الإصلاح ليس وساطة، لا بل هو إعادة تقويم ما كسر، إعادته كما كان عليه أو كما يجب أن يكون. الإصلاح والوساطة أمران متناقضان. في حين أن الوساطة هي قبول بأشياء على مضض وتقديم تنازلات، يكون الإصلاح رفض التنازلات والمساومات وفرض الحقائق والتشبث بها. ففي حين أتفق كلياً مع الدكتور بشارة في هذا البند، اختلف فقط بالطريقة التي سأقصي بها هؤلاء الفاسدين عن مناصبهم. إني لا أطالب بإقامة الإصلاح جنباً إلى جنب مع الفاسدين. الإصلاح نفسه هو عملية إقصائهم، وخاصة إدانتهم عبر الدستور، أي عبر المحكمة الحزبية.

كنت وددت أن أنهي مقالتي بإعطاء المزيد من البراهين والأفكار والآراء، لكني أعتقد أني لست مضطرة أن أستجدي حقي بل أن أحافظ عليه وأمارسه. لا يحق لأي مسؤول في حزبنا أن يسلب القوميين الاجتماعيين حقهم، كما لا يحق لأي قومي اجتماعي أن يتخلى عن حقه. حزبنا حزب حركة وتغيير، صفتان تتطلبان التأقلم والتقدم، تتطلبان دراسات ميدانية دائمة لتحديد الأولويات ومستلزمات مواجهتها. وكل من يقف إزاء هاتين الصفتين ليقوقع الحزب فيقيم التغيرات لتناسب مطامعه الخاصة ومصالح أجنبية لا تمت لمصلحة أمتنا بأي صلة، من المفترض إزالته وبتره بأقصى سرعة.

التغيير والإصلاح لا يتمان بتحركات من هنا وهناك. الإصلاح يتم بحركة واحدة لن تتحقق إلا عندما يعرف كل قومي اجتماعي ويؤمن أن عليه أن يعي، أن يقرر ثم أن يعمل.

كل ما أريد أن أقوله آخراً: إن فينا قوة إذا فعلت لغيرت وجه التاريخ. فلنبدأ بتغيير وجهنا الذي به سنواجه التاريخ.

6 تموز 2017

في هذا العدد<< نظرة سعاده الجديدة الى الديموقراطية(الحلقة الثانية)معرض “وحوش نوح” في نيويورك-توما توما >>
0 0 votes
Article Rating

You may also like...

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments