1

نحو أساس جديد لعلاقة استراتيجية-بين سورية (الهلال الخصيب) وروسيا الاتحادية

مقدمة

هذا البحث هو الجزء الأكبر من ورقة عمل أرسلت في 6 كانون الثاني 2016 إلى مسؤول حزبي لكي تكون مدار بحث في لقاءات بينه وبين مسؤولين في الدولة الروسية. لا نعرف نتيجة تلك الاتصالات، ولكننا ننشر هذه المادة اليوم ـ مع تعديلات بسيطة – لراهنية الموضوع وللأهمية القصوى لسورية، عقدة العالم بدون منازع.

وللتوضيح، فإننا نستخدم كلمة سورية لتعني الأمة السورية كلها، ونستخدم الشام لندل على الجمهورية السورية.

تمهيد

تقع سورية في قلب منطقة تعج بالتحولات. وأبرز هذه التحولات نمو الدول الدينية والمذهبية والعنصرية، بدءاً من دولة إسرائيل اليهودية وصولاً إلى الإسلام السياسي وبروز أشكال مختلفة للدولة الدينية الإسلامية بمظهرها الشيعي في إيران والوهابي في السعودية والإخواني في تركيا و”تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش)، ولا ننسى مرور مصر المؤقت بدولة إخوانية لم تستمر طويلاً وإن تكن نارها كامنة تحت الرماد.

من جهة ثانية، ومنذ انهيار الاتحاد السوفياتي، اعتمد الغرب سياسة قضم وهضم تدريجي للدول التي كانت تدور في الفلك السوفياتي أو كانت تشكل جزءاً من منظومته العسكرية (حلف وارسو) أو جمهوريات كانت تابعة له. وقد شهد هذا القضم نماذج مختلفة. فمن تفتيت يوغوسلافيا وتقسيم تشيكوسلوفاكيا إلى استقطاب اثنتي عشرة دولة من حلفاء روسيا السابقين إلى “حلف الناتو” الذي وصل إلى شواطئ البحر الأسود. بالإضافة إلى هذا، يعمد الغرب إلى زعزعة استقرار أوكرانيا وعدد من الجمهوريات الأصغر في جنوب وسط آسيا مثل جورجيا. في كل هذا، كانت سياسة القضم والهضم تهدف إلى إضعاف روسيا الاتحادية وتقريب منظومة الناتو العسكرية من الحدود الأساسية لروسيا القومية.

تشكل تركيا في كل هذا تهديداً مباشراً لروسيا ومصالحها. فهي عضو في الناتو، وتتشارك مع روسيا في شواطئ البحر الأسود، ويمكنها مضايقة عبور السفن الروسية في مضيقي البوسفور والدردنيل. كما أنها تستقطب مجموعات عرقية تركمانية متواجدة في روسيا نفسها أو في عدد من الجمهوريات المنضمة لروسيا الاتحادية، وتعمل على أسلمتها من جهة وإيقاظ النزعة التركمانية العنصرية فيها من جهة ثانية. ناهيك عن دعمها لانفصاليي “الإيغور” من الإسلاميين الصينيين.

وواضحٌ الدور الكبير الذي تلعبه تركيا في زعزعة استقرار دول الهلال الخصيب، وسرقة نفطه من العراق والشام وقبرص، ودعم الحركات الإسلامية فيه، وحصار كل من الشام والعراق مائياً. ولا شك في أن قوة تركيا المتنامية تقوم إلى حد كبير على احتلالها لأرض سورية كبيرة واستراتيجية منها القوس الشمالي الممتد من شرق العراق إلى غرب الشام ويشمل، إضافة إلى منابع المياه الكبرى حيث تقوم السدود التركية العملاقة في مناطق دياربكر وماردين وأورفه وسواها، كلاً من الإسكندرون وكيليكيا وأنطاكية وأضنة ومرسين.

إن محاولات التفتيت الراهنة تشترك فيها إسرائيل من وراء الستار، وورقتها الأكبر هي الورقة الكردية. ولا حاجة لشرح أخطار الدولة الكردية على كل من الشام والعراق أولاً، ومن ثم كل من إيران وتركيا.

أما سورية، فتتعرض الى خطرين كبيرين: تفتيت دول سايكس بيكو إلى دول عنصرية ومذهبية، أو توحيد قسم من دول سايكس بيكو تحت رايات دينية مذهبية وتشظي ما عداها.

تحاول تركيا أن تتموضع في مكان يضمن لها أن تكون المسيطر الأكبر سواء كان الاتجاه إلى التفتيت الديني او العنصري، أو التوحيد تحت الرايات الدينية والمذهبية، وتحاول أن تبقي المسألة الكردية تحت السيطرة. ولا شك في أن محاولات التطبيع الأخيرة مع اسرائيل تصب، بقسم منها، في محاولة البقاء على تماس مع مخططات اسرائيل حيال الموضوع الكردي.

منذ غزو العراق من قبل الولايات المتحدة ودول غربية أخرى تجري عملية ممنهجة لتدمير الهلال الخصيب تقوم على أربعة قوائم: الحصار المائي، تدمير الدول الوطنية، زرع سلطات فاسدة تسرق الشعب وتنهب مقدراته، وتعميم ثقافة دينية مذهبية حاقدة في بيئات جاهلة وعاطلة عن العمل.

المطلوب

في مواجهة هذه الصورة، نحن نريد سورية مستقلة وموحدة كدولة مدنية تقوم على مبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية. دولة مدنية تقيم البديل النقيض للدولة الدينية أو العنصرية سواء كانت إسلامية شيعية على مذهب ولاية الفقيه، أو سنية وهابية أو إخوانية، أو دولة يهودية أو دولة كردية.

نحن نريد دولة تقوم على أساس نظرة تعمل من أجل “حياة أجود في عالم أجمل وقيم أعلى” لكل مواطنيها وللإنسانية جمعاء.

ونحن نعتقد أن هذه الدولة هي حاجة سورية بامتياز بمقدار ما هي حاجة روسية بامتياز، وأن حلفاً بين روسيا وسورية على الأسس المتقدم ذكرها يقدم فائدة تاريخية واستراتيجية للطرفين وللعالم.

هي حاجة سورية لأننا، وقد جربنا كل الأشكال الأخرى من دول شبه قومية قائمة على تقسيمات سايكس بيكو، إلى دول ديكتاتورية، إلى دول دينية ومذهبية، وصلنا إلى مرحلة الانتفاء الوجودي. ولا خلاص لنا سوى بدولة كما وصفناها أعلاه.

وهي حاجة روسية لأن روسيا بحاجة إلى دولة مدنية علمانية قوية في قلب الشرق الأوسط تقدم نموذجاً بديلاً من الدول الدينية المتصارعة من جهة، وتكون سداً في وجه مخططات الناتو ومطامعه في الشرق الأوسط من جهة ثانية.

ونحن نريد دولة مدنية علمانية تستطيع عبر عملية تنمية شاملة ليس فقط أن توقف موجات الهجرة واللجوء، بل أن تستعيد جاليات اقتلعت من أرضها وهُجرت قسراً بعد تعرضها لمحاولات إبادة.

وهذا الحلف لا يمنع قيام تحالف مماثل بين سورية وإيران، ولكن على أساس الاحترام المتبادل وحل النزاعات القومية وأهمها الأحواز والسدود الكبرى التي تمنع أيران عبرها جريان المياه في الأنهار العابرة الحدود إلى العراق.

وبالتالي فهناك ضرورة لأن يصار إلى البحث الجدي مع الروس في سبيل الوصول إلى مثل هذه الدولة.

إن دولة من هذا النوع، متحالفة مع روسيا، يعني، على المدى البعيد، أن الاستثمار الكبير الذي توظفه روسيا في سورية اليوم لن يضيع بل سيكون محمياً من قبل دولة علمانية قوية.

وتحالف من هذا النوع يبعد خطر التدخل المستمر من دول استعمارية تاريخية مثل فرنسا وبريطانيا اللتين قسمتا الهلال الخصيب عبر اتفاقية سايكس بيكو، أو دول استعمارية مستجدة مثل الولايات المتحدة الأميركية وقاعدتها الأولى في الشرق الأوسط، دولة اسرائيل. وكذلك يدعم، على المستوى الاستراتيجي البعيد، التحالف الروسي الصيني القائم.

وإننا نرى في كل هذا حاجة استراتيجية سورية بمقدار ما هي حاجة استراتيجية روسية.

خطوات عملية

إننا ندعو روسيا للنظر إلى الهلال الخصيب ليس من منظور دول فاشلة قائمة على أنقاض سايكس بيكو، أو على حلم بخلافة إسلامية سنية كانت أو شيعية، بل على دولة موحدة قوية تمتد من زغروس إلى المتوسط ومن طوروس إلى الصحراء العربية تكون حليفاً قوياً استراتيجياً لروسيا الاتحادية في الشرق الأوسط.

وندعوها أيضاً للنظر جدياً في مساعدتنا لتصحيح الأخطاء التاريخية التي زرعت أسسها منذ قرن تماماً في سايكس بيكو وما تلاها من معاهدات مجحفة انتزعت من سورية مناطق غنية وحيوية لها من كل الاتجاهات وأقامت في قلبها دولة عنصرية تتمدد وتتوسع.

وندعوها للنظر جدياً إلى أن تركيا، التي تقوم قوتها على الاستمرار في الهيمنة على هذه الأراضي السورية والعراقية والقبرصية وسرقة مواردها، تشكل خطراً استراتيجياً على روسيا الاتحادية، وأن تحرير تلك الأراضي وإعادتها إلى دولتها الأصلية يجب أن يشكلا هدفاً استراتيجياً لروسيا كما لسورية.

وللوصول إلى هذا الأمر، ندعو لرفع مستوى العلاقة بين روسيا الاتحادية والقوى التي تعمل فعلاً لبناء الدولة المدنية العلمانية لجميع أبنائها وليس لفئة منهم.

العقبات

لا شك أن خطوة مثل هذه لن ترضي القوى الاستعمارية سواء منها التاريخية أو المستجدة، الدولية منها أو الإقليمية. وهي لن ترضي اولئك الذين ما فتئوا يدّعون أنهم ممثلو الله على الأرض ويريدون حكم الناس باسم دولة دينية ظاهراً ودولة قهر وسرقة وتجويع وتجهيل عملياً.

ولن ترضي القوى الفاسدة الداخلية التي ربيت في كنف المستعمرين منذ سايكس بيكو وحتى اليوم.

إن مصارعة هذه القوى كانت وما زالت في صميم معركة الشرفاء العاملين لنهضة سورية ووحدتها واستقلال أراضيها وإقامة نظام مدني علماني عادل فيها، وعلى روسيا الاتحادية دعم مثل هذه القوى وإقامة أفضل العلاقات معها.