نجمة سورية
يتساءل الكثيرون حول مسألة الجزيرة القبرصية ولماذا يعتبرها السوريون القوميون الاجتماعيون أرضاً سورية؟ ولماذا تُسمى نجمة سورية؟ وكثيراً ما يُطرح الأمر مصحوباً بالسخرية والاستهزاء لما يرونه طرحا غير واقعي أو ضربا من ضروب الرفاه الفكري. لهذا كان لا بد من الوقوف على هذا الموضوع وبيان أهميته ونحن على أعتاب العام الـ 89 لتأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يردد أعضاؤه أن قبرص أرضٌ سورية، دونما أي عمل لتثبيت هذا الحق ونشره والتأكيد عليه.
من المهم جداً بمكان وقبل طرح الأدلة القانونية الدولية أن نعود بالتاريخ إلى الخلف لننطلق منه ونثبت الحاضر، فقبل أن يضع سعاده نظريته فيما يتعلق بالأمة (القومية) وحدودها قائلاً أنها: ” مجموعة من البشر تحيا حياة موحدة المصالح، موحدة المصير، موحدة العوامل النفسية-المادية في قطر يكسبها تفاعلها معه، في مجرى التطور، خصائص ومزايا تميزها عن غيرها من الجماعات” (نشوء الأمم، صفحة 165)، وقد حدد سعاده وجود هذه الأمة (القومية) جغرافياً بأن رسم خارطة أرض الأمة السورية قائلاً: “الوطن السوري هو البيئة الطبيعية التي نشأت فيها الأمة السورية. وهي ذات حدود جغرافية تميزها عما سواها، تمتد من جبال طوروس في الشمال الغربي، وجبال البختياري في الشمال الشرقي، إلى قناة السويس والبحر الأحمر في الجنوب، شاملة شبه جزيرة سيناء وخليج العقبة، ومن البحر السوري في الغرب، شاملة جزيرة قبرص، إلى قوس الصحراء العربية والخليج العربي في الشرق. وتوصف بالهلال السوري الخصيب ونجمته جزيرة قبرص” (المبدأ الأساسي الخامس، المحاضرات العشرة). من خلال تحديده لمفهوم الأمة (القومية)، واتباعها بالحدود الجغرافية؛ يكون سعاده قد حدد الوطن السوري الذي قصده تماماً، ولكن هذه الأمة السورية كانت قد سبق لها وأن تم تحديدها منذ آلاف السنين قبل الميلاد، حين وحدها سرجون العظيم، وليس أدلَ على ذلك من الآثار والأحافير والرُّقم التي تمتد من قبرص إلى بلاد الرافدين مؤكدة على وحدة الثقافة والعادات والحياة والموروث.
لسنا في هذا المقال بصدد بحث تاريخي عميق حول الآثار السورية الممتدة على طول الوطن السوري (جغرافياً)، بقدر ما نحن بصدد ذكر تلك الحقائق التاريخية ولمن أراد الاستزادة العودة والبحث عما يريده، فيكون بذلك قد وضع نفسه على بداية الطريق للبحث والمعرفة في سبيل هويته وحقيقته.
وبما أننا ذكرنا تلك المرحلة التاريخية وأحقية وجودها تاريخياً وعلمياً ومعرفياً، ربطها بما جاء به سعاده، نجد أن الطرح السعادي لم يجانب الحقيقة في شيء، ولم يخالف التاريخ، ولم يتجاوز المنطق ولا الحق القومي، وبرغم كل هذه الحقائق المثبتة تاريخياً ما زال من أبناء أمتنا قبل غيرهم من يشكك في هوية الأرض والإنسان عليها، رافضاً حقيقته السورية لصالح كيانات مجتزأة بفعل الاحتلال وغطرساته وخططه التي أرادها لأمتنا السورية. لماذا استعراض التاريخ، وثم ما جاء به سعاده؟ ما الهدف من هذا كله؟ ببساطة لترسيم الحدود أولاً، وبيان معالم وجه الأمة السورية وجغرافيتها التي أراد الاحتلال تغييرها من خلال سلب الأراضي السورية، ليُصار بعد ذلك لربط كل ما تقدم بالقانون الدولي وإظهار الدليل الواضح على سوريِّة قبرص!!
ما أن انتهت الحرب العالمية الأولى، وظهرت تركيا الجديدة بقيادة أتاتورك حتى بدأت الاتفاقيات الدولية تتوالى في إعادة تشكيل وجه المنطقة بحسب المصالح للأطراف المنغمسة في الحرب حينها، فكانت أولى الاتفاقيات متمثلة بمعاهدة سيفر عام 1920 التي رسمت حدود تركيا الجديدة مع من حولها ليتم على اثرها خفض كبير في مساحة تركيا الجديدة مقارنة بإراضي الدولة العثمانية، فرفضت الحركة القومية التركية بزعامة مصطفى كمال أتاتورك بنود الاتفاقية، فما كان من الفرنسيين حينها إلى محاولة استرضاءه بتقديم بعض التنازلات للوصول إلى اتفاق سلام نهائي مع تركيا، وحيث أن الشام كانت تحت الانتداب الفرنسي حينها، كان هذا بمثابة الورقة الرابحة لفرنسا والتي سهلت عليها تقديم تلك التنازلات حول الأراضي الواقعة تحت سيطرتها، وبشكل خاص لمعاقبة السوريين لمقاومتهم الانتداب الفرنسي في ميسلون. فكانت هذه البداية لنزع الأراضي السورية من أهلها لصالح تركيا!!
تبع ذلك في عام 1921 اتفاقية أنقرة (الأولى) وكانت مرة أخرى بين فرنسا والحركة القومية التركية والتي كانت السبب في انهاء الحرب التركية الفرنسية وأثرها الأول كان في تعديل خط الحدود بين الشام (الواقعة تحت الانتداب الفرنسي) وتركيا والذي كان قد سبق وتم إقراره في معاهدة سيفر. وكان نتيجة هذه المعاهدة أن سلخت معظم المناطق السورية الشمالية عن الوطن الأم سورية لتصبح تحت السيادة التركية. تلك المناطق هي: “أضنة، عثمانية، مرعش، عنتاب، كلس، أورفة، ماردين، نصيبين، جزيرة ابن عمر”. (النص الكامل لاتفاقية أنقرة)، ومن أكثر ما يؤكد تبعية هذه المناطق إلى بلاد الشام تاريخياً ما جاء في كتاب الشريف الإدريسي “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق” حول زيارته لتلك المناطق في القرن الثاني عشر الميلادي، حيث يقول: “… وعليه من البلاد الشامية أنطرسوس واللاذقية وأنطاكية والمصيصة وأذنة وعين زربة وطرسوس وقرقوس وحمرتاش وأنطالية المحرقة وأنطالية المحدثة والباطرة والميرة وجون المقري وحصن استروبلي وفيه من البلاد الشامية البرية فامية وحصن سلمية وقنسرين والقسطل وحلب والرصافة والرقة والرافقة وباجروان والجسر ومنبج ومرعش وسروج وحران والرها والحدث وسميساط وملطية وحصن منصور وزبطرة وجرسون واللين والبذنذور وقوة وطولب وكل هذه البلاد يجب علينا أن نوضح أخبارها…”
واستمرت المفاوضات والأخذ والرد حتى عام 1923، حيث تبنى الحلفاء الاتفاق الثنائي في أنقرة، فكانت معاهدة لوزان في 1923 كتعديل لمعاهدة سيفر، وتم بذلك إعادة ترسيم الحدود من جديد بين تركيا وبريطانيا وفرنسا. ولعل أهم ما ورد في هذه الاتفاقية هو التنازل الصريح عن قبرص لصالح بريطانيا في المادة 20 من بنود الاتفاقية. (النص الكامل لاتفاقية لوزان)
ومع تتبع مسيرة تلك المعاهدات والاتفاقيات التي تمثلت في التنازل تباعاً عن الأراضي السورية لصالح تركيا، أو لصالح انتداب فرنسي أو بريطاني، نصل إلى المرحلة المهمة التي سيترتب عليها الشرح الأهم في شرعية تسمية قبرص أرضاً سورية، ففي العام 1938 قامت فرنسا وهي دولة منتدبة على الشام “بخطوة غير مسبوقة واستفزازية” إذ أعادت منح اللواء حكمًا ذاتيًا مع بقاءه مرتبط من ناحية شكلية بالـ “جمهورية السورية” الشام، ثم أعادت إلغاء هذا الرباط الشكلي؛ وفي العام التالي، 1939، انسحبت فرنسا بشكل نهائي، في حين دخلت اللواء قوات تركية، وقامت بضمه وإعلانه جزءًا من الجمهورية التركية تحت اسم “هتاي“؛ وهو ما يعتبر مخالفة لصك الانتداب الذي يلزم الدولة المنتدبة بالحفاظ على أراضي الدولة المنتدب عليها. مع العلم أن منطقة الاسكندرون كانت تابعة رسمياً لولاية حلب ضمن “سوريا العثمانية“، مُشكلةً مرفأها على البحر؛ ومثلت في المؤتمر السوري العام، ورغم اعتبارها دولة مستقلة في أعقاب صدور مراسيم التقسيم، غير أنه أعيد ربطها بالدولة “السورية” الشام عام 1926 بجهود الرئيس أحمد نامي، وعاصرت إطلاق الجمهورية السورية الأولى عام 1932، إلى أن فعلت فرنسا فعلتها السابقة الذكر أعلاه في 1938.
هذا التدرج الكامل في استعراض المعاهدات والاتفاقيات يهدف بشكل قاطع للتأكيد على سورية تلك الأراضي وأن لا حق قانوني يدعم سلب تلك الأراضي وسلخها من أمها سورية إلى حاضنة تركية غريبة عنها، وتكمن الأهمية في هذا الاستعراض الكامل بهدفين أساسيين:
أولاً: سورية الأراضي السليبة والحق في المطالبة بها في ظل كل القوانين الدولية القائمة حالياً، فلا شرعية في سلخها واستلابها، ولم تلق تلك الاتفاقيات تأييداً من عصبة الأمم ولا ممن تبعها دولياً.
ثانياً: في العلاقة ما بين قبرص وتلك الأراضي السليبة بحكم القانون البحري الدولي والذي ينص حرفياً على ما يلي “ مياه البحر التي تملك دولة معنية السيادة عليها انطلاقا من سواحلها أو إقليمها البري، حددتها اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار -في اتفاقية جامايكا عام 1982- بمسافة 12 ميلا بحريا.
وتمتد هذه السيادة إلى الحيز الجوي فوق البحر الإقليمي وكذلك إلى قاعه وباطن أرضه. وتشمل المياه الإقليمية البحيرات والقنوات والأنهار الداخلية الموجودة أو الجارية ضمن الإقليم.”
وقد حسمت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982 عرض البحر الإقليمي وحددته، وجاء في المادة الثالثة “لكل دولة الحق في أن تحدد عرض بحرها الإقليمي بمسافة لا تتجاوز 12 ميلا بحريا مقيسة من خطوط الأساس المقررة وفقا لهذه الاتفاقية”. (الميل البحري = 1.852 كم)
ونصت المادة الرابعة على أن الحد الخارجي للبحر الإقليمي هو الخط الذي يكون بٌعد كل نقطة عليه عن أقرب نقطة على خط الأساس مساويا لعرض البحر الإقليمي، كما وحددت الاتفاقية خط الأساس العادي لقياس عرض البحر الإقليمي، بأنه حد أدنى الجزر على امتداد الساحل كما هو مبين على الخرائط المعترف بها رسميا، مع وجود استثناءات نصت عليها الاتفاقية بشكل صريح أو بالتوافق.
وفي حال كانت سواحل دولتين متقابلة ومتلاصقة، نصت الاتفاقية المذكورة في المادة الخامسة عشرة، على أنه لا يحق لأي من الدولتين – في حال عدم وجود اتفاق بينهما على خلاف ذلك – أن تمد بحرها الإقليمي إلى أبعد من الخط الوسط الذي تكون كل نقطة عليه متساوية في بعدها عن أقرب النقاط على خط الأساس الذي يقاس منه عرض البحر الإقليمي لكل من الدولتين. غير أن هذا الحكم – حسب نفس المادة – لا ينطبق حين يكون من الضروري بسبب سند تاريخي أو ظروف خاصة أخرى، تعيين حدود البحر الإقليمي لكل من الدولتين بطريقة تخالف هذا الحكم.
وبما أن كل الخرائط، وكل المواثيق التاريخية، والكتب، والآثار، والأحافير، وحتى المرويات تؤكد العلاقة ما بين قبرص والأراضي السورية المستلبة، فإن القانون البحري الدولي يؤكد شرعية المطالبة بقبرص كأرض سورية طالما أن تلك الأراضي حكماً هي أراضٍ سورية كما ورد أعلاه، وبما أن المادة الخامسة عشر من القانون البحري تؤكد وبشكل قاطع أنه وبوجود سند تاريخي أو ظروف خاصة فإنه يكون من الضروري تعيين حدود البحر الإقليمي لكل من الدولتين بطريقة تخالف هذا الحكم (الـ 12 ميل بحري وما سبق المادة 15 من القانون البحري الدولي).
وهذا يعني وبما لا يقبل الشك، ومن الجهة الحقوقية القومية أن قبرص قانونياً وبحسب القانون الدولي سواء البحري أو الطبيعي هي أرض سورية للأسباب السابقة الذكر، ولأن أقرب نقطة عائمه فوق سطح البحر لجزيرة قبرص هي في الشمال السوري المحتل لواء اسكندرون، والأمر الآخر هو الطبيعة الجيولوجيه لقبرص هي نفسها الطبيعة الجيولوجيه للساحل السوري أي أنها انفصلت عن الأرض السوريه قبل ملايين السنيين وهذا أيضا جانب من القانون الدولي إضافة إلى التاريخ ونشوء الحضارة، والأكتشافات الأثريه تثبت وبالدليل القاطع على أنها سورية حضارياً و تاريخياً.
نتوقف في هذا البحث عند هذه النقطة على أمل متابعته في مقالات لاحقة. ذلك أن الحق والقانون الدوليين لا يكفيان. إن سياسة التتريك للأراضي التي احتلتها وتحتلها تركيا تخلق وقائع جديدة لا بد من التعاطي معها.