ملف الندوة: “لا يعرف العار من لا يعرف الشرف”- بقلم نايف معتوق
من هيئة التحرير: انتشر “التعميم” أدناه بقلم الرفيق نايف معتوق على صفحات التواصل الاجتماعي مما دفع بأحد القراء لكتابة رسالة طويلة نقتطف منها ما يلي
وقد رأينا نشر هذه المواد كما هي بدون أي تعليق. فيما يلي تعميم الرفيق نايف معتوق. (هيئة التحرير)
لمن يتخبّطون في وحل أنانياتهم ومثالبهم وفرديتهم…
حين يستسلم المرء لنزواته وغرائزه ويحجم عن الإنصات لصوت العقل في أنقى فعله، لا عجبَ أن يقع في جبٍّ كلّما حاول الهروب من الدبّ. لأنّ المقياس الذي يضعه العقل الفاعل يبقى خارج دائرة المتخبّط في مستنقع العرَض والآنِ والأنا، وخارج المدار الحقيقيّ الذي يحصّن كلّ خطوة تُخطى، ويضبط الممارسات على إيقاع الفكر النيّر اليقظ.
ومن المفيد والضروري أن نحيل الخابطين خبط عشواء في الفكر والتصرّف إلى القائد المعلّم ليستنيروا بنور التعاليم التي أماتت السفليات العارضة وأعلت من عظمة القيم التي تزخر بها النفسيّة السوريّة من خيرٍ وحقٍّ وجمال؛ هذا إذا بقي لديهم بصر يبصرون به، أو بصيرة تسمح لهم بتلمّس حقيقة النظرة الجديدة إلى الحياة والكون والفنّ التي أرسى قواعدها سعادة المعلّم، وتشدّهم إلى سموّ المناقب والأخلاق العقليّة القوميّة الاجتماعيّة التي تشكّل الرافعة الملزمة للعمل القومي الاجتماعي.
وهؤلاء السائرون في أنفاق جهلهم وسواد سريرتهم يحاولون بشتّى السبل أن يقنعوا أهل النور بنعمة الظلمة التي بها يستأنسون، وأن يُغروهم بالسير معهم في طريق ديجورهم في ظنٍّ واهم أن الكثرة في الظلمة قد تجعلها قيمة مستسغاة ومقبولة فيطمئنّون لسكناهم الساقط ويسترسلون في فحيحهم الأسود متوهّمين أنّه يقضي على الخصم، بينما هو في حقيقة أمره يقضي على أصحابه، شأنهم شأنُ “الهرّ الذي يلحس المبرد”.
هؤلاء المسجونون في دهاليز السوء، أو لنقل أولئك الذين سجنوا أنفسهم في هذه الدهاليز، لم يبتكروا طريقة سجنهم تلك، بل كانوا فيها مقلِّدين لزمرة من الزاحفين وراء إغراءاتٍ رماها أمامهم من أراد شرًّا بالحزب السوري القومي الاجتماعي وبزعيمه المؤسس، فتلقّفوا الإغراءات وتلاشت فيهم روح الإرادة الحرّة التي ضخّها الزعيم فيهم ليكونوا مع المؤمنين رافعي راية العمل النهضوي، فإذا بهم ظهير الطاعنين والمتآمرين، لا بل تحولّوا إلى زمرة متقدّمة في الطعن والإساءة والتدمير.
ولأنّ المقلِّد يبقى دون الأصيل، وربّما ينحدر إلى مستويات أكثر عيبًا وريبة وأكثر انحطاطًا، فإنّ هذه الزمرة تداعت مشحونةً بحقدٍ دفين وهوسٍ فرديٍّ قاتل وغرورٍ صادم، متجاوزة كلّ حدود الشرف والأخلاق، ولا عجبَ في ذلك “فمن لا يعرف الشرف لا يمكن أن يعرف العار”، وهم بذلك يؤكّدون على استمراريّة الخط الانحرافي الذي رسمه المنحرفون منذ خمسينيات القرن الماضي، وما فيه من التواءات عقائدية وأخلاقية؛ وفي ذلك دلالة واضحة على أن السوءة الانحرافية ما زالت قائمة، وتتطلب من حماة العقيدة أن يصارعوا من أجل القضاء عليها وصرعها.
تداعوا إلى نُدوةٍ توهّموها نَدوةً؛ فأحسنوا الاختيار؛ سيؤمون أرضًا تفيض بالماء العذب، لكنّهم سيلوّثونه بسموم نفوسهم التي حاول المعلّم أن يشفيهم منها، ليعودوا إلى صفاء أصالتهم، لكنّ مثلبة السموم كانت أقوى فجرّتهم إلى حضيض القذارة التي يأنف منها أصحاب النفوس الكبيرة المشحونة يسموّ التعاليم التي أتى بها سعادة؛ إشارة إلى أنّنا لا نخشى العدوى لأنّ السوء الطارئ على صاحبه يميته ويموت معه، مهما كان عدد المصابين بالسوءات كبيرًا. “فالمساوئ تطرأ على الأفراد ولا يمكن أن تصم المجتمع”.
شلّة من عبدة الذات الفرديّة عمهت عن حقيقة تهوّرها وصمّت آذانها فلم تسمع نصيحة المعلّم، ولا نصائح الخلّص من أبناء الحياة، فكان من الملزم أن نسلّط الضوء على تورّطهم المشين كلّ بدوره وانطلاقًا من حقائق ووقائع شاؤوا أن يأخذوا بها أو رفضوها. “فسواء أفهمونا أم أساؤوا فهمنا فإنّنا نعمل للحياة ولن نتخلّى عنها”.
يبقى في التمهيد الآنف أن نؤكّد المؤكّد الذي يكشف عن سريان الانحراف من واحدٍ مريض إلى آخر مصاب بمرضٍ مشابه، ومن مجموعات موبوءةٍ إلى أخرى استجابت للوباء نفسه، منذ تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي وحتى اليوم؛ ولن يهدأ للمؤمنين الأصفياء بال، ولن يحدّ من تحفّزهم شيء، قبل أن يستأصلوا شأفة السوء الانحرافي ليبقى العمل الحزبيّ محافظًا على رونقه وصفائه؛ مع الإدراك الراسخ أنّ هذه العمليّة ليست سهلةً، لأنّ الذين دُفعوا سابقًا لتخريب العقيدة والحزب، والمدفوعين اليوم إلى التخريب نفسه، هم هم من دائرة واحدة متعدّدة الاتّجاهات، من فرديين أنانيين نفعيين ومن مربوطين إلى أوتاد الباطل من داخل ومن خارج، ومن طائفيين خشبيين ورجال دين يؤثرون المادّة على القيم الروحيّة الدينية الحقيقية، ومن إقطاعيين قدامى وجدد يمتصون دماء الناس وحيوياتهم، ومن سياسيين جعلوا من منافعهم الخاصة مرمى أيّ مسلك من مسالكهم؛ وفي المدى النهضوي مطلوبٌ من الصراعيين المؤمنين أن يواجهوا كلّ هذه السوءات ولا يهمّ أكانوا قلّة أم كثرة، وإن كان العدد الواعي يزيد من تضييق الخناق على رقاب المنحرفين ومن وراءهم.
وإذا كنّا في هذه السلسلة نشير إلى بعضٍ من هؤلاء، فهذا لا يعني أنّنا ننتزعهم من السياق الانحرافي، بل لأنهم تداعوا إلى نُدوةٍ في بلدة الزعيم متّخذين منها منبرًا لبثّ سمومهم وأكاذيبهم وأباطيلهم وعُصابيّاتهم وأمراضهم من خلال كتابٍ لأحد هؤلاء إن أردنا أن نختصر مضمونه قلنا : “بوق الأنا التائهة”؛ علمًا أنّ الكتاب لا يصلح لأن يكون مادّة متابعة تحليلية نقديّة منطقية كونه خارج حدود المنطق والتحليل، ومجبولًا بكلّ أنواع الأنا الرافضة الموتورة.
ولأنّ مجموع كذبة لا يثمر حقيقة، ولأنّ تكرار الكذب لا ينفذ إلّا إلى ضعاف النفوس، ويلقى صدًّا إراديًّا عقلانيًّا من أهل الفكر والعقل، فمن البديهيّ أن يعرف من شاء ساعة يشاء بعضًا من حقيقة هؤلاء وسيرهم الذاتية، ليتأكّد من التفاف مرضى الحقد والمهووسين والفرديين حول بعضهم البعض في وهم أنّ ذلك يؤمّن لهم مصدر “قوّة”.
أحد هؤلاء إن أردت أن تمتحنه في ألف باء العقيدة فإنّ الدهشة تعتريك آنَ تكتشف أنّ زمنًا طويلًا من المباهاة بالانتماء إلى الصفّ القومي الاجتماعي لم يُضف إليه ما يخوّله لأن يفقه المسلّمات العقديّة الأساسية؛ فهو يقلّد من يتوافق معه في نفثِ الحقد والسموم التي عطّلت فيه فعل العقل الصافي؛ وما يثير العجب هو إصراره على طاووسيّة معرفيّة من جهة، ومن جهة ثانية الرفض القاطع لكلّ علاج يمكن أن يعيده إلى حقيقة ذاته النقية، تمامًا “كمن يجدع أنفه نكاية بوجهه”. حبذا لو يقف أمام مرآة نفسه يومًا ليرى بأم البصر والبصيرة الدرك المخرّب الذي وصل إليه. عندها، ولربّما يُحدث ذلك صدمةً فيشفى من مرض الحقد الفاتك!!! علمًا أنّ الأمل ضعيفٌ جدًّا لأنّه تخطّى السنّ التي تساعده على ذلك، توافقًا مع المبادئ الاجتماعية المؤكّدة التي أشار إليها سعادة. وهو كغيره من صنفه لا يدع مناسبة إلّا ويستغلّها من أجل محاولات التخفيف من حمولات الحقد القابعة على عاتقه، ويبذل من ماله الوفير في غالب الأحيان ليشوّه سمعة من هم في قمم الإيمان والعطاء القومي؛ ذنبهم أنّه عاجز عن مجاراتهم في الوعي والعطاء والإيمان. وإذا كان معتقدًا أنّ طوفان الحقد والمال يغيّر من حقيقة الناقم عليهم، فإنّنا نطمئنه بأنّ شموخ الكبار يزداد كلّما استعر لهيب حقد الحاقدين. وهنا نربأ بأنفسنا أن نلج عالم خصوصيّاته، لأنّ ّذلك ليس من شيمنا ولأنّ الدائرة التي نسلّط الضوء عليها أبعد من هذه الخصوصيّات الشخصيّة البحت.
آخر من شلّة الحاقدين الفرديين، أثارته رسالةٌ من كبار رموزنا العقائدية يصوّب له فيها ما لم يكن على مستوى الخط العقائدي القومي الاجتماعي، يوم كان في بدايات عمله الصحفيّ، فتجاهل الرسالة في بادئ الأمر، لكنّه عاد وسطّر كتابًا لهذا الرمز استهلّه بـ “إلى الأستاذ الكبير…”، وهذا “الأستاذ الكبير”، وكعادته لم يتجاهل الكتاب، ردّ مصوّبًا مرّة جديدة، وأتبعه بتصويبٍ ثالث، يبدو أنّه لم ينلْ رضى المرسَل إليه، فتوقّف عن المراسلة، وتحوّل إحجامه إلى حقدٍ ما زال مسيطرًا عليه حتّى اليوم، وطبيعيّ أنّنا لا نأمل خيرًا من شفائه من هذا الحقد المزمن، فانضمّ إلى الحاقد السابق؛ لأنّ محاولاتنا المتكرّرة في هذا المجال لم ترَ طريقها إلى الفلاح. وتراه في كلّ ما جمع يمرّ لمامًا على أيّ ممارسةً تتّصف بالإيجابية ويحشدُ من التوصيف أغلظه حين يظنّ أنّ هناك مثلبةً تطال هذا الرمز.
أضف إلى ذلك أنّه، وعلى الرغم من انبهار عمهٍ أو عميان بالكمّ التأليفيّ الذي يتّسم بالجمع أكثر ممّا يصح وصفه بالبحث، فهو يتعثّر في استخدام ألفاظٍ يخجل القارئ العادي من التعثّر فيها، فيستعملها في معنًى معاكسٍ لواقعها وحقيقتها، ولطالما لفتنا نظره إلى هذا الخلل الفاضح، ولكن لا حياة لمن تنادي. فإذا كان قاصرًا عن خوض دائرة الصحيح في أبسط الأمور، فهل نتوقّع منه أن ينجح في تحليل الأفكار المضطربة والمضامين الغامضة التي تتطلّب عقلًا راجحًا محلّلًا واعيًا هادفًا؟ وهل العاجز في البسيط قادرٌ على المعقّد؟
وثالثٌ، له مع الكذب حكاياتٌ وروايات وخطوط متعرّجة لا تحصى، لكأنّه رضع الكذب مع حليب الأمومة، حتى بات يُطلِق الكذبة فيصدّقها بعد حين وتصبح من يقينيّاته التي لا يجاريه أحدٌ في الدفاع عنها، فعُرفَ بأنّه فنّان في هذا “الكار” يعجز كثيرون أمثاله عن مجاراته أو ملامسة نتن قذارة الكذب عنده.
من أبرز إبداعات الكذب عنده، محاولة بثّ الخبر كحالةٍ مؤكّدة مثبتةٍ بخطّه وتوقيعه، ثمّ لا يلبث أن يأتيك بما ينقضها ويناقضها، مبرّرًا دورانه 180 درجة أنّه في الخبر الأوّل كان يكذب، وأنّ ما سجّله خطّيًّا ووقّعه إنّما لأسبابٍ أقلّ ما يقال فيها إنها أعذار أقبح من ذنب. ولا يكتفي بهذا السقوط الأخلاقي الفاضح، بل حاولَ ويحاول، وجهد ويجهد من أجل إقناع الآخرين بسوء مسلكه ونتانة مخبره وسواد كذبه ونفاقه؛ ترى ألم يسأله أحد أنداده المأخوذين بتفاهته والتوائه: ألا يصح أن نعكس الحالة ونسأل: ألا يمكن أن تكون الكاذب في المرّة الثانية؟ وهل يمكن أن نأمن لكاذبٍ؟ أو ليس الذي يكذب مرّة، يكذب ألف مرّة، وألف ألف مرّة، والذي يسرق مرّة يسرق في كلّ مرّة تسمح له الفرصة؟
وإذا ما حاولنا أن نضع الخبر في كفّتي ميزان؛ في إحداهما خبر مكتوبٌ بخط اليد وموقّع بإمضاء صاحبه، وفي الأخرى خبر ينقضُ الأوّل ولا يستند إلّا إلى محاولات كلاميّة لا تشفي غليل أهل المعرفة،؛ فأيّتهما يمكن أخذها بعين الاعتبار؟ نترك للقارئ اللبيب العاقل تحديد الإجابة.
وفي كلّ حال، إنّ حكّ صاحب السقطات المعيبة المزرية على جرب مساوئه، لا يغيّر من واقع الحال، ولا يُعلي من شأن الكذّاب قيد أنملة، ولا يمكن أن يرفعه إلى أدنى مستوى من مستويات الكبار، ولا يلمّع صورته التي شوّهها بنفسه.
لكم كان الأمر قيميًّا لو أنّه عاد إلى ضميره الذي لطّخه بسوءة الكذب، وأعلن حقيقة سقوطه المريب، وأقسم على أن لا يخوض غمار الكلمة إلّا معرّاة من كلّ ما يشوّه سموّ أبعادها، وما يحرفها عن حقيقة مسارها البنائي، لا أن يُضيف إلى بياض شعره سواد نفسيّته، ويحمل معه إلى مرقده الأخير، أطال الله بعمره، ضميرًا مثقلًا بكلّ ما يشوّه سيرته في الاستمرار.
ورابعٌ شمّر عن ساعده وعبّد الطريق لنقل الكتاب، موضوع النُّدوة، من حيّز المخطوطة إلى عالم الطباعة، وهو أمرٌ تجاريّ لا يحقُّ لنا أن نعترض عليه إلّا من زاويةٍ واحدة وهي، إن ثبت لنا أنّه أدّى قَسَم الانتماء إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، فمن حقّنا أن نسأله: هل القَسَم الذي أقسم يخوّله نشر ما يسيء إلى العقيدة والحزب والزعيم؟ أو ليست الكلمة رافعة صروحٍ بنائيّة في مفهومنا القومي الاجتماعي؟ وهل يحقّ للقومي الاجتماعي أن ينشر ما يزعزع صروح البناء، أو أن يكون مادّةً مائعةً لا قيمةَ لها في مسار الحياة الاجتماعيّة؟
من جهةٍ ثانية، وللحقيقة أؤكّد أنّني لم أتشرّف بمعرفته وجاهيًّا إلّا خلال لقاءٍ واحدٍ في اجتماع محدّد المواضيع مع آخرين، كنت أنا الداعي له،؛ لكنّ إطلالاته الإعلامية هي التي كانت تسمح لنا بتقييم المستوى العقائدي الذي على أساسه نضع النقاط على الحروف لمن يعلن أنّه سوري قوميّ اجتماعيّ، ونرى مدى فهمه للأسس التي تقوم عليها العقيدة القوميّة الاجتماعية،. وانطلاقًا من ذلك يؤسفنا القول إنّ دائرة حواراته الإعلاميّة لم تتعدَّ السياسة الدارجة البعيدة كلّ البعد عن حقيقة السياسة القوميّة التي تناولها سعادة في أكثر من موقع، وحذّر من الجنوح السياسي الدارج الذي كان من أسباب استمرار حالات الانحطاط والتخبط التي تعاني منها أمّتنا.
والأمر الثالث الأبرز، والذي يكشف عن نفسيّةٍ أقلّ ما يقال فيها إنّها في الجهة المقابلة للنفسيّة القوميّة الاجتماعية، وفي هذه الجهة يتبيّن لنا مقدار الخروج على واقع المصداقيّة التي تضع صاحبها في موقفٍ لا يحسدُ عليه؛ وهذا الأمر يتعلّق بمذكّرات الراحل إنعام رعد الذي سجّل صوتيًّا “كلماته الأخيرة” وهو على فراش الموت، واحتفظ به أحد الخلّص له، والتسجيل محتفَظٌ به حفاظًا على ما هو ثابت وصحيح كي لا يطغى المشوَّه على الواقعي الحقيقيّ.
وخلاصة الخبر أنّ الذي أشرف على طباعة “كلمات الراحل إنعام رعد الأخيرة” لم يُرحْه إعلان رعد عن حقيقة اتّهام الرفيق عبد المسيح بمقتل العقيد عدنان المالكي، التي رُوِّج لها باطلًا ولمّا يزل يُروَّج من قبل متآمرين أو جهلة او ناقلي أخبار دون تدقيق. ولم يُقدم على التشويه وحده، بل استعان بـ “ليلى” زوجة رعد، وثبّتا الحالة التشويهيّة دون أن يندى لهما أيّ جبين، علمًا أنّهما يدركان أنّ المنطوق مسجَّل، ولكنّهما كانا يتوهّمان أنّ ذلك التسجيل لن يخرج إلى العلن.
وعندما جابهه ممتلك الشريط المسجَّل بحقيقة التسجيل، ونبّهه إلى خطورة هذا المسلك، قال: هل تريدون أن نعطي “جماعة أنطوان أبي حيدر” ممسكًا يدينوننا به؟ بمعنى أن نضع في أيدي القوميين الاجتماعيين حقيقة ما لُفّق بشأن مقتل المالكي فنخسر معركة خضناها منذ النصف الثاني من القرن الماضي؟ نعمَ من يغلّب المثلبة على المنقبة، ويتسلّح بالباطل لاغتيال الحقّ، ويستعين بالكذب على حساب الصدق وسموّ الخلق! وحبّذا لو يحجمون عن الادّعاء بأنهم يؤمنون بعقيدة سعادة، لكانوا يوفّرون الكثير من لصق مثالبهم بالحزب والعقيدة؛ وليكن معلومًا لدى هؤلاء وأمثالهم أنّ الواعين المؤمنين بالعقيدة القوميّة الاجتماعيّة لم يصنّفوهم يومًا بأنّهم قوميّون اجتماعيّون بل دخلاء يقتاتون على موائد الفكر القومي الاجتماعي الصافي لتحقيق منافعهم الفرديّة.
وخامسٌ لا ذكر لاسمه في الدعوة إلى النُّدوة، بل يتأبّطه صاحب “بوق الأنا التائهة” كرافعة لتيهه، ولم يعرف، أو ربّما تجاهل أنّه سقط في امتحان العمل من أجل الحركة والعقيدة والزعيم، أو لنقل أسقط نفسه منذ أصبح أخًا في المنظّمة الماسونيّة برتبة ماسونية متقدّمة، ولم يتخلَّ عنها حتى مماته، وهي التي حذّر وحظّر سعادة القوميين الاجتماعيين من الانتماء إليها وهو الذي خبرها عن كثب هو ووالده الدكتور خليل سعادة، فانسحبا منها باكرًا لأنها والعمل القومي على طرفي نقيض.
هذا الخامس الخيّاط الذي عُيّن رئيسًا للمكتب السياسي في الحزب السوري القومي الاجتماعي، والذي انكشف أمر تلاعبه خلال محاكمة سعادة وبعدها، جعل المجلس الأعلى يقرّر طرده ونزع رتبة الأمانة عنه، والتريّث في إعلان ذلك حفاظًا على هدوء العمل في الوقت الذي كان الحزب بحاجة لذلك الهدوء.
ولأنّ الزعيم كان بصدد تنحيته وتعيين الدكتور عبدالله سعادة مكانه، حال دون ذلك جريمة اغتيال سعادة وبقي في دائرة المراقبة. ولكي يذرّ الرماد في العيون، وخلال الحرب الأهلية في لبنان ودخوله على خطّ التواصل مع آل الجميّل في بكفيّا بعامل الأخوّة الماسونيّة وسجّل ما يحلو له أن يسجّل في محاولة لتظهير صورة هي أكبر بكثير من حجمه، وما سجّل نمتلك نسخة مطبوعة عنه. وفي السياق نفسه، وبعد أن اطمأنّ لوفاة العارفين، ويجهل أنّهم سجّلوا ما يجب أن يسجّلوه، كتب ما توهّمه مذكّرات نمتلك أيضًا نسخة مطبوعة عنها، وحاول أن يقنع “دار النهار” بنشرها؛ لكن هذه الدار، على الرغم ممّا تجمعه بصاحبها من مودّة وأكثر، أحجمت عن الطبع لأنها معيبة وتلوّث سمعتها. ورغم محاولاته المتكررة بقي الأمر في حدود الرفض؛ وبقيت في درج الورثة.
أن نستعين بماسونيّ لتنفيس أحقاد فهو أمر بحدّ ذاته إدانة للمولِّف، وهو لو كان يتجاوز الآنَ وينظر إلى الآتي لما كان أضاف إلى سقطاته هذه السقطة، ولكان علم أنّ اختلال هذا الماسونيّ حزبيًّا، وترجرجه في ممارسته وعلاقته مع الماسوني الآخر رياض الصلح إنّما هو جدير بالتأمّل والتدقيق لاستنتاج الوقائع الصادمة لكلّ عاقل وصادق. وهو لو كان على المستوى النقدي القومي الاجتماعي لما غرق في مثل هذه المستنقعات الآسنة، حيث راح يتخبّط في وحل تيهه متجاهلًا القبطان الوحيد الذي أمّن له واسطة الخلاص ويبدو أنّه رفضها. فالاستعانة بساقط لا تُعلي من قيمة المستعين بل تلوّثه وتلطّخ حتى طاووسيّته غير المحدودة.
ولكن يبدو أنّ “المصيبة” جمعت بين متوهّمَين، من مجموعة متوهمّين، وكم من متوهّم راح “يتعلّق بحبال الهواء” ظنًّا منه أنّ ذلك ينقذه من واقع حاله الصادم، وينفذ من خلاله إلى نفوسٍ لم ترتقِ إلى مستوى الفصل بين الحقّ والباطل. ونخشى ما نخشاه أن يكون المولّف أخًا في التنظيم الماسونيّ الذي يفرض عليه أن يكون معه في السرّاء والضرّاء على حساب ما يتظاهر فيه أمام الآخرين بأنّه ضنينٌ بمصلحة الأمّة وقيمها.
ولا شكّ أنّ هذا الظنّ، وبعض الظنّ إثم، أنّه لا يتورّع عن الاعتماد على ماسونيّ له في هذا المجال طول باع، ولم يعطِ أيّ إشارة تنمّ عن قلقه إزاء تلك الحالة.
ولا شكّ أنّ المتابعين يدركون جيّدًا الحالات العُصابية التي تعتري “مريض الوهم”، والذين تابعوا رحلاتهم التعليمية يعرفون جيّدًا توصيفات “موليير” له. وعلى الرغم من نفاذ “موليير” إلى عمق نفسيّة هكذا مريض، فهناك حالاتٌ نفسيّة بقيت خارج توصيفاته كون الحالات المرضيّة النفسيّة متشعّبة ومتنوّعة ومتبدّلة؛ وأغرب ما نشهده في الطبع الموتور في الكتاب، الاعتماد على رفض أيّ شيء لا يخدم شناعة البغضاء والشحناء والحقد، أكان إيجابيًّا نجتهد لتأويله سلبيًّا، وإن كان سلبيًّا “نملّحه” و”نبهّره” لنزيد من منسوب سلبيّته. لكأنّ المولّف مشبعٌ بجدليّة هيجل وماركس لجعلها في خدمة تنفيس أحقاده. إنّ الغطرسة الحاقدة إن دلّت على شيء فإنّما تدلّ على اضطرابٍ نفسيّ دفين لا يسمح لصاحبه أن يرقى إلى مستوى الرؤية العاقلة الصائبة التي تؤمّن المادّة المفيدة البانية لمن أراد أن يغتنيَ بالمعرفة.
خلاصة المسرود أنّ اليدَ التي سطّرت ذلك المولَّف كان الأحرى بصاحبها أن يغسلها بقطرون السموّ الخلقيّ قبل أن تنزفَ من سواد النفسيّة ما يترك آثارًا تافهة متدرّنة، تتطلّب وقتًا لدرء أخطارها عمّن لم يتقوّوا بالمناعة المطلوبة. وإذا شئنا أن نختصر نقول: لو جيء بناقمٍ حاقد وطلب إليه أن يختلق ما يخرّب مسيرة حزبٍ وألقَ زعيمٍ قائد نهضة، وأعطي من المال والإغراءات ما لا حدّ له، لما نجحَ بقدر ما نجحَ مولّف الكتاب الداعي إلى النُّدوة العار.
في 15 حزيران 2019 نايف معتوق