مقابلة مع زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي أنطون خليل سعاده حول الحراك الشعبي في لبنان 2019-2020

image_pdfimage_print

إعداد فادي خوري

أنطون سعاده الباقي أبداً، الراهن دائماً، نسمعه مع صرخة كل صوت يطالب بالحرية والانعتاق من العفن السياسي الطائفي والمذهبي والإقطاعي-العائلي الذي ينخر لبنان منذ “اختراعه” قبل مئة عام. نطرح على الزعيم اليوم أسئلتنا حول تطورات الشارع في الكيان اللبناني ليعطينا من فيض فكره ورؤيته ونظرته للأحداث التي تعصف بهذا الكيان العزيز على قلبه وعلى قلوب جميع القوميين الاجتماعيين واللبنانيين الشرفاء.

 

حضرة الزعيم، الأمة لا تزال تعاني من فقدان الهوية القومية، والأنظمة المتحكمة بالكيانات السورية لا تزال على حالها من الضياع والولاء إلى الخارج، والسياسات الدينية والطائفية والمذهبية لا تزال مستفحلة في كافة كيانات الوطن. اليوم، الشارع اللبناني ينتفض في وجه سياسييه وحكّامه مطالباً بحقوقه من أجل حياة كريمة، كيف تنظرون إلى الأوضاع التي يمر فيها الكيان اللبناني وما تشهده ساحات المدن الرئيسية من تظاهرات واحتجاجات؟

إن في سورية، ومنها الكيان اللبناني، إقطاعيات حقيقية تؤلف جزءاً لا يستهان به من ثروة الأمة ولا يمكن بوجه من الوجوه حسبانها ملكاً شخصياً، ومع ذلك فهي لا تزال وقفاً على “بكوات” إقطاعيين يتصرفون بها أو يهملونها كيفما شاؤوا مهما كان في ذلك من الضرر للمصلحة القومية. ومنهم فئة تهمل هذه الإقطاعات وتغرق في سوء التصرف بها إلى حد يوقعها في عجز مالي ينتهي بتحويل الأرض إلى المصارف الأجنبية، الرسمال الأجنبي، البلوتكراطية الأجنبية. والحزب السوري القومي الاجتماعي، يعتبر أن وضع حد لحالة من هذا النوع، تهدد السيادة القومية والوحدة الوطنية، أمر ضروري جداً، وإلاّ ينشأ إجحاف للبلاد وإجحاف بفئات من الناس تعمل في الأرض تحت سيطرة وسلطة مطلقة من الإقطاعي الذي، وإن لم يكن معترفاً به إقطاعياً قانونياً، فإن الامتيازات التي يتمتع بها تجاه الحكومة وتجاه الشعب تجعله ذا سلطة مطلقة يتصرف بالناس في إقطاعه تصرف المالك في مُلكه أو السيد في عبيده.

نحن نقرُّ بضبط الأمر وتوجيهه وضبط الأفكار والسماح للصحيح الذي يقدم الخير للأمة لكي ينمو، وبتشذيب الفاسد لكي لا يعمل على إفساد ما بقي من حيوية الأمة وفاعليتها.

– وما هو موقفكم كحزب؟

نحن حركة مهاجمة تأتي بتعاليم جديدة تهاجم بها المفاسد والفوضى التي بسببها بقي الشعب في الوضع المؤسف المحزن الموجود فيه.

نحن لم نحارب ولا نحارب من أجل أن تكون لنا ولغيرنا حرية فوضوية تخدم لذّات الأفراد المرضى في نفوسهم بل حاربنا ونحارب من أجل تحقيق قضية واضحة وإقامة نظام جديد.

وقد تزعمت جماعة من الأفراد تململ الشعب وجعلوا همهم استثمار هذا التململ لينالوا مكانة يطمعون فيها، واستندوا في تزعمهم إلى بقية نفوذ عائلي مستمد من مبادئ زمن عتيق تجعل الشعب قطائع موقوفة على عائلات معينة تبذل مصالح الشعب في سبيل نفوذها. ورأى هؤلاء المتزعمون أن العائلة والبيت لا يكفيان في هذا العصر لدعم التزعم فلجأوا إلى كلمات محبوبة لدى الشعب، كلمات الحرية والاستقلال والمبادئ وتلاعبوا بهذه الألفاظ، المقدسة متى كانت تدل على مثال أعلى لأمة حية، الفاسدة متى كانت وسيلة من وسائل التزعم وستاراً تلعب وراءه الأهواء والأغراض، خصوصاً المبادئ، ففيها يجب أن تتجلى حيوية الأمة وحاجاتها الأساسية. أما المتزعمون فقد اتخذوا من الشعب وسيلة للتعبير عن بعض المبادئ. فعكسوا الآية بطريقة لبقة، وقد يكون ذلك عن جهل مطبق، وكوَّنوا قضية مضحكة مبكية هي قضية جعل الشعب وقفاً على مبادئهم وتضحيته في سبيل تلك المبادئ. وقد كادوا ينجحون في تضحيته. وبديهي أن لا تكون هذه القضية قضية قومية إلا للذين ضلوا ضلالاً بعيداً.

– ما هي برأيكم الأسباب التي أدّت إلى هذا التحرك وإلى ما يشهده الشارع منذ 17 أكتوبر الماضي؟

هي فساد الإدارة، هي الغش والمكر والبرطيل، هي التكالب على الحكم، هي البطالة وما تجرّ من خمول وفساد أخلاق.

هي المهاجرة التي تبتلع الكثير من خيرة شباب الوطن. هي أرامل لم يمت رجالهن بل هاجروا، هي ثكالى لم يمت أبناؤهن بل هاجروا،

هي أيامى لا رجال لهن لأنهم هاجروا. هي الأرض بور! هي الفوضى تدور!

هي العامل يرزح والفلاح يجوع! هي الطائفية والحزبيات الدينية بلاء الأمة وعلة الانحطاط، هي الإقطاعية الملتفة على جسم الأمة كالأفعى، هي هضم حقوق وأكل أموال الفقراء.

هي هبوط المناقب وصعود المثالب، هذه هي الحقيقة. هو ضجيج الذين يريدون أن يخفتوا أنين الشعب ويخنقوا صوته!

هي ضجيج الذين لا عيش لهم إلا باستنزاف قوى الشعب وامتصاص موارد حياته!

هي ضجيج الذين يريدون جرّ الشعب في لبنان إلى انتخابات جديدة وهو معصوب العينين، والحقيقة مستورة عنه بستار مصطنع من الدخان، فتسجّل هناك مدة جديدة من استمرار الشقاء بيده!

هي ضجيج الذين يريدون أن يفرّقوا بين الشعب وبين الحق والإنقاذ، وأن يحجبوا عنه اليقين!

لذلك، فإن ما من عمل أو إنتاج في المجتمع إلا وهو عمل أو إنتاج مشترك أو تعاوني. فإذا ترك للفرد الرسمالي حرية مطلقة في التصرف بالعمل والإنتاج، كان لا بد من وقوع إجحاف بحق العمل وكثير من العمال. إن ثروة الأمة العامة يجب أن تخضع لمصلحة الأمة العامة وضبط الدولة القومية. لا يمكن تنمية موارد القوة والتقدم في الدولة إلى الحد الأعلى إلا بهذه الطريقة.

– كيف ترون أسلوب معالجة السياسيين في لبنان للحراك وللأسباب التي دفعت باتجاه حدوثه؟

إن النفعيين الذين لا همّ لهم سوى استثمار الحال الراهنة لأغراضهم الخاصة لا يزالون يرون المصالح مصالح مسلمين ومسيحيين ودروز إلخ. وكل نفعي يلجأ إلى جماعته الدينية ليسيّرها في سبيل منافعه ونفوذه. إنهم يجدون في تقسيم المصالح وفاقاً للقاعدة المذهبية الوسيلة الاستثمارية الأقرب متناولاً.

لن تكون المعركة هينة، أما النصر فسيكون حليف المبادئ التي تؤمن المصلحة القومية ضد المصالح الخاصة.

إن النهضة التي تنظر في مصالح الفلاحين والعمال وأرباب الحرف والصناعات والتجارات وتتخذ منها أساساً لكل أعمالها، خليقة أن تنتصر على جميع الحركات السياسية التي تشتري المنفعة والنفوذ الخاصّين بدماء الغوغاء. وما يؤيد الشعب تأييداً مطلقاً إلاّ الذين يخدمون مصلحته خدمة مخلصة.

لقد قامت الرجعية بعد هجعتها وخرجت تبحث عن فريسة فوجدتها في الغوغاء فأنشبت أظفارها في لحمها. إنّ الرجعية خبيثة ومنافقة وذات حيلة ولبوس. فهي تظهر حيناً بمظهر الغضب لكرامة بالية وآناً بمظهر الدعوة إلى وهم أجوف وما غايتها الصحيحة إلا الاصطياد في الماء العكر.

– ما هو تقييمكم لأداء الإعلام حيال الأزمة القائمة؟

بعض الكتّاب والصحافيين اللبنانيين، الذين أذعنوا للإرادة الأجنبية، لا يفتأون يسمّمون أفكار الشعب بتضليلهم وتشويههم الحقائق، ويحملون الحملات تلو الحملات على اللبنانيين الذين لم يذعنوا للإرادة الأجنبية، ناعتينهم تارة بالخيانة وطوراً بالمروق من «الوطنية» وبغير ذلك من النعوت.

وصارت هذه الوقاحة حيلة من حيل التعيش عند الصحافيين الذين كان من نكد الدنيا وسوء طالع الشعب أنهم دخلوا الصحافة بدون كفاءة ليكونوا وسيلة من وسائل البلبلة والفوضى، وليزيدوا طين الأمور القومية بلّة. فلا يكاد الواحد منهم يصطدم برأي لبنانيين أحرار رفضوا ما فرض على الشعب في لبنان من قِبل إرادة أجنبية، حتى ينعي عليهم «المروق من الوطنية»، أو «خيانة الوطن»، أو «تفريق كلمة اللبنانيين»، أو غير ذلك. وأكثر ما تكون غيرته «الوطنية» على منافعه الخصوصية من انتشار إعلامه باسم الوطن الديني الذي صار من دعاته لمصلحة الإرادة الأجنبية.

هذا الداخل على الصحافة والسياسة يظن أنّ السفسطة والتخليط والهفت دعامات قوية يمكن أن تقوم عليها قضية شعب أو يقرر بها مصير أمة. لقطاء السياسة والمتعيشون بالصحافة لا تهمهم الحقائق. وصاحب التهجم على فئة من كرام اللبنانيين الذين يرفضون ما تقرره الإرادة الأجنبية في البلاد لا يرى فرقاً بين دولة يعلنها شعب حي بمطلق إرادته، ودولة تفرضها القوى الأجنبية على الشعب.

إنّ أولئك الذين يطلبون من الآخرين أن يحترموا آراءهم ومعتقداتهم، يجب عليهم أن يتعلموا احترام آراء غيرهم ليعرفوا كيف يحترمون آراءهم وكيف ينتظرون أن يحترم غيرهم آراءهم.

ما هو توجهكم للبنان وللبنانيين وسط هذه الظروف؟

إني أثق بفهم الشعب في لبنان ووعيه ومقدرته على الإدراك، على الرغم من جميع الإشاعات والكتابات والتصريحات التي تحاول وضعه في درك الشعوب المتأخرة العقلية. وأرى الاستقلال الذي حازه هذا الكيان خطوة أولى يجب أن تعقبها خطوة، هي جعل هذا الكيان قوة فاعلة لا ضعفا متقلصاً منزوياً.

إنّ الكيان اللبناني هو وقف على إرادة الشعب اللبناني.

وَضَعَ الحزب حق تقرير مصير الشعب في لبنان في يده، لأنه هو وحده لبنان ولا يجوز لقوة في داخل هذا الكيان أو خارجه أن تلغي إرادته وسيادته. فإذا لم يكن الشعب مرجع الأمر الأخير في لبنان، فأين عزّه، وأين كرامته، وأين استقلاله؟

وأتوجه للشعب اللبناني قائلاً “إن الساعة لعصيبة وإن الفوضى لعظيمة!

في هذه الساعة يكثر الذين يريدون أن يستغلّوا غضبتك للحق ولكرامتك وأن يحولوها لمنفعتهم. فاتّقِ المستغلين، أصحاب البطولة الوهمية!

إتّقِ المشكلات المحاكة التي نشأت بإرادات أجنبية وبدوافع خصوصية لتضلّك عن طريق النهضة القومية الاجتماعية التي فيها مصالحك وفيها عزك ومجدك.

أيها الشعب اللبناني،

إني لا أتبنى نحيب أصحاب المطامع الشخصية الخائبة ولا زحير الرازحين تحت أهوائهم.

إني أقف نفسي في سبيل حياتك وإرادتك وحقك وخيرك.”

– هل من توجّهٍ إلى المتظاهرين والمنتفضين أنفسهم؟

كونوا رسلاً أمناء لقضيتكم القومية. كونوا جنوداً لتحاربوا التجزئة والانقسام الداخليين. كونوا سداً منيعاً ضد الدعوة إلى بعث النعرات الهدامة. أوصوا كل من تجتمعون بهم أن لا يكونوا آلة في يد رجال يستثمرون الشعب ويضحون مصالح الشعب في سبيل منافعهم، هؤلاء الذين اتخذوا الرعونة نظاماً لهم والمنفعة الشخصية دستوراً.

إننا حركة الشعب. إننا نثق بالشعب الذي احتقره السياسيون وتلاعب بمقدراته الإقطاعيون وخانه المثقفون في ثقافة الاستعمار والرجعة. فنحن من الشعب ونعمل في الشعب لأجل الشعب. إننا نحتقر الاستناد إلى النفوذ الأجنبي الذي يعتمده دهاقنة السياسة الرجعيون الإقطاعيون ليسخّروا الشعب للقضايا الغريبة ولا نعتز إلا بالشعب.

الحكومات تأتي وتذهب أما الشعب فيبقى!

ليست قضيتنا قضية حكومات، بل قضية شعب ـ قضية أمة ـ قضية خير وفلاح ووعز قومي اجتماعي.

إنّ لبنان التَّعِب من التدجيل والقضايا المقلوبة بجد الإنقاذ والصيانة والعز في النهضة القومية الاجتماعية ـ هذه النهضة التي تحرره بأنوارها من المخاوف والتقلص والتلاشي وتجعله قوة فاعلة تثق بالمصير القومي الاجتماعي.

إنّ بناء النفوس في النهضة القومية الاجتماعية ينقذ لبنان من ذلك التلبنن الاستعماري الرجعي، ويقيم الحقيقة اللبنانية، ويزيل عن الأرزة اللبنانية الجليلة صبغة السخافة والانحطاط التي صبغتها بها فئات الاستسلام للأمر المفعول، والعمل بالإرادات الأجنبية، ويعيد إلى اللبنانيين حقيقتهم وكرامتهم ويُنهض سورية كلها ويوجه العالم العربي نحو التعاون والخير.

لم تجابه الحركة القومية الاجتماعية معضلة في الماضي إلا وخرجت ظافرة، ولن يعجزها في المستقبل ما لم يعجزها في الماضي. إنها حركة صراع لأنها حركة حرية، وحركة انتصار لأنها حركة حق!

ألا لو شئنا أنّ ننفر من النجاح لما وجدنا منه مفراً!

– شكراً حضرة الزعيم على هذه الأفكار التي لن تندثر. أملنا هو في أن تبقى شعلة هذا الإيمان متَّقدة في نفوس حاملي هذه العقيدة، يعودون إليها كلّما احلولكت ظلمات دروبهم فتنير لهم الطريق.

@FadiKhouri7

 

 

في هذا العددالوحدة السورية: الضرورة والتحديات-رئيس التحرير >>
0 0 votes
Article Rating

You may also like...

Subscribe
نبّهني عن
guest
1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
trackback
4 سنوات

[…] هذا العدد بمقابلة مع سعاده. هذا الرائي يحدثنا اليوم وكأنه […]