1

مصدر السلطات

إذا كان السوريون القوميون الاجتماعيون يعتقدون فعلا أنهم هم مصدر السلطات في الحزب السوري القومي الاجتماعي، عليهم المبادرة اليوم لإنقاذ ما تبقى من حزب سعاده

لم يكن حادث إطلاق النار أمام مركز الحزب السوري القومي الاجتماعي في قضاء عاليه، على خطورته، أسوأ ما مرّ على هذا الحزب في الفترة الأخيرة. فقد سبقته حالة إطلاق شتائم عبر بيان رسمي من أحد العُمُدِ بحق القوميين الذين تجرأوا على انتقاد من أبّن مجرم الحرب الأميركي جون ماكين بقوله، “الرجل العظيم لا ينتهي بمأتم”. وتلاها تلاسن وتشاتم وتدافع بين مسؤول ورفيق في وسط شارع الحمراء. وسبق كل هذا مجموعة من الاحداث التي وصفها القوميون في السنوات الأخيرة الماضية، وليس آخرها ما ذكره رئيس تحرير الفينيق في مقالته بعنوان “الاستجداء المذل” المنشورة في هذا العدد.

غير ان توصيف المشكلة لم يعد يكفي. بل إنه لم يكن يوما ليكفي. يجب إيجاد المخرج قبل أن “تزول عقيدة الحزب السوري القومي الاجتماعي ويتبدد أتباعها”، والتعبير لسعاده وليس لنا.

مع كل منحدر تصل إليه قيادات التنظيمات التي تزعم أنها هي وحدها الحزب السوري القومي الاجتماعي، كانت هناك محاولات مخلصة يقوم بها أفراد وجماعات للإصلاح أو الإنقاذ، بعضها من داخل المؤسسات، وبعضها يدعو لتأسيس بديل عن الحزب، باءت كلها بالفشل.

حتى المحاولات التي بدأت ناجحة واستقطبت أعدادا كبيرة من القوميين، مثل انتفاضة الشهيد أبو واجب، انتهت إلى فشل، ليس فقط بسبب اغتيال ذلك الرجل الفذ، بل لأنه لم يتمكن من تحويل الانتفاضة إلى مؤسسة إدارية ناجحة، ناهيك عن حالة من اللامبالاة التي سادت القوميين بعد فترة من بدء تلك الانتفاضة.

وقد كانت معظم هذه المحاولات تصطدم بالسؤال العقبة: “أنعمل من داخل المؤسسة أم من خارجها؟” فينقسم القوميون المعارضون بين هذين الرأيين وتجمد الحركة في أرضها قبل ان تتفجر الخلافات داخلها.

واليوم نسمع عن استعدادات تقوم بها مجموعة من السوريين القوميين الاجتماعيين لإطلاق حركة إنقاذ جديدة عبر الدعوة إلى هيئة تأسيسية عامة تنبثق عنها قيادة مؤقتة تعمل خلال فترة زمنية معينة على إنقاذ الحزب. إنها مبادرة جديرة بالاهتمام، خاصة وأنها تعمل إلى حد كبير من وحي نتيجة استبيان الفينيق عن كيفية الخروج من الأزمة والتي كانت كما يلي:

  1. عبر مؤتمر تدعو إليه حركة إنقاذية من الصف الحزبي عامة، تضم رفقاء من مختلف التنظيمات تحت شعار وحدة السوريين القوميين الاجتماعيين لتحقيق غاية الحزب ونظرته. اختار هذا الجواب %78 من إجمالي المجيبين بعد احتساب من لم يروا أن ثمة أزمة في الحزب.
  2. عبر تأسيس حركة جديدة لا علاقة لها بأي من التنظيمات التي تحمل اسم الحزب السوري القومي الاجتماعي على الاطلاق. وقد اختار هذا الجواب %12 من إجمالي المجيبين بعد احتساب من لم يروا أن ثمة أزمة في الحزب.

ولكن…

هناك تخوف كبير في أوساط القوميين من أي تحرك يمكن وصمه بأنه انشقاق رابع. كذلك هناك شكوك حول ما إذا كان هناك أهداف سياسية وأجندات خاصة لهذه المجموعة أو تلك. أو حول ما إذا كان الداعون للمبادرة يملكون المؤهلات الإدارية أو المالية لإطلاق حملة كهذه. أو تساؤل حول عدم ضم هذا الشخص أو ذاك في قيادتها. إلى ما هنالك من شكوك ومخاوف بعضها سليم ومعظمها ليس كذلك. ونحن إذ ننقل هذه المخاوف والشكوك فليس بالضرورة لأننا نعتقد بها، بل لأنها قائمة ويجب معالجتها.

نحن نقول إن ما ينقص هذه المبادرة هو تحرك القوميين في مديرياتهم.

“ولكن المديريات منحلّة، والمنفذيات معطّلة، والقوميون قاعدون في منازلهم أو في المقاهي، فعن أي قوميين تتكلمون؟” نحن نتكلم عن كل هؤلاء. إن القوميين بدون مديرياتهم مثل السمك خارج الماء يتلاطمون في مكانهم حتى الموت. ودليلنا هو الاحداث المتسارعة التي نمر بها والتي أشرنا إليها في مطلع هذه الافتتاحية.

كيف يتحرك القوميون في ظل الظروف الراهنة؟ نعود إلى ما سبق لهذه المجلة أن طرحته في أكثر من مقال حول اعتماد قانون الطوارئ الذي وضعه الزعيم في 30 تموز سنة 1936، شكلاً لقيام قيادة جديدة تستند إلى المادة الثانية من ذلك القانون، وهذا نصها:

ينعقد مجلس المندوبين عن جميع مناطق الحزب لبحث التدابير والإجراءات الضرورية بصورة إيجابية فقط، وانتخاب هيئة إدارية جديدة وتعيين لجان لدرس الوسائل اللازمة من مالية وغيرها“.

انطلاقا من هذا الاجراء الذي اعتمده الزعيم سنة 1936، ندعو القوميين في مناطقهم، خاصة أولئك منهم غير المنتظمين في أي من التنظيمات حاملة اسم الحزب، لعقد اجتماع في أقرب فرصة ممكنة، مخصص لانتخاب لجنة مديرية من ثلاثة رفقاء يناط بها اختيار مدير لمديريتهم. فور تعيينه، يقوم المدير باختيار هيئة مديرية تثبتها لجنة المديرية المنتخبة أو تطلب تعديلها. تعلن المديرية الجديدة استقلالها عن أي من المراكز القائمة حاليا. إذا انتظم عقد العمل في عدد من المديريات المتجاورة، يُنتدب عن كل لجنة مديرية مندوب، يشكلون مجلس منفذية ينتخب منفذا عاما للمنطقة، فيقوم بتسمية هيئة منفذية، يثبتها مجلس المنفذية أو يطلب تعديلها.

ماذا عن لجان المديريات الموجودة اليوم، والتي انتخبت في ظل هذه المؤسسة أم تلك؟ نحن ندعو القوميين في تلك المديريات إلى إعادة النظر بلجان مديرياتهم. فإن عبّرت عن إرادتهم كان خيرا، وإلا، فلينتخبوا لجانا جديدة، وليعلنوا رفضهم للمراكز القائمة.

رب قائل، ولكن هذا معاكس لمسار العمل الحزبي الدستوري. صحيح. نحن في ظرف استثنائي يتطلب تفكيرا استثنائيا. هذا المخرج وضعه سعاده في ظروف استثنائية ويمكننا العمل من وحيه.

لماذا هذه المبادرة؟ لسببين حيويين. أولا، لانتظام القوميين وإعادة العمل في الشكل النظامي الذي لا يمكن لجهودهم أن تتضافر خارجه، وثانيا، لكي يتمكنوا من التقدم سواء من الهيئة العامة المنوي الدعوة إليها قريبا، أو للمرحلة الانتقالية وهم في حالة نظامية وقانونية تسمح لهم باختيار مندوبين إلى أي مؤتمر يعقد خلال المرحلة الانتقالية.

في الجهة المقابلة، أي جهة الداعين للهيئة العامة، يجب ان تلاقي دعوتنا هذه ترحيبا وتشجيعا لأنها تُغني المبادرة ولا تعطلها. بل إنها تعطيها شرعية يفتقدها الداعون خاصة إذا لقيت تلبية واسعة من صفوف القوميين. بل إننا نقول، إن أية مبادرة سوف تكون محكومة بالفشل الأكيد إن لم يلتف حولها أكبر عدد من القوميين أفرادا ومديريات. يلفتون حولها ليس بسبب الصداقة والمحبة والثقة الشخصية بهذا الشخص أو ذاك، بل لأنها تأتي تعبيرا عن إرادة القوميين من القواعد.

إن خطوة مثل هذه سوف تضع الجميع أمام مسؤولياتهم. القوميون لكي يعيدوا تنظيم أنفسهم في متحداتهم، والمبادرون لكي يعرفوا انهم ليسوا وحدهم من يقرر مصير الحزب. بل إن للقوميين في متحداتهم صوتا يعبرون به عن إرادتهم الحرّة.

كلمة أخيرة.

هناك جو خطير من الاحتقان يسود أوساط القوميين كاد ان يتسبب بكارثة مأساوية في عاليه. إن مجلة الفينيق تدعو جميع السوريين القوميين الاجتماعيين إلى وضع سلاحهم جانبا في معارك الحزب الداخلية. أنها معارك فكرية وأخلاقية لا يجوز تحت أي شكل من الاشكال الاحتكام إلى السلاح فيها. إننا لا نزال نبكي شهداءنا الذين سقطوا في معارك داخلية أو نتيجة عمليات اغتيال وتصفيات. هذا أمر لا يجوز له أن يتكرر. على كل سوري قومي اجتماعي ان يعود إلى قسمه، فيتعهد، بينه وبين نفسه، ألا يؤذي رفيقا له تحت أي ظرف من الظروف، بل ان يود الخير له والفلاح لسورية.