1

ما بين المحكمة وغيرها من المجالس- وليد سعادة


وفي مقال “اليمين” يقول سعادة ما معناه ان هناك حقّ لكل عضو باللجوء الى محاكمة علنيّة عندما يشعر بأنّه يتعرّض لظلم ما. وأذكِّر بأنّ أساس العقيدة مبدأ حقوقي بالدرجة الأولى. وسعاده يعلن ان كل من لا يقول بهذا المبدأ يرتكب جريمة تجريد السيادة عن أصحابها، أي حقّهم بحياة حرّة ، عزيزة، كريمة.

كما ورد في المبدأ الإصلاحي الرّابع “إنصاف العمل”. وفي شرحه أنّ الدولة التي لا تهتمّ جيدا بأعضائها لا يمكن ان تنتظر من أبنائها ان يقفوا معها في الأوقات الصعبة.

واذا ما اضطلعنا على الرّسالات السماويّة نرى أن فيها ثورة على الظلم والطغيان وأن في مقاصدها إقامة الحق والعدل. وعند المساواة في الإيمان ما بين أهل الكتاب والمحمديين يستثني القرآن الكريم “الذين ظلموا منهم”. (سورة العنكبوت).

كما أذكر القاضي إميل التيان الذي رفض ترأس جلسة لإبرام حكم الإعدام بسعادة لأن هذا الحكم التّعسفيّ لم يتبع الأصول الإجرائية التي تضمن (بعض الشيء) حقّ المدّعى عليه للدفاع عن نفسه ومتوجباته الزمنيّة. وذلك ما اضطر رئيس الجمهوريّة بشارة الخوري من الاتيان بقاض غيره لترأس جلسة إبرام الحكم، وبالتالي تنفيذ الجريمة الظالمة بحق شخص وأمّة، ذلك الذي أعلن الثورة على الطغيان. وكانت استقالة التيان الثانية والأخيرة.

بعد هذه التقديمات أسرد ما دفعني لهذا الكتاب والأسباب عدّة:

أولا: ان هناك مرسوم بإنشاء محكمة وحاليا ليس من محكمة، وهذا غير مقبول بعد زوال كوابيس الحرب الأهليّة في لبنان وما تعاقب على الحزب قبلها من طغيان وظلم.

ثانيا: يقوم بعض من عُيّنوا في وظائف مسؤولية بأخذ قرارات ظالمة بحق الأعضاء. فلا يجوز ان يكون طرف نزاع هو حَكم لذلك النزاع. هذا أحد أسباب وجود ظلم وطغيان. وهذا ما يفسر ضرورة استقلاليّة القضاء.

ثالثا: هناك من يشكو بأنّنا كلّما نمينا نعود ونتقهقر عدديا. كما أصبحت الأعداد خارج المؤسسة أكثر منها داخلها. الأسباب كثيرة ومنها التعسّف والظلم. نحارب الفردية الأنانية نظريا “وليس عمليا” بالتمرس بالنظامية الفكرية والإدارية.

رابعا: هو قول أحد أعضاء المجلس الأعلى لي بأنّ المحكمة غير ضروريّة كون المجلس الأعلى هو الذي يعيّنها!

وتعليقا على عدم صوابيّة القول الأخير أودّ أن أوضح الكثير من الفروقات بين المحكمة من جهة والمجالس الأخرى.

بدءًا بأحد المراجع ألا وهو كتاب جهاد العقل “أزمة المحكمة في الحزب..”. يورد الكتاب بأنّ أحدهم طلب تدخل الزّعيم أو طلب رأي الزعيم بمسألة كانت أحيلت للمحكمة. رفض مصدر السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة التدخل وسبب الرفض أنّها أحيلت الى المحكمة.

فهل يجوز للمجلس التشريعي (الأعلى) أن يأخذ دور المحكمة؟ أو هل يجوز لرئيس حزب أن يفرض الطرد والفصل وحلّ وحدات ادارية وذلك “عقابا” لهم؟ أو لعميد أن يفعل هذا؟ طبعا لا.

لماذا اذا؟ وما هو دور المحكمة وما تؤمّن في عمليّة تحقيق العدالة؟

العدالة هي صلب العمل القضائي ومرتكزاته الأولى وهدفه الأسمى. أو ما يسمّى في بعض اللغات: “العدالة الطبيعيّة”. أي للإنسان، فردا أو مجموعة أو مجتمعا، حقّ طبيعيّ بالعدالة. ومؤسسة المحكمة ومراسيمها وقوانينها الداخليّة هي ما يجب ان تؤمّن هذه العدالة. في أساسها إستقلالية القضاء عن المجالس والسلطات الأخرى. ثانيا هناك قوانين داخليّة (أصول المحاكمات) تضمن الوقت الكافي للفريقين لحقوق عدّة منها التالي:

  • توجيه تهمة واضحة للمدّعى عليه.
  • إعطاء المدّعى عليه جميع المستندات التي ترتكز عليها التهمة.
  • إعطاء المدّعى عليه الوقت الكافي لتوكيل دفاع ووقت كافي لتحضير ردّ على الإتهام وتوجيه المستندات ردا على الإتّهام، للجهة المدّعية.

هذا الحقّ الطبيعي الذي تضمنه القوانين هو ما لا نحصل عليه اليوم من المجالس التنفيذيّة والتشريعيّة، لسبب بسيط أنّها غير مستقلة كما أن القضاء ليس إختصاصها ولا من أصول عملها. إننا نوجه النقد الشديد لمحاكمة سعاده سنة 1949، ونسميها بالمحكمة “الصورية” لأنّها لم تلتزم العدالة الطبيعيّة حسب القوانين المرعيّة الإجراء. لذلك كانت ظلما وكانت جريمة وكانت اغتيالا وليست محاكمة. إننا نرى مسؤولين يقومون بالظلم نفسه، فهل يجوز أن نقبل في داخلنا بما ندينه في الخارج.

الخلاصة أن من يقف أمام محكمة نزيهة ومستقلة عن أي تأثير من قبل السلطتين التشريعيّة أو التنفيذيّة، كما يعطى حقّه في الوقت الكافي للدفاع عن نفسه أو عن رأيه، يقف مرفوع الرأس أمام القانون وليس مقهورا امام تعسّف شخص آخر يعتمد على أقاويل أو إشاعات دون إفساح المجال للعدالة الطبيعيّة أن تأخذ مجراها. هناك يكون مجال لطرح الحجج والبراهين للجهتين المتخاصمتين بناء على مراجع دستورية وعقائديّة أو على ما سبق وتمرّست به النهضة.

الخلاصة ان استقلاليّة المحكمة أي السلطة القضائية وأصول عملها الإجرائية هما ما يساعد على تحقيق العدالة أكثر بكثير من المجالس التي تحاول أن تقوم بعمل من غير اختصاصها. هذا هو بعض الفرق ما بين مؤسسة المحكمة وغيرها من المؤسسات.