ماذا عن اللاذقية؟
“معادلة الردع” المفترضة تقول إنه في حال هاجمت إسرائيل إيران فإن محور المقاومة من غزّة إلى لبنان وربما الجولان سوف يُصلي إسرائيل بمئات الصواريخ بما يردعها ويجبرها على وقف الاعتداء، لا بل إنه يردعها حتى عن التفكير به. تمام.
ماذا عن اللاذقية؟
واللاذقية هنا جزءٌ نستخدمه مجازا في وصف الكل. والكل هو بلادنا المستباحة من المتوسط إلى زغروس ومن طوروس إلى سيناء. إنه العدوان الإسرائيلي المتكرر على الشام، والذي بلغ مع انصرام هذه السنة 29 (راجع عدد الأخبار اليوم)، غارة جوية تبقى كلها بلا رد والاعتداءات على العراق ولبنان وفي فلسطين المحتلة وكل مكان.
هل هناك شيء يعصى على فهمنا أم أن معادلة الردع هذه معلولة؟ إذا كنّا في محور مقاومة وممانعة واحد فإن أي اعتداء على الجزء هو اعتداء على الكل سواء أكان الجزء هو بوشهر أو البوكمال، أصفهان أو اللاذقية.
لا حاجة لتكرار ما هو معروف، وما وضّحه مقال “سورية الروسية” للأمين نزار سلوم. ولكن في اعتقادنا أنه ما لم تقم دمشق، وضمنا محور المقاومة، بمحاولة لقلب الطاولة فإن خنّاق المحور المعادي سوف يشتد.
ما الذي يريده المحور المعادي؟ إنه يريد للوطن السوري من بيروت إلى بغداد أن يبقى كما هو: منطقة مستباحة عسكريًا، مفسّخة اجتماعيًا، منهوبة الموارد، مسروقة ماليًا ومدمرة اقتصاديًا. ويريد ان تبقى إسرائيل نقيض كل هذا ما يتيح لها توسعًا ديموغرافيا من قلب فلسطين إلى الجولان والجليل، ونفوذا من تل أبيب إلى كردستان، وقيادة عالم عربي مأخوذ بجده إبراهيم ناسيًا أنه، وفق هذه الخرافة، ما هو سوى ابن جارية في خدمة ابن الست.
والحلفاء؟ إيران تتفاوض من أجل مصالحها، وتستخدم ورقة الشام ولبنان في سبيل حماية هذه المصالح. ماذا يحدث لهذه الأوراق إذا تأمنت مصالح إيران مع الغرب؟ سؤال جدير بالتمعن. والروس؟ عودوا إلى مقالة سورية الروسية، فلن نصف الواقع خيرًا منها.
كيف نقلب الطاولة؟ هناك أكثر من نموذج تاريخي لكسر الجمود يمكن لنا مراجعتها دون ان يعني ذلك انها ما زالت صالحة أو أننا نتبناها. نسمي ثلاثة: طرد الخبراء السوفيات من مصر في شهر تموز سنة 1972، في وقت كانت مصر تبدو أحوج ما تكون لهم. وعملية أولمبياد ميونيخ بعد ذلك بشهرين، والتي أيقظت العالم على أن الفلسطينيين اللذين نشأوا في مخيمات اللجوء قرروا الخروج منها. والثالثة هي حرب أكتوبر 1973، حين قررت كل من مصر والشام فتح حرب مشتركة ضد إسرائيل.
بغض النظر عن النتائج التي ترتبت عن كل من هذه القرارات التاريخية، فإن سؤالاً أساسيًا يكمن وراء كل منها: ماذا يحدث إذا لم نغيّر المعادلة؟ ولا شك أن الإجابة كانت ان الوضع سيزداد سوءًا، أو أن ثمة فرصة تاريخية لن تتكرر. كل من هذه الأحداث كانت نتيجة قرار دراماتيكي بكسر جمود قاتل يأكل من رصيد كل من المعنيين الثلاث.
نطرح السؤال من وجهة نظرنا نحن. ماذا يحدث إذا لم نغير المعادلة؟ الجواب بسيط. إننا نخسر كل يوم شهداء ومواردَ وأرضًا و…كرامة. ونخسر قوة استراتيجية في لبنان هي المقاومة التي يضيق الخنّاق عليها هي الأخرى سياسيًا، ويهيأ لضربها عسكريا.
ماذا عن القوى الدولية؟ كل يبحث عن مصالحه عندنا، وفي شكل عام كلهم يلعب على إيقاع إسرائيلي ما فتئ يبث في إعلامه والإعلام الأميركي أن الجمهورية العربية السورية ما هي سوى دولة تحكمها عصابات تصنّع وتهرب الكبتاغون عبر ميناء اللاذقية (النيويورك تايمز)، أو هي دولة تسعى لإعادة بناء منشآتها للسلاح الكيميائي (يديعوت وواشنطن بوست).
هذا هو المشهد بكامل عريه وقتامته الذي نودع به السنة الحالية. إنه يُختصر بسؤال نعيد طرحه.
ماذا عن اللاذقية؟
كل عام أنتم بخير؛ كل عام سوريا بخير.
نهاية كانون الأول 2021.