1

لماذا ننتقد كلمة السيد نصرالله الأخيرة

لأول مرّة لم أشعر بالإعتزاز والإعجاب بكلمة قائد المقاومة. إنتظرناه كالعادة مشتاقين لسماع تفسيره وشرحه ورأيه ليطفئ قلقنا وحيرتنا وغضبنا بخصوص إطلاق العميل عامر الفاخوري، فإذ به يزيدنا قلقا وحيرة وغضبا.

أولاً: إنه يقول: “سمعت من وسائل الإعلام بإخلاء سبيل الفاخوري”، لم نعلم بإنعقاد جلسة المحكمة التي أطلقت سبيله”، “لسنا طرفاً في صفقة أو نغض الطرف عنها أو نسكت عنها، لا وجود لصفقة”.

لا شك أن المعرفة بالجلسة أسهل بكثير من معرفة وجود صفقة سرية. فكيف لقائد المقاومة وسيدها أن يجزم أن لا صفقة سرّية، قد أبرِمت من وراء ظهره وظهر المقاومة في وقت يقول فيه إنه لم يعرف بإنعقاد جلسة للمحكمة في وقت معين ومكان معين حضرها اشخاص معينون رئيسهم محسوب عليه.

 أن يقول السيّد أنه وحزب الله والمقاومة ليسوا طرفاً في صفقة ولم يغضوا الطرف عن صفقة ولم يسكتوا على صفقة، فهذا واضح وبدهي ولا احد من أصدقاء المقاومة يشك ولو للحظة أن السيد وحزب الله والمقاومة يمكن أن يكونوا طرفاً في صفقة مجحفة وجائرة لإطلاق عميل. علماً أن عقد الصفقات ليس عيباً، وهو قد تم سابقاً وقد يتم لاحقاً في إطار تبادل أسرى أو ما شابه. لكن أن يجزم السيد أنه “لا وجود لصفقة” يمكن أن يكون غيره قد انخرط فيها، فهذا بالضبط الموضوع الذي نستغربه. إن الذين يدفعون لعقد جلسة إطلاق العميل دون إعلام السيد بها، ثم يساعدون في تهريبه بالطريقة المعيبة التي تمت، يمكن لهم أن يعقدوا مئة صفقة دون إعلام السيد بها.

ثانياً: يضيف السيد نصرالله: “إحتراماً لمشاعر جمهور المقاومة لا بد من توضيح الأمور. نحترم كل ما تم تقديمه من أفكار واقتراحات” (7 أيار جديد، انسحاب من الحكومة، كمين لمنع وصول العميل) نحن لا نشتغل بمزاج وانفعالات… نعلن قبول النصح والإنتقاد بالعلن من الاصدقاء ولكننا نرفض التساهل مع التشكيك والشتيمة من الأصدقاء.”

لقد سرّنا اتساع صدر سيد المقاومة لإنتقاد المنتقدين من الاصدقاء، واحترامهم، وأفرحنا أنه لا يشتغل بمزاج وانفعالات وهذا ما نعرفه ونطمئن به. ولكننا لم نسمع من ولم نقرأ لأي من أصدقاء المقاومة، من رؤساء أحزاب أو سياسيين أو صحافيين أو معلقين، أو محامين، أو رجال دين، أي تشكيك بالمقاومة وأية شتيمة لها. كل ما سمعناه وقرأناه كان عبارات غضب مشروعة ومنتظرة بسبب إطلاق عميل تهريباً، وفي الحد الأقصى توجيه نوع من الانتقاد والعتب واللوم للمقاومة، وإحباط من عدم تدخلها لمنع هذا الاطلاق وهذا التهريب.

لذلك فإن أصدقاء المقاومة إذ يشكرون سماحة السيد لقبوله الانتقاد واحترام أصحابه واحترام شعور جمهور المقاومة، وتوضيحه أنه “لا علاقة للمقاومة في هذا الإطلاق”، فإنهم يستغربون ولا يفهمون لماذا يعتقد السيد أنهم في انتقادهم وغضبهم وعتبهم ولومهم كانوا يوجهون تشكيكاً بالمقاومة وشتيمة لها.

ثالثاً: ويقول السيد: “من يتعدّى هذين الحدّين أخرجوه من دائرة أهل البيت… نحن في حزب الله لا نقبل من حليف أو صديق أن يتّهم أو يشكك أو يشتم، وإلّا فليخرج من صداقتنا.”

كأننا سمعنا وقرأنا أن سيد المقاومة يحترم مشاعر جمهور المقاومة وأنه يقبل النصح والإنتقاد وأنه وحزب الله لا يشتغل بالمزاج والانفعالات، فإذا بالسيد يصدمنا وينفعل ويقول عمن نصح وانتقد: “أخرجوه من دائرة أهل البيت… فليخرج من صداقتنا”. لم يعودنا سيد المقاومة على هذا الموقف السلبي العنيف من اصدقاء المقاومة الصادقين في مقابل ما نراه من موقفه الايجابي المتساهل كثيراً مع “أصدقاء المقاومة” الكلاميين والطائفيين. وهذا هو بالظبط مكمن إحباطنا.

ولأننا حريصون على المقاومة، لأنها مقاومتنا، لأنها لنا، وهي أملنا الوحيد وطريقنا الوحيد في مواجهة العدو، فإننا نصرّ على إعلان إحباطنا من كلام ونصرّ على إنتقاداتنا ونبدي هتين الملاحظتين:

ملاحظة أولى

إن المقاومة لم تبدأ مع حزب الله بل قبله، وإن تقديرنا لحزب الله يأتى من كونه سار في طريق المقاومة التي شقها من سبقه. لذلك، إن من ينتقد حزب الله أو حتى ينتقد بعض مواقف السيد حسن نصرالله لا يكون منتقداً المقاومة ومشككاً بها أبداً. هناك فرق بين المقاومة من جهة وحزب الله وأمينه العام من جهة اخرى وهذا الفرق يجب أن يبقى واضحاً.

إن من بدأوا المقاومة واسسوها ليسوا بمستعدين أن يتخلوا عنها وعن ملكيتها، أقلّه ملكيتها المعنوية، ويصبحوا مجرّد اصدقاء لها فساعة تقبلهم وساعة ترفضهم وتخرجهم منها.

إن الإنتقاد الموجه لحزب الله وأمينه العام لم يبدأ بمسالة إطلاق العميل الفاخوري، ولم يقتصر عليه، بل بدأ مع سكوت حزب الله وأمينه العام على محاكمة البطل القومي حبيب الشرتوني والحكم عليه بالإعدام مع الحبيب البطل الثاني نبيل العلم لتخطيطهما وتنفيذهما عملية القضاء على رأس العمالة والعملاء. وتلك العملية هي التي أتاحت لحزب الله ومقاومته أن تنشأ وتتطور وتنتصر. ولولا هذين البطلين القوميين لكان المشهد برمته مختلفاً اختلافاً جذرياً. إن حزب الله ومقاومته مدينون لهذين البطلين القوميين ومقاومتهما، فكيف يسكتون عن إدانتهما؟!

نحن مع السيد حسن في أن التساهل بواحدة يقود لاحقاً الى التساهل بالثانية حين يقول: “نحن لا نقبل بما حصل لأنه أمر خطير ولأنه لاحقاً سيسمح للاميركي بممارسة الضغوط وتحقيق ما يريده.” لقد سمع السيد هذا الكلام منا ومن سوريين قوميين اجتماعيين كثر حين سكت عن إدانة الحبيبين. لقد حذّرنا، وحذّر سوانا من أن القبول بإدانة الأبطال سيفسح المجال لأمور أخرى، وها هي الأمور الأخرى تقع وتضع السيد نصرالله في موقع لا يحسد عليه ولا نريده له.  إن إدانة الشرتوني والعلم كانت خطوة متقدمة للعدو بنى عليها – وعلى سكوت المقاومة يومها – جرأته لإطلاق سراح العميل فاخوري. وما سيأتي سيكون أعظم إن لم يتدارك حزب الله والسيد نصرالله تحديدا ما حصل ويضع حدا له.

ملاحظة ثانية

إن عدم تقبّل النقد ثم اعتباره تشكيكاً وشتيمة، و”اخرجوه من أهل البيت، وليخرج من صداقتنا” لهو أمر كبير جداً وخطير جداً يذكرنا بالدكتاتوريات الفظة التي اضطهدت المعارضات الداخلية وأرهبتها وخنقتها ونكلت بها بحجة أن تلك المعارضات تشكك بالدولة ورئيسها وتتآمر عليها و”تتقاطع” مع أعدائها الخارجيين.

نحن لا نرغب مطلقاً في رؤية حزب الله وأمينه العام مقلدين لمثل هذه الديكتاتوريات أو متشبهين بها.

سدني في 22-3-2020