لماذا ارتفعت معدلات الجريمة في سوريا؟
الشعّال: إذا لم يتحسن الوضع الاقتصادي فقد تخرج الجريمة عن السيطرة
الشحاذة: الحل يبدأ بالتوعية وينتهي بتطبيق القانون
بادية الونوس
استخدام القنابل اليدوية في القتل، كان آخر البدع في سجل الجرائم التي تشهد معدلات مرتفعة في سوريا، وذلك إلى جانب استخدام وسائل حاول فيها المجرم أن يكون أكثر ذكاء بهدف الهروب من المساءلة الجنائية وإظهار الجريمة وكأنها وفاة طبيعية. بالعودة إلى الأرقام سنجد أن سوريا صُنفت في العام 2019، كأكثر دولة خطرة بين الدول العربية، حيث جاءت في المرتبة الـ 16 عالمياً وذلك على أحدث قائمة سنوية صنفت 118 دولة من حيث معدل الجريمة في العالم، وفقاً لإحصائية “مؤشر الجرائم في العالم لعام 2019″، نشرها موقع “نمبيو” الذي يضم أكبر قاعدة بيانات حول المدن ونسب الغلاء والجريمة فيها. وكان عام 2018 قد سجل وقوع 372 جريمة قتل، وفقاً لإحصاءات “هيئة الطب الشرعي”. أما عام 2020 فقد سجل 332 جريمة وفقاً لتصريحات زاهر حجو المدير العام لهيئة الطب الشرعي. وجاءت حالات القتل باستخدام الأسلحة النارية في المرتبة الأولى حيث بلغت 225 حالة، يليها الطعن بأداة حادة 49 حالة، وخنقاً 26 جريمة، و18 بالضرب بأداة راضّة، و6 حالات ذبحاً، وحالتان حرقاً، وأخيراً حالة واحدة باستخدام مادة سامة. وكان الذكور أكثر عُرضة لجرائم القتل من الإناث بحسب الإحصائيات التي كشف عنها “حجو” حيث أن “عدد الضحايا من الذكور 260 ومن الإناث 72 ضحية”. خلال هذا العام، يبدو أن معدل الجرائم في ارتفاع مستمر. ففي وقت سابق قال رئيس الهيئة العامة للطب الشرعي: “إن شهر حزيران 2021 يعد الأكثر “دموية” من حيث عدد الجرائم المسجلة والتي بلغت أكثر من جريمة في اليوم الواحد، مشيراً إلى أنه سجلت أكثر من 50 حالة وفاة سببها الجرائم في سوريا خلال 35 يوماً، وذلك بدءاً من أول شهر حزيران إلى الخامس من تموز الفائت”.
لم تشفع صرخات وتوسلات “هالة” لأخيها بمنعه من قتلها. وببرودة أعصاب، ضربها ثلاث ضربات على رأسها لكنها ما تزال تتنفس، ليلتقط مسدسه الحربي وبرصاصة واحدة اخترقت جسدها أرداها جثة هامدة ليستحوذ على إرث العائلة بمفرده. لم يقف الأمر هنا بل أوهم أقربائه أنها ماتت بفيروس (كورونا)، وتم دفنها بسرية تامة، لتبدأ التحقيقات ونبش الجثة من جديد. في جرائم أخرى استخدمت القنابل بكل بساطة. أب يقتل عائلته بالكامل، أخ يقتل أخاه، أخت تخنق أختها، هكذا اختلفت الأساليب، وتحجرت المشاعر، وهيمنت شهوة المال والأنانية على كل شيء.
فماهي الأسباب؟ وما الإجراءات المفترض اتخاذها والتي قد تحدّ من انتشار الجريمة؟ والأهم هل العقوبات التي وضعها القانون كافية لردع المجرم عن تكرارها؟ هذا ما نناقشه في ملفنا هذا.
قوانين رادعة
أمام هذا المشهد من تداعيات حرب ضروس طالت كل شيء، حتى بات القتل أمرًا سهلاً، هل أصبح القانون عجوزًا لا يلبي متطلبات العصر من جهة العقوبات التي تردع المجرم وتحد من وقوع الجريمة؟
يقول المحامي عارف الشعّال لموقع “الفينيق”: بالرغم من مرور حوالي سبعين سنةً على صدور قانون العقوبات، إلا أننا لا يمكن أن نصفه بالعجوز الذي لم يعد يلبي متطلبات العصر، خاصة من جهة العقوبات الرادعة للجرائم الرئيسية التي يتصدى لها كالقتل والسرقة والاغتصاب وغيرها. أما الجرائم الجديدة التي فرضها تطور العصر فهناك قوانين جزائية خاصة تعالجها كقانون المخدرات الصادر عام 1992 وقانون العقوبات الاقتصادية الصادر عام 2013 وقانون مكافحة الإرهاب الصادر عام 2012.
عقوبة الخطف تصل للاعدام
“يسعى المشرّع للتشديد من عقوبة بعض الجرائم عندما يستشعر مخاطر تفشيها وهذه مرونة تحتسب له كما فعل بالنسبة لجريمة الخطف الخطيرة، التي تفشت بشكل مكثف خلال سنوات الحرب ولاتزال حتى الآن. فقد أصدر المشرع القانون رقم 21 لعام 2012 الذي عدّل قانون العقوبات وشدّد كثيرًا عقوبة هذه الجريمة، ثم أصدر المرسوم التشريعي رقم 20 لعام 2013، الذي شدّد بعقوبة الخطف إذا كانت لأسباب سياسية أو مادية لتصل للإعدام.” وأضاف: “تم إصدار القانون رقم 26 لعام 2011 الذي تشدّد في عقوبة جريمة تهريب السلاح، وغير ذلك من التشريعات التي تؤكد بأن المشرع الجزائي في بلدنا كان نشيطًا”.
ذهنية سلبية!
لا تتوقف مكافحة الجريمة على العقوبة الرادعة فحسب، لأننا نفتقد لوجود قضاء جزائي فعّال. يقول الشعّال: “بغض النظر عن السلبيات المعروفة التي يشكو منها القضاء سواء لفقدانه للاستقلال أو لتفشي الفساد والمحسوبية فيه، فإن المشكلة في وجود ذهنية قضائية تشوبها بعض السلبيات حيث تقيم وزناً مبالغ فيه لما نسميه في القانون “صفح الفريق المتضرر” أو ما يعرف بإسقاط الحق الشخصي. فالملاحظ أنه ما إن يتصالح الجاني مع الضحية أو ذويه ويحصل إسقاط الحق الشخصي حتى تفتر همّة القاضي سواء في مرحلة التحقيق أو في مرحلة المحاكمة، بمتابعة الإجراءات بالسرعة والجدية المطلوبة في متابعة دعوى الحق العام، بالرغم من أن القانون قلما يقيم وزناً لإسقاط الحق الشخصي باستثناء بعض الجرائم.”
يضيف الشعّال: “إن دعوى الحق العام أو حق المجتمع قانون، ويفترض ألا تتأثر بهذا الإسقاط، ولكن ما يجري فعلياً عكس ذلك في الواقع. هذه الذهنية التي يكرسها بعض القضاة بالطلب من الجاني أو ذويه أن يسعى لإرضاء المدعي الشخصي الذي إن حصل، يقوم القاضي بإغداق كافة الأسباب المخففة التقديرية على المتهم حتى ينال أخف عقوبة يسمح بها القانون، مما يتنافى مع السياسة العقابية التي أقرها القانون!”
18 قانون عفو عام
بالرغم من ايجابيات إصدار قانون العفو، إلا أنه يعد أحيانا من الأسباب التي قد تدفع البعض لارتكاب جرم ما، وهذا قد يجعل البعض يرتكب جرمه على أمل شموله بالعفو العام، في هذا الصدد يؤكد المحامي الشعّال أنه بالرغم من ايجابية قوانين العفو التي تنتظرها الناس، “لكن يوجد إفراط ملحوظ بإصدار قوانين عفو عام، حيث صدر خلال عشر سنوات منذ العام 2011 حتى الآن 18 قانون عفو عام، ما بين عفو شامل وعفو جزئي”، ومن وجهة نظره فإن هذه الكثافة في إصدار قوانين العفو لها تأثير سلبي يتمثل بتكريس فكرة في أذهان الناس بأنهم مهما ارتكبوا من جرائم فسيصدر يوماً ما بالتأكيد قانون عفو يشملهم ويخرجهم من السجن.”
ينظر فقهاء القانون بتحفظ كبير لمثل هذه القوانين كحال الدكتور عبد الوهاب حومد الذي يقول: “مهما قيل في تبرير العفو، فإن له محذوران كبيران: الأول: إن المجتمع يمتعض كثيراً من قوانين العفو العام، لأن بين المعفيّ عنهم كثيرون لم يحاكموا أبدًا، أو لم يقضوا في السجن إلا مدة قصيرة جداً، وهذه المدة ليست كافية حتى ينساهم الرأي العام، وهذا ما يسيء إلى قيمة العقوبة كدواء اجتماعي وتأديبي.
الثاني: إن العفو العام يمنح لأشخاص لم يدرس أحد حالتهم، على خلاف العفو الخاص، المفروض فيه أن يأتي ليخفف من شدة القضاء، أو لينقذ شخصًا ما كان ليقدم على الإجرام لولا ظروف أليمة لم يستطع مقاومتها.”
الحرب وتداعياتها
لأهل الشأن الاجتماعي رؤيتهم. الباحث الاجتماعي في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الدكتور حسام الشحاذة يقول: “تقف عدة أسباب لازدياد عدد الجرائم أولها الحرب الظالمة وتداعياتها على السوريين، وما خلفته من مفاهيم نفسية انفعالية أدت إلى استساغة العنف لفظيًا أو حتى ممارسته بالتزامن مع حالة الفلتان الأمني وعدم الاستقرار لاسيما في بعض المناطق التي خرجت عن سيطرة الدولة، ليأتي الفقر والارتفاع الجنوني لمتطلبات الحياة اليومية الأمر الذي دفع بالبعض إلى التفكير بالسرقة والقتل ليؤمن لأسرته كفاف يومها.”
لا يغفل الشحاذة عامل غياب التنشئة الاجتماعية السليمة ورفاق السوء والأهم آثار انتشار الألعاب الإلكترونية التي تحمل بدورها رسائل مبطنة وغير مباشرة تتسلل إلى العقل اللاواعي للفرد لتحريضه على ممارسة العنف وتهيئته لاستساغة منظر الدم والقتل.
تطبيق القانون
يبين الشحاذة أن المسؤولية تبدأ من الأسرة أولاً عبر زرع القيم الأخلاقية وتعزيزها في نفوس الأطفال بالتزامن مع دور المؤسسات الاعلامية ليأتي دور الجهات الحكومية المعنية بتطبيق القانون الذي يعد أساسًا مكملًا في تطبيق الأحكام الرادعة تجاه كل فعل اجرامي يمس الحق العام للمجتمع والفرد. يضيف: “هناك أهمية لأن يكون السجن مركز اصلاح للمجرم لإعادة تأهيله معرفيا واجتماعيًا وأخلاقيًا.”
ويختم الشحاذة بالقول: “إن أعداد الجريمة لا تزال نسبتها تحت السيطرة مقارنة مع الدول التي مرت في ظروف حرب مماثلة ونزاعات مسلحة إلا أنها في الأشهر الأخيرة مع تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي ازدادت بشكل ملحوظ ومقلق قد يخرج عن السيطرة في حال لم يتم العمل على تحسين الوضع المادي بالتوازي مع مكافحة الفساد المستشري في المجتمع.”