1

لعنة المحتل العثماني تلاحق السوريين في أملاكهم الشخصية!

بادية الونوس

لم تعرف البشرية انحطاطًا أكثر من المحتل العثماني الغاشم، الذي دخل سوريا تحت اسم الإسلام، فقتل وسبى وذبح واحتل الأرض أربعة قرون لم تعرف البلاد خلالها صناعةً ولا تجارة. شعاره الوحيد (الخازوق) لمواجهة أية حركة أو نقد. الموجع أنه وبعد ما يزيد على مائة عام من دحره، نُفاجأ ببصماته السوداء هنا وهناك، ومثال ذلك وجود أراضي أو حتى بيوت وعقارات تسمى (بالأميرية)، جزء منها لا يزال يحمل إشارة ورثة السلطان عبد الحميد أو أحد السلاطين حتى اليوم! رغم أن أهل الشأن يجمعون بأن هذه الإشارة ميتة لا قيمة لها، ولا تؤثر على الملكية أو حركة البيع والشراء. إلا أنها تبقى إشارة (مقزّزة) تذكّرنا بتاريخ وحشي لمحتل ارتكب جرائم يندى لها جبين الانسانية. يرافق مصطلح “الأراضي الأميرية”، مصطلح “الجفتليك” الذي يعني أن هذه الأراضي أو تلك، ملك “للحكومة التركية” المحتلة، وأن الفلاحين يستأجرونها لفترة طويلة من الزمن!

دكتورة العلوم السياسية، أشواق عباس، وهي نائب سابق في مجلس الشعب، أكدت “أن ما تم الاستيلاء عليه بحكم بالقوة والقتل والنهب، يجب أن تزول آثاره التي وضعت بطرق غير شرعية. وذلك من خلال فريق قانوني مهمته الانتهاء من كل ما يمت لتلك الحقبة بصلة”. في هذا التحقيق، نحاول تسليط الضوء على ملف الأراضي الأميرية، من كل جوانبه.

النسبة الأكبر في (الجفتليك)

النسبة الأكبر من الأراضي التي تسمى بالأميرية، تقع في محافظتي حمص وحماه. تلك المنطقة التي تسمى بـ(الجفتليك) -ومعناها بالتركي الأراضي المملوكة من قبل “الحكومة” ولكن المستأجرة على أساس طويل الأجل لأهل القرية – تشكل نسبة الأراضي الأميرية فيها نحو 60% منها نحو 20% يحمل إشارة السلطان عبد الحميد. يقول القاضي العقاري محمد شحود، وهو مدير سابق للمصالح العقارية في حمص:

“إن تلك الإشارة لا معنى لها، ونتعامل معها على أنها إشارة ميتة لا تشكل أدنى أهمية ولا قيمة لها سوى أنها مثيرة للقرف، لأنها تذكرنا بحقبة الغزو العثماني الذي استولى على الأراضي بالقوة وبشتى أساليب القتل والتدمير. لكن ورغم أن قيمتها تساوي الصفر، إلا أنه لابد من ازالتها من خلال القوانين لإعادة فرز الأراضي.”

باستثناء 15 قرية

في منطقة المخرم التابعة لمحافظة حمص لوحدها تشكل الأراضي الأميرية نحو 90%. يقول حسن الصبح رئيس دائرة المصالح العقارية في منطقة المخرم: “إن عدد القرى التي تتبع لمنطقة المخرم يصل إلى 96 قرية، غالبيتها تحمل إشارة دعوى السلطان عبد الحميد، باستثناء 15 قرية فقط لا تحمل تلك الإشارة التي لا نتعامل بها أساسًا ولا تؤثر على حق الملكية. باستثناء حالات قليلة لمن يرغب بسحب قرض زراعي من المصرف العقاري يشترط عليه ترقين هذه الإشارة.”

 قرية بأكملها

    قرية تل عداي _ جب الجراح، تتبع لمحافظة حمص، لها صحيفة عقارية وتعد مفرزة ضمن العقارات لكن مكتوب على كل صفحة منها ورثة السلطان عبد الحميد، وهي ما تسمى بإشارة (رهن). هذا ما يؤكده لموقع (الفينيق) كل من سائر خليل ودريد عمران وهما من أهالي القرية: إن القرية بأكملها تحمل إشارة دعوى مكتوب عليها ورثة السلطان عبد الحميد. وهي لا تؤثر على معاملاتنا من ناحية الملكية أو البيع والشراء باستثناء بعض الحالات منها في حال أريد سحب قرض عقاري على أرضي وهذه المعاملة تشترط إزالة الإشارة (المقززة) لعدو أخذ أراضينا بالغزو والقتل والتنكيل. نتمنى على الجهات المعنية تصفية هذا الملف، لأن هناك قرى بأكملها تحمل تلك الإشارة.”

تبرع أم (هبة)

لم يتوقف الأمر على وضع إشارة رهن على أراضٍ أميرية وإن كانت عديمة  القيمة، وإنما يمتد ليشمل العقارات الموجودة على أراضي أميرية أو حتى ما تسمى بالوقف. يقول أبو علاء من منطقة ريف دمشق يعمل في تعقيب المعاملات: “مازال العمل في انجاز الترخيص للمعاملات جاريًا وفق العقارات الموجودة ضمن أملاك أراضٍ أميرية والبعض منها يقع ضمن أملاك وزارة الأوقاف. ولاتزال تحمل إشارة السلطان، حيث ما زال معمولاً بموجب هذه الإشارة. مثلا من يريد ترقين الإشارة عن عقاره يتوجب عليه دفع مبلغ تحت اسم (هبة) أواسم تبرع لوزارة الأوقاف مقابل الغاء الإشارة. إلا أن معاملات الترخيص في ظل هذه الظروف، تبقى على وضعها الحالي دون ترقين الإشارة.”

هذا ما يؤكده كتاب موجه من مديرية المصالح العقارية بتاريخ 16/10/2019 إلى وزارة الأوقاف يقول: “بغية عدم إيقاف الخدمة العقارية للمواطنين بالنسبة للعقارات التي ورد عليها إشارة وقف لأحد السلاطين العثمانيين، نرى أن تتضمن عقود الانتقال إلى الورثة وعقود التصرف (بيع، هبة، رهن، تأمين) تصريحًا من طالب التسجيل العيني يتعهد ما قد يترتب لقاء استبدال الحق الوقفي أو ترقين الإشارة وذلك ريثما تصدر التعليمات المتعلقة بهذا الشأن.”

عقارات أيضًا

الأمر المفاجيء أن هناك بعض العقارات تعود لأفراد أتراك، وحسب تصريح لمدير التشريع في مديرية المصالح العقارية عصام خولي، أكد أن عدد العقارات العائدة لأفراد أتراك، تصل نحو 1037 عقارًا ما زالت موجودة ومحفوظة في صحائف العقارات، يوضع عليها إشارة تجميد، حيث لا يجوز إجراء أي معاملات إلا بعد اقترانها بموافقة لجنة شؤون الأتراك في وزارة الداخلية. كما أن هناك عقارات بملكية سورية أيضًا في تركيا والتجميد يسري على الطرفين مقابل تجميدنا للملكية يجب عليهم أن يلتزموا بموجب اتفاقية بين الطرفين.”

مشروع قانون عقاري موحد

يوضح مدير التشريع في المصالح العقارية عصام خولي، أن العمل يتم حاليًا مع وزارة العدل على التشريع العقاري الموحد الذي يضم حوالي تسعة قوانين تتعلق بالشأن العقاري ومن ضمنها الأميري. وفي حال كُتب لهذه القوانين أن ترى النور، فهي تتطرق إلى صنف العقارات الأميرية وسيتم إلغاؤها أسوة ببعض الدول العربية. وتاليًا يتم تخفيف إجراءات تحويل الأراضي الأميرية، وتكون المرجعية واحدة. كما أن التوارث بالإرث تحكمه المرجعية الطائفية للشخص وليس الصنف العقاري.”

تاريخ أسود

دخل العثمانيون دمشق عام 1516بالبطش، واتبعوا سياسة “الخوازيق” في التعذيب، بقصد نشر الرعب والخوف لكل من تراوده نفسه انتقاد السلطة. يقول المؤرخ الدمشقي شمس الدين بن طولون المتوفى عام 1546 وهو المعاصر للمآسي التي عاشها أهل الشام في كتابه “مفاكهة الخلان في حوادث الزمان”: “لم تقف معاناة دمشق على التهديد بالقتل، فقد طردوا من بيوتهم ونهبت مكتباتهم، وفرض العثمانيون ضرائب على السكان، ومكثوا أربعة قرون قائمة على النهب والضرائب والأتاوات، ولم يبرعوا في تجارة أو صناعة حتى تم طردهم عام 1918.”

يؤكد الدكتور عبد المنعم الأحمد أستاذ العثمانيات في قسم التاريخ بجامعة دمشق قائلاً: “لم يعرف التاريخ مثيلاً لوحشية العثمانيين، فهي دولة استبدادية قائمة على البطش والقتل والنهب حيث يتم قتل الناس دون محاكمة، وتم سلب الأراضي من أصحابها بالقوة ورميهم في الشارع. لم يتركوا للفلاح إلا الرمق الأخير بما يبقيه حيًا. لقد قسموا البلاد إلى نيمارات توزع على الزعامات وللقادة وللجنود ليتم الاستيلاء على الأراضي بالقتل والنهب. إن العثمانيين ألغوا ما يسمى بملكية الأراضي الزراعية، وتم ضمها بأساليب وحشية إلى ملكية السلاطين رغم احتجاج الناس وتقديم صكوك الملكية.”

يجب أن تزول كل آثاره

إن هذه الإشارة وكل رمز من رموز الاحتلال يجب أن يزول. تقول الدكتورة أشواق عباس النائب السابق في مجلس الشعب: “إن هذه الإشارة لا تؤثر على الملكية. لاسيما أنها وجدت بالقوة خلال حقبة تاريخية حكمها احتلال من دولة أخرى. ومع زوال الاحتلال يجب أن تزول آثاره أو أية رمزية له. كان هناك حراك في هذا الشأن واليوم يعود إلى الواجهة. إنها أراضينا.”

تضيف عباس: “إذا استولت “قسد” أو ما يسمى بالقوات “الديمقراطية الكردية”، على أراض سورية تعود ملكيتها للعشائر السورية، فهل هذا يعني أنها أصبحت من أملاكها وتحمل أسماءها؟ ما تم الاستيلاء عليه بحكم بالاحتلال والقوة والقتل والنهب، يجب أن تزول آثاره التي وضعت بطرق غير شرعية. وهذا يكون من خلال فريق قانوني للانتهاء من كل ما يمت لتلك الحقبة بصلة.”

إشارات غير منتجة

الدكتور عمار يوسف، باحث عقاري وأحد أعضاء اللجنة التي تشكلت عام 2012 لوضع تشريع موحد تصل فيه القوانين إلى360 قانون عقاري منها منذ أيام العثمانيين بين 1870-1880، بيّن أن الهدف من القوانين الموحدة تحديد النوع الشرعي في سورية بحيث يتحول إلى نوع واحد وملك. يقول: “يوجد كم هائل من القوانين التي تحكم العقارات، ويعد هذا أحد معوقات الاستثمار في سورية. مثلاً يوجد عقارات عليها إشارات منذ عام 1800-1700 ميلادية منها إشارات “وقف” تعود للسلطان سليم وسنان باشا. إنها إشارات غير منتجة، ولا تمنع عملية البيع والشراء، لكنها إشارات موضوعة على العقار، وعندما يجد المستثمرون هذه الإشارة يمتنعون في بعض الأحيان عن الاستثمار بها.”