1

كِدْشُ السياسة.. وحيواناتُ الشعر!

 

استوعبنا أن يقول أحد الشعراء إن الحبّ “كلبٌ من الجحيم”!، وأن يعاني آخر من “حيوان الشوق” نتيجة الفراق! وأن يفتك الغرامُ بثالثٍ إلى درجة هَيَام بعيره الشخصيّ، بناقة حبيبته المدلّلة… فاستخدام الحيوانات في الشعر أمر مشروع ويجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره كما قال أجدادنا النقاد.. لكنْ أن نكتشف “كِدْشاً” في السياسة، فتلك تعتبر سابقة لم تخطر على بال ابن المقفع الذي “قفّعَتْ” معه في مرحلةٍ ما فكتب “كليلة ودمنة”، ولا عند الجاحظ عندما “جحظت” عيناه فوضع كتابه الشهير “الحيوان”، ولا حتى عند جدّنا المتنبي حين وصف قوماً عادوه بأنهم خفيفونَ إلى درجةٍ جرّهم فيها النملُ و”مَرْمَطهم” في الساحات!.

عثرنا على “كديش” السياسة، أيها السادة، مصادفةً وهو “يعنفصُ” في خطابات المسؤولين العرب وأدبياتهم ومؤتمراتهم الصحفية، وكان من الطبيعي أن تتأثر هذه الفئة بما سبقهم إليه الأدباء في محاكاة الحيوان، لكن التفرّد عند السياسيين الفطاحلة كان في اعتمادهم على الكديش أكثر من “الدواب” الأخرى المتوفرة عملياً بكثافة على بسطات الساسة والتابعين، وهذا الحكم ليس تجنّياً على السَّاسة “معاذ الله”، بل هو ما استنتجناه من عباراتهم “المشروخة” والمكررة دائماً، بدءاً من “وضع الحصان خلف العربة” التي يسوقونها للنيل من الخطط الامبريالية، مروراً بجملة “الحمار والجزرة”، وصولاً إلى مناداتهم بعدم الرهان على “بغلةٍ” ليست أصيلة!.

وحتى لا يُفسّر كلامنا على أنه انتقاص من مكانة الكدش “بعيد من هون”،  سنقرّ ونعترف بذكاء هذه الكائنات المهجنة غالباً من الزيجات غير الشرعية بين الأحصنة والحمير، فهي قد تسللت بحنكة إلى المعجم السياسي وسيطرت عليه، على عكس ما جرى في المعجم الأدبي الذي خرج من النمطية وكان أكثر ديموقراطية في تعدّد الحيوانات والتعامل معها!.

حيوانات الأدب، كانت دائماً حنونة وعندها كرامة وعزة نفس، بينما كدش السياسة لم تتوانَ عن رفس أقرب الناس إليها عندما تسمح الظروف!. في الأدب، أحبَّ بَعيرُ العاشق اليشكري، ناقة معشوقته المتجرّدة، وتقاسم الفرزدق طعامه مع الذئب الأطلس العسّال، بينما استفرد كدش السياسة بالمعلف وعندما شبعوا بدؤوا بالتلبيط ذات اليمين والشمال!.

ذهنية “كدش السياسة” تتحكم بعقلية معظم “الأفرقاء” للأسف، سواء كانوا أحزاباً أم طوائفَ أم كيانات أم شرذمات من بقايا تنظيمات سادَتْ في مرحلة معينة، ثم بادَتْ كأنها لم تكن صاحبة مشروع يوماً..!. وإلى أن ننجو من كدش السياسة ومعجمها الأفّاق، نستأذن الراحل سعيد تقي الدين فنقتبس منه: لا تطلق بمسدسك على برغشة.. ولا تضرب بسوطك “كديشاً” ميتاً..!. عرفتوا كيف؟