1

قدسية الواجب

منذ أيامٍ كتبت مقالا بعنوان “حيث لا يجوز السكوت“، وكانت دعوة مفتوحة إلى الرفقاء والرفيقات في الوطن والاغتراب لأخذ دورهم الفاعل في التغيير نحو إعادة بناء حزب سعاده الذي انتمينا إليه بقناعتنا وإرادتنا. وعلى ما يبدو، فإن القوميين وإن كانوا في كل مناسبة قومية كانت أو وطنية أو دينية يسارعون لترديد أقوال سعاده، واستحضاره بشخصه ومآثره وإنجازاته ومواقفه، إلا أن الحقيقة التي نراها اليوم عقب الأحداث الأخيرة التي حصلت تعكس مؤشرات واضحة ولا لبس فيها على مدى صعوبة إعادة البناء لهذا الحزب.

إن الصعوبة المقصودة لا تكمن في الإطار النظري لعملية البناء بحد ذاتها، فقد قامت مجموعة “إعادة البناء” بإعلان نيتها منذ اليوم الأول لتأسيسها، وأطلقت على نفسها هذا الاسم إيمانا ًأن عملية إعادة البناء لا يمكن بحالٍ من الأحوال أن تكون عملاً أو جهدا ًفردياً، إنما هي عمل جمعي تكاملي لكل المؤمنين بالعقيدة السورية القومية الاجتماعية. وضعت المجموعة الأفكار وحددت الأهداف وانطلقت للعمل: خطاب منهاجي، ندوة ثقافية، صندوق قومي، مراجعة للدستور، وغيرها. إلا أنه وبرغم كل هذا كانت الصعوبة وما زالت في تعاطي القوميين مع الأحداث الدائرة، واعتمادهم ردود الفعل بدلاً من الفعل.

كان من الواضح جداً وعلى مدى الشهور الماضية أن إرادة غالبية القوميين مقترنة بالوضع القائم. فالقوميون اليوم منقسمون إلى ثلاثة أقسام رئيسية: قسم يسعى للسلطة ولا يهمه في سبيلها شيء حتى وإن كان على حساب العقيدة والأمة، وقسم همه العقيدة والأمة ويعمل لأجلهما بكل السبل المتاحة إيماناُ بقسمه وتطبيقاً له، وقسم تابع، لا يريد أن يفكر، ويرى أن الأمر رهناً بالمسؤولين ليديروا كل الشؤون وكيفما اتفقوا سيسير. هذا لا يمت للسوريين القوميين الاجتماعيين وعقيدتهم بشيء، بل هو عبء أكثر مما هو رافع للجهد ودافع له.

وها هي الأحداث الأخيرة تثبت أن ما نحن بصدده ليس إعادة بناء الحزب السوري القومي الاجتماعي فحسب، إنما إعادة البناء للسوري القومي الاجتماعي نفسه، بناء عقائدي وإعداد
نفسي، وتمكين روحي. فمن آمن بهذه العقيدة حقاً واتخذها نهج حياةٍ وطريق نهضة لا يمكن بحال من الأحوال أن يرتهن لحسابات شخصية في التبعية لهذا أو ذلك. فكيف يمكن أن يكون أحدهم قوميًا وهو متزلم لفرد بعينه، يتغنى باسمه وكأنه هو الحزب، بل كأنه أهم من سعاده والعقيدة والحزب نفسه!!

لا يمكن بحال أن نراهن على من يقدس الفرد على صالح الواجب والمسؤولية، فأي دافعية ننتظرها للعمل وإعادة البناء ممن ينتظر حدوث الأحداث ليرى أين ترجح الكفة فيصطف؟ أو يختار طرفاً مقابل طرف لا لشيء إلا لمصلحة شخصية أو لكرهٍ للطرف المقابل، في حين أن طريق العمل واضح لمن أراد أن يراه.

إن ما يجب أن يكون الدافع لكل قومي في خطواته، أعماله، أفكاره، وحتى كلامه هو قدسية الواجب الذي حمله على عاتقه، بحريته المطلقة، حين اقسم يمين الانتماء للمؤسسة الحزبية. فمتى انتفت تلك القدسية انتفى معها كل شيء وسقط معها كل شيء. فإما أن نكون قوميين حقاً، أو فلا .. فالحياد – حيال القضية القومية في أي وقت هو طعنة للحزب ولكل قومي. والمصلحة الشخصية إن طغت سقطت معها مصلحة سورية التي هي فوق كل مصلحة، والارتهان للأيدي الخارجية تعبث بالشأن الداخلي هو السماح بتدخل الغير في الشأن القومي والمساس به !!

يا رفيقي أنا إن سقطت فالتقطني واضرب بي عدونا، لا تكن أنت الضربة التي تسقطني وتقصيني، لا تكن مسماراً يدقه إخوان نعمة ثابت في نعش الحزب والأمة.