1

في أزمة الحزب السوري القومي الاجتماعي – ماهر يعقوب

مقدمة:

أعتقد أن وضع الحزب لا يحتاجني كي أدلّل على ضعفه، وتهلهله، ما أدى إلى حالة من تغريبه عن حقيقته ودوره، وأصبح بعيداً كل البعد عمّا رغب به سعاده وأسّسه لأجله، وإن رغبتُ بالإشارة إلى بعض هذا الواقع فنجد:

  1. تفتتَ الحزب إلى تنظيمات وجماعات وفرق وأفراد.
  2. إهمالاً كبيراً في عملية البناء الفكري والأخلاقي والمعنوي للمقبلين على الدعوة، وركوناً إلى النمو العددي دون التركيز على النوعية التي تميّزَ حزبُنا بها عبر تاريخه.
  3. تفاقماً وتكاثراً للتشريعات غبّ الطلب في كثير من المفاصل الدستورية، ما أسّس وهيّأ لتواجد المناخات المناسبة لنمو العديد من حالات الفوضى التنظيمية ذات المآرب السلطوية التسلطية.
  4. تراجعاً أو تدنيّاً في فعل وأثر الحزب على الساحتين القومية والكيانية سياسياً واجتماعياً…
  5. قصوراً في اهتمامات قيادات الحزب المتعاقبة أدى لعدم قدرته على استثمار دماء شهدائه لا مع الحكومات ولا في النواحي الشعبية، بل بالعكس كان لانشقاقته وتجاذبات تنظيماته وأعضائه عامل سلبي كبير في تشويه ما أُنجز بفضل دمائهم.
  6. ضعفاً بمفهوم التعاقد والولاء نتيجة إهمال عملية البناء العقائدي الصحيح، فأصبحت نسبة كبيرة من الأعضاء مبتلية بمرض الإنقياد للأشخاص، الذين بتنا نحسبهم قدواتنا ورموزنا فأطعناهم طاعة عمياء دون التفكير بمنجزاتهم أو بعثراتهم وخطاياهم وبما تراجعه الحزب في ظل إداراتهم.
  7. غربة الكثير من طاقاته البشرية النوعية بسبب سياسات إداراته المتعاقبة التسلطية.
  8. افتقاده الواضح لخطة عمل استراتيجية تخاطب الخطر الوجودي الداهم على أمتنا.
  9. افتقاره خلال كل هذه العقود لمؤسسات إقتصادية في الوطن والمهجر تكون رافداً مالياً لنفقاته ومتطلبات عمله، تجنّبه شروط المساعدين وتحفظ استقلاليته بنواح عدة.
  10. تراجعاً كبيراً يشهده الحزب في معظم المستويات الثقافية والإذاعية والإعلامية والأنشطة التي تشدّ عصب الشعب وتوسّع مساحة المؤيدين والمريدين.
  11. عدا عن الضعف الإداري الذي نشهده في معظم وحداته ومؤسساته، ما أدى لفاعلية هزيلة في تنفيذ معظم الشؤون والخطط إن وجدت.

هذا بعض من الوضع المترهّل والضعيف الذي يقبع فيه حزبنا اليوم، هذا الوضع لا يجوز بنا أن نجلس في بيوتنا نتفرج عليه، بل يلقي على كاهلنا المساهمة بإنقاذ هذا الحزب بوسائل نجد فيها سبيل التشافي وعودة العافية لوضعه ودوره داخلياً وخارجياً.

نعم هو حزبنا، هو دولتنا القومية، هو أمتنا المصغّرة التي نعمل ونسعى ونكافح ونضحي من أجل نصرة قضيتها، لا أية قضية أخرى! من هنا فإني أرى الإشارة إلى بعض الركائز المنطقية في مشروع العمل لتحقيق وحدته:

  1. ضرورة إقرارنا جميعاً أن الحزب في أزمة، وفي حالة لا نرغبها أو نرتاح لها، وأن علينا كلنا المساهمة في عملية إعادة حيويته (الإقرار بوجود المرض أول مسيرة التعافي).
  2. عملية العصف الفكري والدستوري التي يقوم بها كل من يجد في نفسه القدرة ولو النسبية للمشاركة في طرح تشخيصات ومخارج للواقع المأزوم هي ظاهرة إيجابية يجب تشجيعها.
  3. لا أقصد بالواقع المأزوم، الواقع الذي نشأ بعد 13 أيلول 2020 بل منذ بداية خمسينات القرن الماضي إلى اليوم، وقد يكون ما حدث بالانتخابات الأخيرة ليس إلا منعكساً للأزمة الداخلية التي عمرها عقود عدة.
  4. لا أعتقد أن أي تشخيص أو مقترح فردي مهما كان نابعاً من خبرةٍ وأصالةٍ وتحلٍّ بالأخلاق القومية الاجتماعية كاف ليشمل صحة التشخيص وصوابية المعالجة بمفرده، بل لا بد من عقل جماعي مهتم، متألم ومتّقد، يعمل على هذه المعضلة القائمة لا بل المتجذرة في المؤسسات الحزبية الراهنة في كل التنظيمات المتباينة.
  5. واقع الحال إن الأمر ليس باليسير ولا يقبل تسرّع الخطوات، وكل خطوة غير مدروسة لا بل متقنة بدارستها ستكون غير محسوبة النتائج، ولن تؤدي إلّا إلى زيادة تعقيد المشهد وحرق الوسائل دون جدوى.
  6. لا بدّ من التأكيد أن كل الطروحات المقترحة للإنقاذ تحتاج إلى سند أو أساس دستوري يبنى عليه، وإلا سيكون هناك مجال للطعن بها دستورياً في المستقبل، وهنا يبرز دور الدستوريين الأنقياء في الحزب، الذين يصوغون مسارات لمجد النهضة وحسن سيرها، لا مسارات توصلنا إلى متاهات دستورية يتربص في نهاياتها مستفيدون مستبدّون بالحزب!!
  7. قد لا أجد نفسي في هذه المرحلة مقتنعاً بسبيل تتحقق فيه الأهداف المنشودة دون التحاور وإقناع قيادات التنظيمات القائمة ومجالسها، ليس من باب الوثوق بها، بل من باب الدستورية، فنحن نسعى لعلاج شامل جذري يضع الحزب كلّه على طريق التشافي التام أو شبه التام وإلا عبثاً ما نقوم به.
  8. في الواقع بعد أن اكتوى الحزب وأعضاؤه بما اكتووا من التفافات دستورية وتشكّل تكتلات سلطوية، ابتداع معادلات الاستفادات المتبادلة (كوقف العمل بالمرسوم الدستوري رقم 4، وابتداع دائرة المانح المستفيد في منح رتبة الأمانة، وغيرها)، أصبحنا جميعنا في هذه المرحلة مبرَّراً لنا أن ندقق ونتحرى، فمن حق الجميع أن يتمعنوا بكل ما يطرح، نعم يجب أن يكون ذلك متفهماً في هذه المرحلة، فلنتحلَ بطول الأناة ورحابة الصدر.

    قد يقول بعضنا كيف لنا أن نتحاور مع قيادات استمرأت الجلوس في مفاصل تعطيل قدرات الحزب لعقود؟!! وأنا أتفهم وجهة نظر أولئك حتماً، مما يدفعني أن أوضح في هذا السياق عدة نقاط:
    1. أنا استخدمت كلمة تحاور لا تفاوض، فالتحاور من باب استنهاض ما تبقى لدى تلك القيادات من وعي ورؤية للمصلحة الحزبية القومية، بعيداً عن وسائل التفاوض التي من صلبها تبادل المكتسبات.
    2. لأننا اليوم (كأفراد سوريين قوميين إجتماعيين مهما بلغ عددنا) لسنا بموقع المحاسبة لأي من تلك القيادات ولا نملك دستورياً أيّة سلطة لذلك، فواجبنا أن نحضّهم إيجابياً لمشاركتنا السعي لمعالجة الوضع المرضي (وإن كانوا هم من أسباب هذه الحالة أو من نتائجها،) ولا أجد خوفاً من امتلاكهم وسائل الالتفاف على الغاية النبيلة التي نحملها كأعضاء في هذا الحزب، إن ملكنا العقل السليم والمعرفة والخبرة المطلوبين، فالحقيقة والحق القوميان يبقيان أقوى من كل المناورات.
    3. أما عن عودة بعضهم لمواقع المسؤولية من عدمه فهذا رهن بالقوميين الاجتماعيين (مصدر السلطات) عبر الآليات الدستورية الجديدة لانبثاق السلطات التي ستوضع في سياق تحقيق جسم حزبي مؤسساتي واحد. فإن رغب القوميون بانتخاب بعض تلك القيادات وفق آليات ديمقراطية سليمة فتكون هذه إرادتهم.
    4. بعد أن يستكمل الحزب هيئاته الدستورية وفق دستور جديد يوضع بآليات جديدة تنطلق من دستور عام 1937، تنكبّ قيادته على وضع خططه المستقبلية لعقد قادم، وتشكّل لجنة اختصاصية تقوم بإعادة دراسة مرحلة ما بعد سعاده، فتجري تقييماً عاماً لتلك المرحلة، وتحمّل المسؤولية للذين تنكبوا فيها أدواراً قيادية، بمنهج لا ثأري، بل بما تقتضيه المصلحة الحزبية والعدل القوميين، ويُصدّر جسمُه القضائي أحكاماً واضحة وشفافة تجاه كلّ من لعب دوراً سلبياً فيها أدى إلى تراجع الحزب عن مهمامه وتحقيق غايته، من خلال محاكمة حزبية عادلة وفعّالة.
  • 9. إن بدوت في تمايز مع بعض ما يطرحه العديد من الرفقاء الذين أكنّ لجميعهم كل الاحترام، فذلك أني أسعى لتجنب أن تكون أفكارنا غير قابلة للتطبيق الصحيح والكامل، وبالتالي لن يتحقق مشروع وحدة الحزب، وسنزيد التفتت تفتتاً نفسياً ومؤسساتياً.
  • 10. يجب أن ندرك أن كل محاولات إقامة تنظيمات أخرى تحت أيّ مسميات كانت عبر تاريخ الحزب، لم تشكل خلاصاً من حالة الضعف والوهن والتسلّط التي يعاني منها، بل زادت على ضعفه ضعفاً وعلى تغريب أعضائه غربة.
  • 11. طالماً هناك تنظيمات مكتملة الهيئات الدستورية ولديها أعضاء ملتحقون بوحدات تنظيمية (مديريات – منفذيات) وتنظر للتنظيمات النظيرة لها أنها منتقصة الدستورية، سيبقى الحزب منقسماً إلى تنظيمات وفرق، وكلّ منها تعتبر نفسها هي الحزب الصحيح، وبالتالي يجب علينا البحث بغير اتجاه إقامة تنظيمات إضافية، أو إعطاء شرعية نسبية على أحد التنظيمات دون غيره، إستناداً إلى الأقدمية أو العدد أو غيرها.

خاتمة:

نعم الحزب في أزمة قد لا تهدد وجوده كيافطة تحمل اسمه، لكنها تهدده بنوعيته وماهيته ودوره الحيوي في مصير الأمة السورية. لذلك أرى علينا إيجاد مخارج تتوافق مع الركائز التي ذكرتها آنفاً، مخارج تستهدف دفع القيادات في كل التنظيمات إلى القبول بالانخراط دون شروط في عملية الانقاذ التاريخية والاستنهاض الاستثنائي للحزب، عبر حوار جاد ملتزمِ البحث عن مصلحة الحزب مبتعدٍ عن تبادل الاتهامات والملامات فليس وقتها ومكانها.

لذلك أرى أهمية تشكيل فريق نوعي من أمناء ورفقاء أكفاء يحملون هذا المشروع بكل نقاء وعزيمة، ليبدؤوا التواصل مع قيادات التنظيمات والجماعات كلها دون استثناء، فيطرحون عليهم هذه الرؤية ويحاورونهم حوار تلامذه سعاده، ولتكن هذه الحوارات تتسم بالشفافية، فمن حق القوميين اطلاعهم بفحوى ونتائج هذه اللقاءات وفق ما يراه هذا الفريق في كل مرحلة حرصاً على نجاح المهمة، لكن بالمطلق من حق القوميين معرفة من هم متمسكون بالمواقع السلطوية دون التفات لمصلحة الحزب الكبرى، ومن هم إيجابيون غلّبوا المصلحة الحزبية على أهوائهم الفردية، فهذه نقطة حيوية في جعل القوميين فعلا هم قاعدة واعية مدركة لما يحدث بالحزب، فيصبحون بحق مصدر السلطات، لا أن يكونوا مجرد أرقام انتخابية يُقادون وفق دوافع الولاءات الشخصية.

في حال تجاوبت إحدى القيادات يكون ذلك جيداً، فهذا قد يدفع بالآخرين لذات الموقف، فنكون باتجاه يسهّل بلوغ غايتنا ” وجود حزب سوري قومي اجتماعي واحد، وقوميون منضوون جميعهم أو بأعمّهم في هذا الحزب“.

يجب الاتفاق مع القيادات في حال موافقتها، على اتخاذ القرارات الدستورية والنظامية الضرورية كسند دستوري تشريعي يمهّد للبدء بعملية تحقيق المشروع، قرارت وقوانين يحدّدها دستوريون اختصاصيون. فإن تم تعاون كل القيادات كما أأمل، نكون قد بدأنا بشكل عملي في تحقيق المشروع بأرقى الوسائل التي تليق بحزبنا.

أمّا في حال تعنّت القيادات أو بعضها، يُظهّر موقفها ومبرراتها للقوميين، بكل أمانة وشفافية، وتتم التهيئة للانطلاق باتجاه المرحلة الثانية التي أتمنى ألا يُحشر عقلنا في وحدانية التفكير فيها، لأنها بالحقيقة لا تليق بالحزب أن يدفعنا لنراها سبيلَ خلاصنا الوحيد، وهي ثورة القوميين الاجتماعيين جميعهم أو معظمهم على واقع حزبهم الراهن، والتسلط المتحكم فيه، ثورة سلمية راقية ليس فيها اغتصاب سلطات أو احتجاز مكاتب أو مراكز بالقوة… ثورة تدفع بالمؤمنين بهذا الحزب وعقيدته، إلى الاعتكاف عنه طوعاً ولمدة مؤقتة، رفضاً لأن يكون بقاؤهم في الانتظام الحزبي يشكل نسغ حياة استمرار تلك القيادات التائهة عن مسؤوليتها.

إن ترْك أولئك المسؤولين المتسلطين وحيدين دون صفّ حزبي يتشاوفون به سيفقدهم الجانب الآخر لاستكمال التسلط، (كما فعل الشعب في مسرحية ناطورة المفاتيح للأخوين رحباني)، فسنجدهم في البداية يقاومون ويتمسكون بالقلة التي والتهم دون إدراك، لكن بآخر المطاف سيمتثلون ويفتحون الأبواب لمخاض جديد يولد منه حزب واحد سليم قوي.

إن تخلّي القوميين بمعظمهم عن قياداتهم المتشبثة بسلطاتها، والتي أبعدت بإدارتها غير السويّة الحزب عقوداً عن دوره الحقيقي، ليدلل عن وعي الأعضاء عموماً لواقع حزبهم الضعيف في كل التنظيمات، ويعبّر عن إدراكهم أن استمرار التفافهم حولها، لن يمكّن الحزب الذي كرّسوا أنفسهم للعمل وفق مبادئه واستعدوا للتضحية حتى بدمائهم من أجله، لن يمكنه من الوصول لأهدافه وهو مجزأ، ولن تكون له حتماً قدرة البناء على تضحياتهم مهما بلغت، وهو ضعيف متنافر الإرادات والتطلعات، متعدّد الإدارات، والواقع الذي وصلنا إليه خير دليل على ذلك.

أخيراً لا بدّ من الإشارة إلى ما نسمعه ونقرأه اليوم من محاولات ووساطات ومونات وضغوط… على قيادات التنظيمين اللذين تنافرا أخيراً، بأنه شيء محزن لا مفرح ولا مبشر كما يعتقد البعض، أو كما يظهره الموّانون عليهما، فذلك يدلّل أننا في داخلنا منقسمون متنافرون متخاصمون متنابذون متعادون ونعلن التوحّد كشكل ظاهري يرضي من هم موانين علينا… إنّه (إن كان هذا حقيقياً ً) إعلانٌ صريح أننا حزبٌ مغترب عن نفسه عن أمته عن غايته عن دوره..

نعم ما طرحته شيء مؤلم، لكن حين يستعصي المرض على التداوي فليس من الحكمة استبعاد الكيّ.