1

غايتنا العظمى

قبل مدة كنتُ أراجع ترجمة إنكليزية أعدها أحد الرفقاء لمبادئ الحزب السوري القومي الاجتماعي وغايته. وقد توقفت طويلاً عند كلمة “غايته” التي تُرجمت في النص بكلمة Aims بالجمع بينما الصحيح Aim  بالمفرد. وهذا ما دفعني للعودة إلى النص العربي الأصلي كما وضعه أنطون سعاده مؤسس النهضة القومية الاجتماعية في الأمة السورية والعالم العربي.

جاء في النص: “غاية الحزب السوري القومي الاجتماعي بعث نهضة سورية قومية اجتماعية تكفل تحقيق مبادئه وتعيد إلى الأمة السورية حيويتها وقوتها، وتنظيم حركة تؤدي إلى استقلال الأمة السورية استقلالاً تاماً وتثبيت سيادتها وإقامة نظام جديد يؤمن مصالحها ويرفع مستوى حياتها والسعي لإنشاء جبهة عربية”.

إذن هناك غاية واحدة وحيدة للحزب هي، وبوضوح كليّ لا لُبس فيه: “بعث نهضة سورية قومية اجتماعية…”

انطون سعاده

. معنى ذلك أنه لا توجد غايات أخرى للحزب، وإنما هناك استهدافات ووسائل وسبل متنوعة تصب في المحصلة الأخيرة، أو يجب أن تصب حكماً في تحقيق الغاية أي تحديداً بعث النهضة السورية القومية الاجتماعية. ولذلك نرى سعاده يستخدم مفردات سامية ودقيقة جداً عندما يتحدث عن الغاية: “الغاية العظمى”، “الغاية الواضحة”، “الغاية الكبرى”، “الغاية النبيلة”، “الغاية الحقيقية”، “الغاية الأساسية”، “الغاية الأخيرة”… بل نراه يؤكد في مقال “العروبة كقوة إذاعية للمطامع السياسية الفردية” ضمن سلسلة “جنون الخلود” (أول نيسان 1942): ” العقيدة لسعاده هي الغاية والسياسة هي الواسطة”.

يمكن لأي مواطن، سوري أو غير سوري، أن يقتنع بالمبادئ الأساسية والإصلاحية للحزب السوري القومي الاجتماعي من دون أن ينتمي إلى الحزب. فالاقتناع بالمبادئ يعني حصول الوعي بالهوية القومية ومن ثم بروز الوجدان القومي. لكن الانتماء إلى الحزب يتطلب التجنّد الكليّ لتحقيق “الغاية”، لأن عملية بعث النهضة وحدها الكفيلة بتحقيق المبادئ التي تمت القناعة الراسخة بها. وفي هذه الحالة، يكون مقياس نجاح العمل الحزبي هو مقدار فعل الحزب في سياق الإنجازات النهضوية.

و”النهضة” في العقيدة القومية الاجتماعية ليست شأناً نظرياً أو ماورائياً، فالمدلول الواضح الذي يقدمه سعاده هو “خروجنا من التخبط والبلبلة والتفسخ الروحي بين مختلف العقائد إلى عقيدة جلية صحيحة واضحة نشعر أنها تعبّر عن جوهر نفسيتنا وشخصيتنا القومية الاجتماعية، إلى نظرة جلية قوية إلى الحياة والعالم“. (المحاضرة الأولى). وهذه النظرة تشمل كل شؤون حياتنا الاجتماعية من فكر وسياسة وثقافة واقتصاد…إلخ، فلا يقبل العقل القومي الاجتماعي بما هو سائد وإنما يعمل على نقد ونقض المفاهيم اللاقومية مهما كانت توجهاتها.

طبعاً هناك “عمل واسع” للحزب، كما جاء في رسالة سعاده إلى غسان تويني (20 نيسان 1946)، إنطلاقاً من كون الحزب هو “حركة الشعب العامة”. إلا أن هذا العمل يجب أن يؤطر نحو “الغاية الأخيرة”. قد تتعدد الأهداف المرحلية، وقد تتنوع السبل والأساليب والسياسات المستخدمة في هذه الفترة أو تلك… لكن بوصلة القوميين الاجتماعيين يجب أن تتجه دوماً نحو “غاية عظمى لهذه الأمة”. والحكم على مدى نجاح أو إخفاق العمل الحزبي ليس مرتبطاً بالجوانب السياسية، فهذه لا تعبّر عن جوهر العقيدة القومية الاجتماعية، بل من الخطأ الفادح اعتبارها مؤشراً ذا دلالة على حجم التغيير الذي أحدثه القوميون الاجتماعيون على أصعدة اجتماعية مختلفة.

ومن المؤكد في هذه الظروف القومية العصيبة أن أبرز ما تتطلع إليه الأمة السورية والعالم العربي هو إعادة التركيز على “الغاية”، لجهة السعي الدؤوب إلى “بعث نهضة” يقودها إنسان جديد أخرجته المبادئ القومية الاجتماعية من عصور البلبلة والانحطاط والتعصب. هذه هي المهمة القومية الرئيسية في زمننا الردئ هذا حيث، كما قال سعاده: “تطغى المآرب الخصوصية على الغاية العظمى“. (مقال “المثالية الأولى” ـ أول حزيران 1948).

لندن في 9 آب 2018