1

عواصف داخلية تجتاح الحزب القومي – الأمين ميشال الحاج.

بتاريخ سابق دعا المجلس الأعلى المنتخب في العام 2016 الى إجراء انتخابات حزبية في 13/9/2020. وبالرغم من المناشدات العديدة و المتنوعة من شرائح واسعة في الحزب تدعو المجلس الأعلى المذكور الى تأجيل الانتخابات بسبب وباء كورونا الذي اجتاح العالم حيث فرضت الحكومات الحجر على المواطنين و أقفلت المطارات في بعض الدول مما جعل من إجراء الانتخابات أمراً متعذراً بسبب غياب عدد كبير لأعضاء المجلس القومي الذي يشكل الهيئة الانتخابية لانتخاب المجلس الأعلى وهذا الغياب عن الاجتماع الانتخابي إنما يشمل لبنان وكيانات الأمة و دول الاغتراب، بالاضافة الى ما يوجب تأجيل الانتخابات المذكورة عدم بت المحكمة الحزبية بالطعون الانتخابية مما وفر للفائزين المطعون بانتخابهم في المجلس القومي المشاركة بتلك الانتخابات بالرغم من العيب الذي شاب تلك المشاركة. هذا فضلاً عن سبب اخر يوجب تأجيل الانتخابات ويتمثل بمقاطعة شرائح واسعة معارضة من القوميين الاجتماعيين في اجراء الانتخابات دون عقد مؤتمر حزبي عام وذلك وفقاً لنص المادة الاولى من القانون الدستوري عدد 17 وهذا السبب الأخير هو موضع جدل دستوري لم يحسم بعد من قبل مؤسسات الحزب. إلا أن المجلس الأعلى المذكور لم يستجب لتلك المناشدات الهادفة الى تأجيل الانتخابات و أصر بعد الدعوة اليها على إجراءها و تنظيمها ثم إعلان نتائجها و أفضت تلك الانتخابات الى انتخاب مجلس أعلى جديد.

اعتبر بعض اعضاء الهيئة الناخبة الذين اشتركوا في تلك الانتخابات ان ما جرى في ذلك الاجتماع الانتخابي شابه التزوير و رافق ذلك احتفاظ أعضاء المجلس الأعلى السابق بكل صلاحياته لكون الانتخابات كانت معيوبة لعلة عدم توافر النصاب القانوني لاجرائها و بالتالي لحصول التزوير فيها.

يقودنا هذا الرفض للانتخابات الحاصلة في 13/9/2020 الى الحقائق الدستورية التالية:

  1. إن مجرد حصول انتخابات للمجلس الاعلى و صدور نتائج بإعلان مجلس أعلى جديد يجعل من المجلس السابق فاقداً لصلاحياته و أنه بحكم غير الموجود.
  2. ان الطعن بعدم شرعية انتخاب المجلس الأعلى الجديد يقتضي أن يحصل على محضر الانتخاب و هذا أمر لم يحصل.
  3. ان اقدام المجلس الأعلى السابق على التذرع بقانون المهل اللبناني لا يجد حيزه القانوني في هذه الحالة ذلك ان إجراء الانتخابات يبطن عدم التمسك بقانون المهل. ومن المفيد الاشارة هنا الى أن قانون المهل انما وجد لمواجهة الظروف الاستثنائية التي يستحيل فيها اجراء الانتخابات بسبب حالات الحرب و انتشار الوباء أو حصول أمور طارئة تحول دون اجراءها، أما وقد تم اجراء الانتخابات فلم يعد من الجائز التذرع بقانون تمديد المهل لعدم الجدوى.
  4. لقد تجاوز المجلس الأعلى السابق قانون تمديد المهل وأسقط هذا القانون بإجراء الانتخابات فلم يعد مبرر عدم اجراء الانتخابات قائماً طالما انها حصلت و أصبح التذرع بقانون تمديد المهل لغواً لا يعوَّل عليه في القانون.
  5. ان خارطة طريق الطعن بالانتخابات التي جرت في 13/9/2020 منصوص عنها في دستور الحزب حيث يقتضي أن يتم الطعن أمام المحكمة الحزبية المركزية وهذا أمر لم يحصل.
  6. نشير هنا الى أن المجلس الأعلى المنتخب ارتكب خطأً جسيماً و فادحاً بإعلانه حل أو اقالة المحكمة الحزبية المعينة دستورياً وهذا الحل للمحكمة إنما تم تعسفاً و استبداداً و بدون أن يوجه الى تلك المحكمة أي اتهام بخلل حاصل في عملها و بدون اجراء أي تحقيق مع رئيسها أو أعضائها مما دفع ببعض الأمناء المشتكين أن يرتكبوا خطأ أفدح من خطأ المجلس الأعلى المنتخب باللجوء الى القضاء اللبناني الموبوء ذو العدالة المشوهة

كان يتعين على الفريق الخاسر في انتخابات 13/9/2020 و منهم من هو عضو في المجلس الأعلى المنتخب أن يطالب ذلك المجلس وبقوة بالاسراع بتعيين محكمة حزبية بديلة للمحكمة المقالة لتنظر في الطعون بالانتخابات التي حصلت في 13-9-2020 لا اللجوء الى القضاء اللبناني المشبوه، هذا فضلاً عن أن المجلس الأعلى المنتخب كان بتاريخ حل المحكمة الحزبية هيئة ناخبة لايجوز له اتخاذ قرارات صادرة عن سلطة دستورية قبل استكمال بناء المؤسسات الحزبية و انتخابه رئيساً للحزب وهذا مفهوم مكرس في اجتهاد المحكمة الحزبية المركزية الصادر في 23/7/2016 حيث قام المجلس الاعلى بتعديل الدستور قبل انتخابه رئيساً للحزب فأبطلت المحكمة الحزبية قانون التعديل لعدم جواز حصوله قبل انتخاب الرئيس لان المجلس الأعلى في هذه المرحلة هو هيئة ناخبة وليس سلطة تقرر و تعدل الأمر الذي يجعل من حل المجلس الاعلى المنتخب للمحكمة الحزبية قراراً غير دستوري وغير جائز.

هذا التضارب في الإجراءات و القرارات أدى الى تشظي الواقع الحزبي وينم عن انفعال صارخ في التعاطي بالكيديات خارج المنطق الدستوري الواجب العمل بموجبه لصيانة عمل المؤسسات و استمرارها كونها حاضنة لمجموع القوميين الاجتماعيين وهو ما يعرف بحزبنا بنظام الاشكال الحافظة والمقررة للفكر و النهج الدستوري و العقدي السليم.

استقطب المجلس الأعلى السابق لانتخابات 13/9/2020 لنفسه قرار الاستمرار بالسلطة الحزبية بالرغم من أنه سقط وجوداً في تلك الانتخابات و حل مكانه مجلس أعلى جديد و أن العيوب التي يتذرع بها المجلس الأعلى السابق و الناتجة عن الانتخابات لا تجيز له الاستمرار بالسلطة بل تسمح له الطعن بالانتخابات وفي حدود دستورية معينة كما أن تذرعه بقانون تمديد المهل اللبناني لم يعد له مفعول يتجاوزه هذا القانون عن طريق اجراءه الانتخابات الحزبية و عليه فإن دعوة المجلس الأعلى السابق الى انتخابات 10/10/2021 هي دعوة صادرة عن سلطة غير دستورية و غير مخولة بإجرائها وهي بالتالي انتخابات باطلة و كل الإجراءات و القرارات و الأعمال الصادرة عن تلك السلطة هي بالتالي باطلة و كأنها لم تكن لكونها صادرة عن سلطة غير دستورية.

ومن جهة أخرى افتتح المجلس الأعلى المنتخب دورته الإدارية بالخطأ الفادح و الجسيم بحل أو إقالة المحكمة الحزبية المركزية على نحو ما ذكرنا أعلاه. كما أخطأ بالذهاب الى المحاكم اللبنانية و تقديم الوكالات و اللوائح و الطعون بدون التمسك بدستور الحزب الذي أقسم المدعون في تلك الدعاوي على الالتزام ببنوده و أحكامه مما يتيح لهم رفض تلك المحاكمات و أيا تكن نتائج المحاكمات الصادرة عنها طالما أن لنا دستورنا و أحكامنا الذي ينظم مسار دولتنا فليس هناك في العالم دولة تذهب الى دولة أخرى تطلب منها حقوقاً و عدالة هي موجودة عندها تضاهي في قيمتها و عدالتها و انصافها تلك الدولة الملتجأ اليها.

وهكذا تعاطت إدارات الأحزاب القومية مع المسألة الدستورية الحزبية من خارج الحزب ومن خارج الدستور بخفة وصبيانية مفرطة وبدل نشدان العدالة و الحل للخلافات الحزبية الداخلية في دستور الحزب و محكمته لجأوا الى المحاكم اللبنانية التي درجت على تقديم خدمات قضائية لأغراض سياسية و العجب العجاب أن الفريقين رضخا للمحاكمة اللبنانية الاول بالادعاء و الثاني بقبول الادعاء و الرد عليه حيث رضخ بهذه المشاركة في المحاكمة للنتائج الحكمية التي ستصدر عن تلك المحاكم. بما يقود الى القول أن العقل القومي الاجتماعي قد فقد بوصلته و أن ما يجري لا علاقة له بالمفاهيم و المعتقدات القومية الاجتماعية.

 اذا حاولنا اجراء جردة حساب بالانجازات التي تمت من قبل السلطة الحزبية المنبثقة عن المجلس الأعلى المنتخب في 13/9/2020 لم نعثر على بقعة ضوء واحدة تعبر عن انتاج حزبي ذو فائدة و ذات أثر فاعل في الحزب وفي المجتمع. واختلط حابل السلطة التشريعية بنابل السلطة التنفيذية بحيث تم تعين عضو في المجلس الاعلى نائباً لرئيس السلطة التنفيذية وبذات الوقت نائباً لرئيس المكتب السياسي كما جرى تعيين عضو في المجلس الاعلى رئيساً للمكتب السياسي. فإذا كانت صلاحية المجلس الاعلى مراقبة السلطة التنفيذية ومحاسبتها فالسؤال الذي ينبثق من التعيينات المذكورة من يراقب من ومن يحاسب من؟ بما يعني ذلك الامساك بالمفاصل الاساسية للسلطة التنفيذية من المجلس الاعلى.

لم تعر الإدارات الحزبية في هيكلية الحزبين المتصارعين أنها منذورة لتحقيق الأمر الخطير المتمثل ببعث النهضة في الأمة السورية و أن هذه النهضة لا تكتسب مشروعيتها و شخصيتها و توجهها إلا في النفوس و العقول المؤلفة حول وحدة القرار و وحدة الاتجاه و وحدة الموقف ووحدة الصف الحزبي.

ان المشهد الحزبي الراهن المشحون بالمناكفات و الكيديات و نشوء ثقافة الانقسام المولدة للأحقاد بين القوميين مسؤول عنها هذه الادارات بالذات سواء يوم كانت صفاً واحداً أو عندما انقسمت على ذاتها و احتفظ كل منها بذات الذهنية و ذات النهج الذي كان سائداً من ثلاثة عقود و أوصل الحزب الى ما نحن فيه .
بالرغم من هذا التراجع المريع في مسار الحزب و تفككه الداخلي لم يخرج احداً من صفوف هذه الادارات يتمتع بعقل وازن و انتماء حزبي نهضوي صادق و يقول لهم جميعاً كفى. بل ان الاحتجاج جاء من القوميين المعارضين لنهج الادارة الحزبية وتم ذلك عن طريق تقديم البيانات والنداءات والمناشدات والاتصالات والاقتراحات بالحلول الناجعة للخروج من المأزق الحزبي المتهاوي الذي اوصلتنا تلك الادارة اليه.

إن الحزب يتدحرج من قعر الى قاع و انتم متمركزون في مركز القرار تتفرجون بعماء كامل ولا تنصتون لنصيحة أو مشروع انقاذ وليس لديكم خطط و برامج لدفع حركة الحزب بقفزات نوعية يحتل الحزب من جرائها موقعه المتقدم و الرائد في حركة المجتمع و الدولة.

هذا السكون الساطع ليس من الحزب الذي هو فكرة و حركة تتناولان حياة أمة بأسرها.
وفي المحصلة نقول على هذه الادارات أن تعود الى رشدها وتقف امام مسؤولياتها بعقلية رجال النهضة و تدعو المجلس القومي الى عقد مؤتمر عام تناقش فيه البرامج و الخطط و الدراسات والنقد الذاتي و يخرج بتوصيات يتولاها مجلس أعلى منتخب جديد يعبر عن ارادة القوميين الاجتماعيين العامة لا نصفهم ولا ربعهم ، وإلا فإن هذا الانفلات عن نهج الحزب و دستوره سيؤدي الى الهلاك ولن يبقى إلا الترحم على الشهداء والأسف على المصير الأسود.

 

الكورة في 18-10-2021