عندما يفشل الملقن !!-صوفي نادر

image_pdfimage_print

مرة أخرى احتلت الأزمة السورية جلّ اهتمامات الاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمم المتحدة، فَعَلَت النداءات وتهافتت الدول، العظمى منها والأقل عظمة، الفاعلة منها والمتفرجة، إضافة إلى منظمات أممية وغير حكومية ومجتمعات مدنية، تهافتت لتلبي نداء الإغاثة لشعب يعاني من أكبر كارثة إنسانية عرفها التاريخ المعاصر.

أصرت ناداءات منظمي المؤتمر على حصد 8 مليار دولار من الدول الثرية المانحة فحصل المؤتمر الثالث لدعم مستقبل سوريا، على إثرها، على 7 مليار دولار للعام 2019 إضافة إلى 2.4 مليار للعام 2020 وما بعد، وعلى تعهدات ميدانية من قبل العديد من المنظمات غير الحكومية. لقد كان للمستمع لكافة كلمات المؤتمرين أن يفيض قلبه حزنا على تأثر هولاء من تدهور الوضع الإنساني في الكيان الشامي والدول المجاورة التي تعاني الأمرّين من استقبالها للمهجرين السوريين واللاجئين الذين فقدوا كل شيء فأضحوا بحاجة ماسة إلى دعم مالي وبنيوي وصحي واجتماعي تحت رعاية الأمم المتحدة وإدارة الاتحاد الأوروبي.

الكويتي يمنح ، السعودي يمنح، البريطاني يمنح والفرنسي يمنح. كيف لا وهم يعملون جاهدين لنصرة شعب كانوا سببا ومساعدا كبيرا في شرذمته. لكن اللبناني يبكي، والأردني يشكي والعراقي يتذمر. كيف لا ولديهم ملايين اللاجئين السوريين، أبناء أمتهم، يساعدونهم على العيش فيتأقلم السوري في المجتمع العراقي، ويتعلم في المجتمع اللبناني ويأمن سلامة عيشه في المجتمع الأردني. إنما الأميركي فضل مساعدة منظمة الأمم المتحدة ضاربا بعرض الحائط متطلبات الشعب السوري ومؤكدا عدم استحسانه لدور الاتحاد الأوروبي.

أن يُغضَّ السمع عن الكذب والرياء أثناء المؤتمر، أمر في مستطاع العديد من مواطني المجتمع المدني الدولي، وقد عهدوه منذ تفكيك أمتنا إلى كيانات، مرورا بسلب فلسطين ووصولا إلى تعزيز الصراعات الطائفية وتشجيع التطرف الديني وقودا لنار الحضيض التي آلت إليه أمتنا. لكن الذي يصفع المستمع هي تناقض الأهداف الإنسانية النبيلة مع شروط المؤتمرين وإصرارهم عليها، شروط تمنع النظام السوري من الحصول على أي مساعدة مالية مهما كان سببها وهدفها.

نعم، لن يجني النظام السوري أي فائدة من هذه المساعدات بل العكس. وسيعمل الاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمم المتحدة على محاسبة كافة المسؤولين الذين ارتكبوا “الجرائم بحق المواطن”، وقد شددا على أن “لا سلام مستدام إلا عبر عملية سياسية تجمع كافة أطراف النزاع”.

لن ندخل في دوامة كيف ستتم المساعدات ولمن وعبر من ستمر. إن ما يعمل عليه الاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمم المتحدة حتما ليس مساعدة الشعب السوري بقدر ما هو الاضطلاع بدور كبير في أزمة إقليمية تشعباتها دولية. فالصراع القائم بين الاتحاد الأوروبي وبين الإدارة الأميركية يحتم على الأول إقامة تحالفات تزيد من صلابة وضعه الدولي، إن كان في مواجهة ترامب أو في مواجهة جارته الأقرب، روسيا. وما تعاونه وشراكته في ترأس مؤتمر دعم مستقبل سوريا إلا خطوة من خطواته المستقبلية لتفادي التصادم مع أميركا والاستحواذ على الدور الذي يرغب به على الساحة الدولية. أما محاولته الإلتفاف على منظمة الأمم المتحدة، وعلى أي منظمة أخرى مثل حلف شمال الناتو، ما هي إلا العمل على إعطاء شرعية دولية لأي تحرك يقوم به في مواجهة الأرعن الأميركي.

إن أي عملية سياسية في أي صراع كان تساوي العديد من التنازلات والمعاهدات والاتفاقيات. والاتحاد الأوروبي يعرف تمام المعرفة ماذا تعني العملية السياسية كما يعرف مساحتها وخطورة تحركها. فحتى ولو كان هو ودوله الأعضاء يعملون فعلا لنصرة الشعب السوري، نرى أن الإصرار على العملية السياسية بشروطها الأوروبية- الدولية، من شأنه أن يهد تطلعات هذا الشعب بالكامل، وذلك لأن الأطراف المعنية بالنزاع ليست جميعها أطرافا شعبية وطنية بقدر ما هي أطراف دخيلة تعمل لصالح الدول الأجنبية، وقد اقرضتها أرضها غير آبهة بمصير شعوبها.

وإذا كانت العملية السياسية هي الكفيلة بحل النزاعات، فليشمر الاتحاد الأوروبي عن سواعده وليجد حلا سياسيا لأزمته الداخلية التي تتصارع فيها دول موالية للمشروع الأوروبي وأخرى غير موالية “بفضل” التدخلات الأميركية في السياسات الوطنية المتعددة. وإذا كانت العملية السياسية هي الحل الوحيد لإيقاف الأزمة السورية عبر جمع كافة الأطراف، لقد كان حري بالاتحاد الأوروبي أن يسمي الأطراف المعنية بالنزاع ويدعوها لطاولة المشاورات فيوفر على المستمع والمتابع لتفاصييل المؤتمر عناء البحث عنها وعن عددها وعن توجهاتها السياسية والطائفية والتقسيمية. وليعمل الاتحاد الأوروبي، بمساعدة منظمة الأمم المتحدة، على تحديد ماهية وكمية نصيبه من هذا الصراع لربما رضيت الأطراف الأخرى إعطاءه ما يريد فتنتهي الأزمة السورية حسبما الخطة المرسومة منذ البداية.

حتى ذلك الوقت، وحتى يقوم الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي برمته بمساعدة الشعب السوري على أفضل ما يرام، ولحين قبول شرطَي المحاسبة والعملية السياسية، ندعو للاتحاد الأوروبي وكافة الدول المانحة صحوة ضمائرهم، واستفاقة عدالتهم فتتعلم الأزمة السورية منهم تسمية أطراف النزاع بأسمائها الحقيقية!!!

 

في هذا العدد<< أسئلة سورية مُقلقة أمام موسكو وطهران-احمد اصفهانيمي زيادة وضمير الأمة- د فاتن المر >>
0 0 votes
Article Rating

You may also like...

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments