1

“سيزيف” يُضرب عن العمل

في مقالتنا السابقة، “الانتظار“، عَرَضْنا لمسرحية “في انتظار غودو” ومفهوم الانتظار الذي لا ينتهي. هناك حبكة أخرى في المسرحية يشير إليها معظم النقاد ألا وهي حبكة اللاجدوى ربطًا بعقوبة “سيزيف” الذي حكمت عليه الآلهة بأن يُدَحرج صخرة إلى أعلى جبل كل يوم، لتعود وتتدحرج إلى القعر بمجرد بلوغه القمة.

يختلف النقّاد ما إذا كان “سيزيف” يعي عبثية ما يقوم به، أو أنه يعيش على أمل أن يأتي يوم تتوقف فيه الصخرة عن التدحرج إلى قعر الوادي. ولكنهم، النقّاد، يتفقون بأنه محكوم بأبدٍ من الجهد الضائع والإحباط الذي لا ينتهي. وكما أن شخصيتي مسرحية “غودو الاساسيتين “إستراجون وفلاديمير” عالقتان بين مطرقة انتظار شخص لا يأتي وسندّان الخوف من قدومه في حال غادرا المكان، كذلك “سيزيف”. إنه عالق في مُعضلة دحرجة الصخرة كل يوم خوفًا من المجهول في حال توقفه!

منذ وحدة الحزب السوري القومي الاجتماعي سنة 1998، والقوميون يجتمعون كل أربع سنوات ليدحرجوا صخرة اسمها “المؤتمر”، مدركين أنه لن يغيّر في واقع الحال شيئا، ولكنهم يخافون من المجهول في حال عدم انعقاده. إنه مؤتمر انتخابي ينتهي بالقيادة نفسها، والعقلية نفسها، والأداء نفسه، والفساد نفسه الذي يشكوا منه القوميون. ولكنهم يحضرون، مطيعين، ويدحرجون الصخرة صعودًا بدون تفكير، متجاهلين أن هذه الصخرة سوف تتدحرج إلى القعر مع انتهاء اليوم الانتخابي. وهكذا دواليك!

مع “سيزيف”، الحياة عقوبة. إنها تكرار ممل، رتيب، يائس في قعر لا قرار له. لسعاده نظرة أخرى للحياة، إنها فرح. إنها مفعمة بالنشاط والأمل وتحقيق الأهداف. نظرة لخّصها في عبارته الخالدة: “كلما بلغنا قمة تراءت لنا قمم أخرى نحن جديرون بارتقائها.” ليست الحياة عبثا عند سعاده وليست يأسا. إنها نظرة راقية وغاية سامية وأهداف معقولة. إنها جهاد وصعوبات ولكنها وعد بغدٍ أفضل.

على عاتق القوميين تقع مسؤولية الاختيار بين هاتين النظرتين والنتائج المترتبة عن كل منهما. فمنذ عشرين سنة ونيف على الأقل، يعيش القوميون عقوبة “سيزيف”. إنهم يصبّون جهدًا كبيرا في عمل لا نتيجة له مقايسة بالمثال الأعلى، غاية الحزب، التي أقسموا اليمين على العمل لتحقيقها. ولكن لتحقيق هذه الغاية لا بد من وضع الأهداف الموصلة للغاية. وهذا ما هو مفقود في الحزب. الأهداف ومقاييس الأداء والمحاسبة. كلها مفقودة.

رب قائل، ولكن ما العمل؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال علينا استدراك نقطة مهمة. لقد اكتشف خبيث أو أكثر أن في عبثية عمل “سيزيف” وجهده اليومي هناك فرصة يمكن قنصها. لقد اكتشف هؤلاء أن من حركة “سيزيف” صعودا ودحرجة يمكن توليد طاقة تُترجم سلطة ومالا ونفوذا ووجاهة ونيابة ووزارة وسيارات ومرافقة وجمعيات خيرية. المهم الا يتوقف “سيزيف” عن حركته العبثية. فطالما هو يكدح هم ينعمون.

ما العمل؟ بداية، على “سيزيف” أن يرفض عقوبته. عليه أن يُضرب عن دحرجة الصخرة. عندها، وعندها فقط يمكن البحث عن الجواب.