سايكس/بيكو الغاز

image_pdfimage_print

بعيد الحرب العالمية الاولى ورغم التفاهمات التي حصلت قبلها مع الشريف حسين بن علي للتخلص من السلطنة العثمانية (الخلافة التركية) من قبل القوتين الاساسيتين انكلترا وفرنسا، قام هؤلاء بتغليب مصالحهم على تلك التفاهمات بعد ان ضمنوا انحلال السلطنة وعدم قدرة العرب على تغيير المعادلات، وكانت النتيجة ضياع فلسطين واقتسام تركة ما دعي بالرجل المريض بحيث ضمن الانكليز البقعة النفطية في شبه الجزيرة العربية والعراق.

قراءة متمعنة لما حصل مع الشريف حسين ولاحقا مع الملك فاروق ونجل الشريف الذي اعتلى عرش الاردن حيث اقتسم الاثنان ما تبقى من فلسطين، يتبين أن من فاوض على الوطن السوري آنذاك لم يكن معنيا به كأرض ولا كشعب يتميز بتركيبة تاريخية ذات ثقافة مغايرة عمادها الانتاج والاشتراك بالحياة بصرف النظر عن العِرق والدين والأصل والفصل. وما الاختراع العروبي الا عدّة سياسية مرحلية حاول مخترعوها تجاوز الدين كمعطى سياسي قافزين فوق حقائق التاريخ ومركّب الامة.

يمكن القول إن المآل الذي اراده المستعمر من خلال سايكس/بيكو قد تحقق، وساهم مفهوم العروبة الخاطئ بصورة مباشرة بتنفيذ كامل بنوده، ونلمس ذلك من خلال ما قام به صدام حسين حين انقلب على الرئيس أحمد حسن البكر بعد تفاهم الاخير مع الرئيس حافظ الأسد على الوحدة، ناهيك عن كامب دايفيد ولاحقا أوسلو ووادي عربة والتطبيع العلني الجديد بين بعض مشيخات الخليج والكيان الغاصب. 

كان لا بد من هذه المقدمة للحديث عن سايكس/بيكو – الغاز، المشروع الذي يجري العمل عليه اليوم والذي يمكن القول إن الوعي البيئي عجل بظهوره منذ الاطاحة بشاه إيران. فرغم توفر مخزون مادة النفط لقرن مقبل، نجد ان الوعي البيئي يعتبر النفط (مع غيره من العوامل) سببا رئيس للاحتباس الحراري الذي ينذر بعواقب وخيمة تطال الكوكب باسره

من المعروف أن الغاز المتوفر في منطقة الهلال الخصيب مادة حيوية جدا بالنسبة لأوروبا أكثر منها للولايات المتحدة والمعنية بها من ناحية تسعيرها كما كان حال النفط الذي يعتبر أحد اهم دعائم الدولار الاميركي غير المغطى الا بترسانة الاسلحة والاساطيل والسوق الاستهلاكي النشط لبلاد العم سام. وليضمن الاوروبيون عدم وقوعهم تحت سطوة الانابيب الروسية حاولوا، عبر تركيا وبعض دول الخليج، تسليم المنطقة للإسلاميين واعادة احياء السلطنة فيصيبوا عصفورين بحجر، اذ يتخلصوا من محاولة الاتراك الدائمة لدخول الفضاء الأوروبي، ووقف الهجرة الإسلامية إلى أوروبا من خلالهم وخلال غيرهم من الدول كتونس ومصر.  

المشروع الآنف وجهت له ضربات عدة بدءاً بمصر وتونس انتهاءً بدمشق وبيروت وبغداد. ولأن للمتوسط باع قديم في التجارة الدولية، دخل الروس والصينيون على الخط عبر الحرب في الكيان السوري، الاول بصورة مباشرة والثاني بطريقة ناعمة من خلال مجلس الامن ودعم ميداني غير منظور بسبب وجود الايغور بين المرتزقة بدمشق. اما التدخل الايراني فليس بحديث انما يعود لفترة الاحتلال الصهيوني للبنان واستؤنف مع الاطاحة بصدام حسين إثر حرب الخليج الثانية.

النقطة الابرز في هذا الصدد وجود ثلاثة أطراف مشرقيين إن في الميدان او خلف الكواليس يتابعون عملية التفاوض على الغاز، بغداد، دمشق والمقاومة بلبنان، يضاف إليها جبهة غزة بعد ان غيرت قيادتها مسارها، ناهيك عن جيوب من المقاومة في الأراضي الفلسطينية المحتلة سواء في الضفة أو في الأرض المحتلة عام 1948. هل يعني هذا أن الوطن السوري ولأول مرة منذ زمن بعيد يفاوض عن نفسه رغم بعض التشوهات ان بعمان او رام الله او شراذم الماركنتيليين في بيروت؟ كلا. المسافة بعيدة مقدار بعد المسافة السياسية التي تفصل دمشق عن بغداد وبيروت وعمان ورام الله.

إن كميات الغاز الهائلة الموجودة في سواحل الوطن السوري مهددة بالعقلية المتفسخة سياسيا والتي تقود البلاد، مثلما كانت نفس العقلية المتفسخة السبب وراء المآسي التي طالت بلادنا في المئة سنة المنصرمة. فهل نغير ما بنا كي نخرج من دائرة المآسي؟

 

في هذا العدد<< الصين و”إسرائيل” والذكاء الاصطناعي!متحررات متحجبات >>
0 0 votes
Article Rating

You may also like...

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments