رسالة إلى الفينيق – غسان عبد الخالق
وردتنا هذه الرسالة من الرفيق غسان عبد الخالق، فكان لرئيس التحرير ردا عليها تجدونه بعد نص الرسالة.
قرأت بالأمس مجلة الفينيق، وعددها المميز التاسع والاربعين، لا سيما الأربع سنوات من المغامرة. جميع المغامرين يطرقون البعد الوجداني، من رئيس التحرير الذي يجمع بين الادارة والتراث والفهم العميق المتجذر الذي زُرع في بيت مارس قناعة الانتماء النهضوي. إلى الشايب النهضوي الذي يمكن ان يكون قد تحدر من اصفهان لكن مسته النهضة والمتحد، وصقلته بحيث أبدع في كنهها وسبر غورها فأصبحت نصوصه لا يمكن قرأتها الا من بوابة الادب المنحوت الذي يحاكي المسماريات الموغلة في القدم. إلى نزار وماهر وفادي وميلاد، والملامسة الشعرية مع قيس وعفاف. عدد يمكن القول انه تتويج لشموع أربع. لكن اللافت هو حادي العيس الذي امتطى ناقته سائراً وراء القافلة فحطه الجمّال في بيروت. النجيب الذي نقل الصورة لأزمة الأمة بعدسته الحبرية، وللخبير يمكن تلمس من بانورامية النصير درب الجلجلة لحزب سعاده.
إن ذلك النص لمن يريد متابعة المسيرة يجبر على تخطي الايمان، لان الأصل وان كان منطلقه حزبي تنظيمي له قواعده ومبادئه الا ان مآله بالرضوخ للثورة الحقوقية يبقى الاساس، لان مبدأ الحرية الأقنوم الاول في مرجل النهضة لا يمكن تحقيقه الا بتلك الثورة.
إن أزمات الحزب لن تنتهي ولو أحيينا عظام مؤسسه ليكمل لنا ما أخفاه في مراسيمه الدستورية لإكمال أعظم أعماله بعد عمله الأركيولوجي لاستخراج القضية من النصوص والرقيمات. لان الطبيعة، كما يقال، لا تعرف الفراغ، والمجتمعات الطبيعية هي ملحقة بها، أما آن الاوان لنا ان نخرج من شرنقتنا وننتشر كالفراشات بين زهراتنا واشبالنا وجموع مواطنينا لتلقيحهم بالرحيق المتمثل بالوعي لثقافة امة ظن اعداؤها انها مندثرة. فالحق الذي يبتدأ بالحياة لمن وطأها إذا لم يقترن بالحرية التي تقود الى الواجب وباقي الأقانيم وتتدثر بقيم الحق والخير والجمال سيبقى شكلا من اشكال العبودية. ونحن نعلم ان العبد الذليل لا يمثل امة لأنه يذلها، والبقاء حيث نحن إنما شكل من اشكال العبودية وإن موهها البعض بغلاف المؤسسات التي لم تُحترم قط من قبل القائلين بها ممن تعاقبوا على التمترس خلفها لتبرير اخفاقاتهم.