1

دراسة حالة

نقل لنا أحد زملائنا في فريق تحرير مجلة “الفينيق” أن عدداً من القراء من مناطق سوريّة، مثل العراق، وأخرى عربية مثل تونس ومصر والإمارات، ممن يتابعون مجلة الفينيق بانتظام، أبدى ملاحظات على أن المجلة باتت اقرب إلى نشرة حزبية منها إلى مجلة تُعنى بالفكر القومي الاجتماعي. وأضاف الزميل أن هؤلاء القراء، “لا يعنيهم ما يجري داخل الحزب وإنما هم مهتمون بالفكر القومي الاجتماعي.” وتساءل ما إذا كان من المفيد حصر المقالات التي تتناول موضوع الحزب بلائحة بريدية للرفقاء ترسل لهم على حدة وإراحة باقي القراء من تلك تفاصيل.

إنه ليسعدنا ان تلقى مجلة “الفينيق” اهتماما من قراء مثقفين ومهتمين، ومن اتجاهات فكرية مختلفة، لأن هذا يدل على أهمية الفكر القومي الاجتماعي الذي أرسى دعائمه أنطون سعاده، وعلى أهمية الدور الذي تقوم به الفينيق إذ تسد ثغرة في نشر هذا الفكر وتطبيقاته. ولكن السؤال والملاحظات وجيهة، وسوف نحاول في هذا المقال مناقشتها.

الملاحظة الأولى هي أن الفكر القومي الاجتماعي ليس فكرا تجريديا (Abstract) في المنظور الفلسفي، حيث “تبتعد الأفكار عن الأشياء”. إنه فكر تطبيقي عملي ينبع من نظرة إلى الحياة مستقرة في الوجود الإنساني، تهدف إلى ترقية الحياة وتجميل عالمها ورفع مستوى قِيَمِهَا. وتنطلق في ذلك، أولا، من أن “الحقيقة الأساسية الكبرى” للوجود الإنساني هي أنه وجود محكوم بالاجتماع، وأنه متمايز في متحدات يتفاعل قاطنوها والوافدون إليها مع بيئتهم، وبين بعضهم بعضا، ومع جيرانهم، في وحدة حياة، بما ينتج ثقافات وحضارات متمايزة. ثانيا، إن العالم هو واقع أمم تتفاوت في قواها وفي مدى حيويتها المادي والنفسي، ما ينتج طبقات من الأمم يستعمر بعضها بعضا إما احتلالا أو هيمنة ثقافية. ثالثا، إن المبادئ، من حيث هي نقاط انطلاق للفكر، هي في خدمة الشعب وحياته، وليس العكس. هناك نواح أخرى لهذا الفكر من بينها مفهوم الوجدان القومي، والعقلية الأخلاقية الجديدة المنبثقة منه والنظرة المدرحية للحياة التي رأى فيها سعاده هدية سورية للعالم قاطبة، وكل من هذه المفاهيم يحتاج بحثا تفصيليا منفصلا.

الملاحظة الثانية هي أن لهذا الفكر تجربة عملية واحدة هي الحزب السوري القومي الاجتماعي. بالتالي، حين تقول مجلة “الفينيق” إنها “تُعنى بالفكر القومي الاجتماعي”، فمن الطبيعي أن تضع تجربة هذا الحزب على المحك، بما يشبه دراسة حالة حيّة ومستمرة.

الملاحظة الثالثة هي ان لهذا الفكر منهجية تطبيقية على مستويات شتى. إنه فكر يؤمن بالعقل شرعا أعلى في مقاربته لجميع الحقائق الإنسانية. ويعتمد مبدأ الاطراد الفلسفي في فهم مسار التاريخ والحقائق الإنسانية، ويعتمد إطارا لتحقيق خططه يقوم على الإدارة والسياسية والحرب. وقد أثبت الحزب، في محطات مهمة من تاريخه استخدم فيها كل هذه القوى العقلية والإدارية، أنه مقاتل صلب وشريف في سبيل مبادئه وبلاده وعزتها ومقاومة محتليها.

الملاحظة الرابعة هي ان هذ الفكر الذي أطلق أوسع حركة ثقافية وأدبية وموسيقية وصحافية في الوطن السوري والعالم العربي بين الاربعينات والتسعينات من القرن الماضي، يعاني الآن من ضمور كبير في كل هذه المجالات الحيوية.

الملاحظة الخامسة هي أن الحزب، والذي تصادف هذا الشهر الذكرى السادسة والثمانون لتأسيسه ، بالرغم من كل ما سبق، لم ينجح حتى اليوم في تحقيق أي شيء من أهدافه، ولا حتى غايته الأولية – أن يصبح “حركة الشعب العامة”-  بل إنه يعاني من انقسامات حادة وشرذمة حقيقية تهدده بالتبدد.

هذه الأمور كلها هي في صميم المقالات الفكرية والسياسية والأدبية التي تنشرها “الفينيق”، بما فيه متابعة أخبار الحزب والانقسامات التي يعاني منها، والتردي الأدائي والأخلاقي الذي يضربه.

بالتالي، فإننا إذ نقدر شعور القراء الكرام، خاصة من غير أعضاء الحزب، أو ممن هم من خارج الوطن السوري، نقول لهم “إذا كنتم معنيين بهذا الفكر كفكر تجريدي نظري فقط، فإنكم تحرمون أنفسكم ومجتمعاتكم من قوة هذا الفكر الحقيقية من حيث هو قوة محركة لقوى كامنة.” إن في تجربة الحزب، بكل انتصاراته وانكساراته، وفي الاخطار المهددة لوجوده اليوم، دروسا وعبرا تفيد كل من هو مهتم بقضية ترقية مستوى الحياة في بلاده وتجميل عالمها ورفع قيمها.

لهذه الأسباب كلها، تنشر “الفينيق” ما تنشر عن الحزب السوري القومي الاجتماعي.