حقوق الطوائف، حق الشعب- رئيس التحرير
تتسارع الأحداث بعد مقابلة الرئيس عون التلفزيونية وتنتقل البلاد من خطر إلى خطر أكبر مع سقوط ضحايا من المدنيين. لقد قيل الكثير في حوار الرئيس عون، ولكن هناك عبارة مرت بسرعة بودنا التوقف عندها، خاصة وأن السيد حسن نصرالله كان قد سبقه إلى عبارة مماثلة لها منذ أيام.
يقول الرئيس: “نظامنا توافقي في مجلس الوزراء وهذا يشل الحركة. هل يجب تغير النظام؟ كلا، تعديل. حسب القانون، يجب اتخاذ القرارات بالأكثرية. دخل تقليد إضافي، لا نعمل تصويت، بل توافق. وهذا من أول الأمور الواجب إزالتها من مجلس الوزراء. التوافق يصير في الأمور الميثاقية، حول حقوق الطوائف كما هو منصوص عنها في الدستور. ولكن خارج حقوق الطوائف يجب ان يكون التشريع والعمل بالأكثرية، ويجب ان يكون هناك معارضة في الحكم، معارضة في المجلس…”
أما السيد حسن نصرالله فقال في خطابه بمناسبة يوم الشهيد: “هناك نقاط خلافية حتى بين المتظاهرين أنفسهم، مثلاً مطلب إلغاء الطائفية السياسية ليس معلوما إن كان مطلب الجميع؟ مطلب قانون انتخابي قائم على لبنان دائرة واحدة وعلى أساس نسبي سواءً داخل القيد الطائفي، ليس معلوماً ان كان مطلب الكل، أو خارج القيد الطائفي أكثر أيضا ليس معلوماً أنه مطلب الكل.”
إذا، بالنسبة لعون ونصرالله، المدعومين من أكبر كتلتين نيابيتين في البرلمان اللبناني، ليست الحقوق هي حقوق الناس الأساسية، بل هي حقوق الطوائف. فما هي حقوق الطوائف؟ بل من هي الطوائف؟
تقوم الطوائف في لبنان على ثلاثة أعمدة: رجال الدين والإقطاع السياسي والرعيّة. في النظام الطائفي، يقوم الإقطاع السياسي بنهب الرعيّة بمباركة رجال الدين. هذه هي قاعدة النظام اللبناني الذهبية. والمطلوب من الرعيّة دائما، خدمة الناهب برموش عينيه وتقبيل يد رجل الدين وتبجيله، وحمل الاثنين معا على ظهره بل والموت في سبيلهما.
إنها لعمري تجارة ولا أربح يستفيد منها الطرفان الأولان ويدفع ثمنها دائما الطرف الثالث، الشعب.
ما هي حقوق الطوائف، وكيف تنشأ؟ لنعد إلا بدايات لبنان لقرن خلا. انتصر الفرنسيون في الحرب العالمية الأولى. فكان طبيعيا أن يقوم إكليروس الطائفة التي تدعمها فرنسا، والعملاء المتربين على يديه، بدعوتها لأن تكون الأم الحنون، لقاء تفصيل الحقوق على قياس مطامح تلك الطائفة. وهذا يعني ان يكون لها رئيس الجمهورية وقائد الجيش، وكبار القضاة، وكبار الموظفين، وأكثرية في البرلمان. وبما أن الطائفة لا يمكن ان تحكم لوحدها في مجتمع فسيفسائي كلبنان، كان لا بد من إشراك باقي الطوائف في “الحقوق” ولكن وفق تراتبية موازية لتراتبية القوى الخارجية واستعداد كل منها لدعم حقوق “طائفته” في لبنان.
هل حقوق الطوائف ثابتة؟ كلا. إنها تعتمد على فائض القوة التي تمنحها إياها قوة خارجية في لحظة ما. الطبقة السياسية/الاكليركية المارونية فتحت الحرب في لبنان سنة 1975 دفاعا عن “حقوقها”. في لحظة ما، كان لديها فائض قوة خارجية مستند إلى دعم إسرائيلي وأميركي أهّلها لأن تأتي بأعتى جزاريها، بشير الجميل، رئيسا. قُتل بشيرٌ. تغيرت المعطيات الدولية. انتهت الحرب. فإذا بـ “حقوق الطائفة المارونية” تتقلص في اتفاق الطائف لصالح “حقوق طوائف” القوى التي ظهر أنها خرجت منتصرة من الحرب.
إن اتفاق الطائف في حقيقته هو اتفاق مرحلي يلزم إتلاف الطوائف المسيحية خفض مستوى “حقوقها” إلى 50% ويرفع مستوى “حقوق” الطوائف المحمدية إلى 50%. ولكن في نظام التكاذب اللبناني، الكل يعرف أن هذه الحقوق مؤقتة بانتظار فائض قوة ما، تهديه قوة خارجية ما، يعيد ترتيب الحقوق وتراتبيتها.
إذن حقوق الطوائف ما هي سوى حقوق نهب الرعايا المرعوبة من بطش الإقطاعي السياسي – أبن الطائفة – وثعلبة رجل الدين – في الطائفة. وهذا لا يتم بدون دعم من دول أجنبية لها مصالح في سرقة موارد المجتمع على يد الإقطاع السياسي وببركة رجل الدين، دائما.
إذا كان هناك من يشك لحظة في أية كلمة كتبناها هنا فليعد إلى مذكرات إسكندر رياشي المنشورة في كتابين هما “رؤساء لبنان كما عرفتهم”، و”قبل وبعد”، ليعرف مدى بشاعة هذه التركيبة المجرمة التي اسمها “الشراكة اللبنانية” التي تقدس “العيش المشترك”، وتدافع عن “حقوق الطوائف” على حساب حقوق الناس.
هذه هي حقوق الطوائف عارية. وهذه هي الحقوق التي ثار الشعب في لبنان ضدها، مطالبا بحقه الحقيقي حق الحياة الحرة الكريمة في مجتمع عادل أمام قانون مدني يتساوى فيه الجميع دون خوف ولا منّة.
طالما ان الرئيس عون والسيد نصرالله، وهذان يعتبران متقدمان في تفهم أوجاع الناس، يتكلمان عن حقوق الطوائف، فإنهما بعيدان جدا عن حق الشعب اللبناني وفهم واقع حاله والمرحلة التي قطعها.