1

النقلات الصينية في تقدم مستمر-صوفي نادر

 

في العشرين من الشهر الجاري وقع الاتحاد الأوروبي مع الصين اتفاقيتين واحدة لتعزيز التعاون في مجال أمن الطيران المدني وأخرى لتدعيم التعاون في مجال النقل الجوي.

هاتين الاتفاقيتين هما نتيجة محادثات القمة التي جرت في التاسع من نيسان من هذا العام الهدف منهما تدعيم الخبرات في القطاع الجوي الأوروبي، والعلاقات بشكل عام بين الاتحاد الأوروبي والصين في قطاع الطيران. وتعتبران إنجازا هاما للمفوضية الأوروبية في استراتيجية الطيران الأوروبي التي ستعمل على زيادة نمو الشركات الأوروبية وتعزيز الابتكار والسماح للمسافرين الاستفادة من رحلات جوية آمنة وأقل كلفة.

وقد أعلن رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، “إن الشراكة مع الصين هي الشراكة الأهم على الإطلاق في عالم يتسم بعدم الاستقرار. فالاتحاد الأوروبي مقتنع تماما أن الشراكة بين الأمم من شأنها إضفاء ديناميكية وأمان ورخاء على العالم. لقد حققنا اليوم خطوة أولى في هذا الاتجاه عبر التوقيع على هاتين الاتفاقيتين الجويتين مع الصين القادرتين على خلق المزيد من فرص العمل وتحفيز النمو وتقريب قارتين من بعضهما البعض.”

لهاتين الاتفاقيتين أهمية أبعد مما يشير إليه رئيس المفوضية الأوروبية وأكبر مما يعرب عنه المفوضون الأوروبيون أو أي مسؤول أوروبي في مجال النقل. إن كل ما تم ذكره حول هاتين الاتفاقيتين وتداعياتهما في مجال العمل والازدهار، ينظر إليه من الناحية المرئية والملموسة كمحفز للاقتصاد الأوروبي ودوله الأعضاء. إنما لننظر إليهما من نواح أخرى.

1 – التوقيت

لقد أتت هاتين الاتفاقيتين في وقت يضج فيه العالم بالعقوبات الأميركية تجاه إيران والتي يمكن أن تزجه في متاهة صراع إقليمي سيودي بالمنطقة للهلاك. فالاتحاد الأوروبي، وهو أحد المعنيين بهذا الصراع من نواح عديدة، كان ولا يزال يبحث عن الحليف الذي سيدعم موقفه، أو بالأحرى قادر على إمالة دفة ميزان قراراته باتجاه آخر فيستطيع المضي آمنا جانبه الاقتصادي. ففي حين تعمل جميع الفرقاء على تدعيم حلفائها كان لوصول الصين إلى عقر دار الأوروبيين أثرا كبيرا لأنه يمس الأميركيين بشكل أكبر ويسير جنبا إلى جنب معهم في تعاملهم مع الاتحاد الأوروبي.

2 – رد الفعل الصيني

أعلنت الصين أنها سترفع، ابتداء من حزيران القادم، الرسوم الجمركية من 10 بالمئة إلى 25 بالمئة على واردات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة الأميركية مما يعتبر كارثة لصناعة الغاز لدى هذه الأخيرة. فالعداء القائم بين هاتين الدولتين يفرض اتخاذ قرارات أو أقله تغيير مسار توجهاتهما. فبعد أن قرر الأميركي زيادة الرسوم الجمركية على  البضائع الصينية بقيمة 200 مليار دولار متهما الصين بعرقلة كافة المفاوضات التجارية الأميركية، كان لا بد للصين أن ترد بنفس الأسلوب ومن ثم تسرع في التوقيع على الاتفاقيتين مع الاتحاد الأوروبي تأكيدا على قدرتها على الالتفاف حول الأميركي في أي منطقة كان وإيقاف سيره الممنهج في التفرد بالاتفاقيات الاقتصادية وبالتالي السيطرة إقليميا إن لم يكن دوليا.

3 – الموقف الصيني من العقوبات الأميركية تجاه إيران

بالرغم من أن الصين لم تقم بالإعلان رسميا عن موقفها من العقوبات الأميركية تجاه إيران، إنما سياستها المنفذة على أرض الواقع تفيد بالكثير من القرارات. فالصين تتابع استيراد النفط الإيراني بالرغم من هذه العقوبات كخطوة أو نقلة على رقعة الحرب التجارية بين البلدين. وقد تحدثت بعض الأوساط الإعلامية عن إمكانية استعمال حجر النفط الإيراني كوسيلة ضغط على رقعة الصراع الأميركي الصيني فتصبح المعادلة النفط مقابل تخفيض الرسوم الجمركية الأميركية على البضائع الصينية. لكن المصالح الصينية كبيرة للغاية في منطقة الشرق الأوسط ولا يمكن لها التخلي عنها مقابل الرضا الأميركي، وإلا فما النفع من دخولها في صراع تجاري مع هذه الأخيرة لتتخلى عنه بسهولة.

إن الناظر لتفاصيل العلاقات بين القوى الدولية ونعني بها أوروبا، روسيا، الصين وأميركا يرى بوضوح الصراع القائم بين هذه الدول والسباق الذي يأخذ بالأنفاس. دعت روسيا فورا، عقب الإعلان الأميركي عن زيادة العقوبات على إيران، دعت الدول المعنية بالاتفاق النووي المتابعة في التعامل التجاري مع إيران في مواجهة التدخلات الأميركية. فإن لم يكن الاتحاد الأوروبي السباق في هذه العملية بسبب وهنه الداخلي وتأثير ذلك على قراراته السياسية الخارجية، نجد الصين، الأقوى في مواجهة أميركا، لا تتورع عن إظهار قدراتها في المناورة والتصدي. ومن المحتمل أن تسلب بعض الأدوار الروسية في منطقة الشرق الأوسط خاصة الاقتصادية منها وهي القادرة على اللعب في أعلى المستويات.