القوميون يستحقون أفضل -الأمة تتوقع أفضل
كل التشكيلات الحكومية اللبنانية التي تتسرب أنباؤها إلى وسائل الإعلام في بيروت تشير إلى أن الحزب السوري القومي الاجتماعي (مركز الروشة) لن يجد له تمثيلاً وزارياً، على الرغم من المناشدات المتعددة التي أطلقها قياديو الحزب وصوته الإعلامي في جريدة “البناء”. فقد تخلى عنه “الحلفاء” الذين بات كل طرف منهم يتصرف وفق المثل الشعبي “يا ربي نفسي”.
وتستكمل هذه الصدمةُ الوزارية صدمةً أخرى جاءت في الانتخابات النيابية عندما أجبر الحزب من قبل “الحلفاء” أنفسهم على التنازل عن مقعدين نيابيين مضمونين في بيروت والبقاع، فتراجع التمثيل القومي الاجتماعي إلى نائبين فقط. وأرجو أن نعفي أنفسنا ونعفي القوميين الاجتماعيين من تكرار المهزلة التي تريد إيهامنا بأن النائب ألبير منصور عضو في “الكتلة القومية”، علماً بأنه لا يتحمل مسؤولية شخصية عن هذه الخزعبلات.
هذا في الكيان اللبناني، أما في الكيان الشامي فتبدو الصورة أكثر قتامة وأشد إيلاماً نظراً إلى الأثمان الباهظة التي دفعها الشعب السوري عموماً والقوميون الاجتماعيون تحديداً. ذلك أن حزب البعث العربي الاشتراكي “الحليف” تكرّم على القوميين الاجتماعيين بمقعد هنا ومقعد هناك في انتخابات المجالس المحلية التي جرت في أيلول الماضي. ومع أن عدة منفذيات أصدرت بيانات رسمية (الحصن والسويداء على سبيل المثال) دعت إلى عدم الترشح احتجاجاً على هذه المواقف الإقصائية، إلا أن القيادة الحزبية في الروشة لم تكن على هذا المستوى من الوضوح.
وفي خضم كل هذا، يُعاد رسم صورة المجتمع السوري بعد السنوات الدامية. فنجد أن قيم الانفتاح والتسامح والعلمانية باتت مهددة بمشاريع قوانين أقل ما يُقال فيها أنها تستنسخ التجارب الدينية المتطرفة، وترسّخ المفاهيم التي كانت في صميم الانفجارات الشعبية الداخلية التي دمّرت البشر والحجر ليس في الشام وحدها وإنما على امتداد العالم العربي. وبينما يتلهى المسؤولون المحليون في جدالات بيزنطية حول مشاريع قوانين للأوقاف وللتعليم وما شابه، تشهد كواليس السياسات الدولية مفاوضات معلنة وغير معلنة لوضع دستور جديد للجمهورية السورية قد لا يكون للسوريين دور أساسي في صياغته.
الحزب السوري القومي الاجتماعي، في مفهومنا التعاقدي، هو حركة الشعب العامة ودولة الأمة السورية المصغرة. هو حزب النهضة قبل أن يكون حزباً سياسياً منخرطاً في الألاعيب النيابية والحكومية. ويقع على عاتق السلطة التشريعية ممثلة بالمجلس الأعلى، والسلطة التنفيذية ممثلة برئيس الحزب ومجلس العمد، العمل على تحقيق غاية الحزب التي هي بعث نهضة قومية شاملة. فهل كانت هاتان السلطتان على سوية الواجب الملقى على كتفي كل عضو فيهما؟
لن نعود بالذاكرة إلى أبعد من صيف 2016 عندما أنتج المؤتمر القومي العام مجلساً أعلى ما كاد أعضاؤه يقسمون يمين المسؤولية حتى أدخلوا الحزب في متاهة تعديل الدستور وكل ما نتج عن ذلك من إشكالات أطاحت بالمحكمة الحزبية وشرذمت الصف الحزبي وفرزت أعضاء المجلس إلى أجنحة متناحرة. يُضاف إلى ذلك تجميد اجتماعات السلطتين التشريعية والتنفيذية بسبب رفض رئيس الحزب آنذاك الاستقالة لأن دستور الحزب يمنع الجمع بين الرئاسة والمنصب الوزاري. وقد فشل المجلس الأعلى فشلاً ذريعاً في معالجة هذه الأشكالية في إطارها الدستوري. وبين هذا وذاك، كانت وسائل الإعلام تلوك أخبار الاستقالات والتهديد بالاستقالة وتعطيل اجتماعات مجلس العمد والصراع على الترشيحات النيابية والضغط لإقالة رئيس الحزب وعصيان بعض المسؤولين المحليين… وأخيراً استقالة غالبية أعضاء المجلس الأعلى التي تعني، إذا ما ثُبتت في محضر رسمي، الذهاب إلى مؤتمر قومي عام لانتخاب مجلس أعلى جديد. ثم عودة قسم من أعضاء المجلس عن استقالاتهم نتيجة وساطات من هنا، وترغيب من هناك، وتهديد من هنالك!
لقد آمن كل واحد منا بقضية تساوي وجوده. وجاء انتماؤنا الحزبي طريقاً إلى نهضة شاملة تعيد للأمة سيادتها وعزها. لكن ما أقدم عليه أعضاء المجلس الأعلى خلال السنتين الماضيتين على وجه التحديد هو إخلال كارثي بالدور المنوط بأعلى سلطة في حزبٍ أراد له مؤسسه أن يكون دولة الأمة السورية المصغرة. في هذا المجلس أعضاء مشغولون بالكيديات الشخصية والمنافع الذاتية، بينما الأمة تنزف في كل كياناتها. أعضاء يعطلون العمل التشريعي والتنفيذي إلا إذا تحققت مصالحهم الخاصة، بينما الصف الحزبي يزداد تشرذماً واستقطاباً. سلطة تشريعية تركزت هموم بعض أعضائها على خوض “معارك” بهلوانية داخل الحزب، بينما تتكالب القوى الخارجية على رسم مصائرنا القومية.
أراد سعاده للحزب السوري القومي الاجتماعي أن يغيّر وجه التاريخ… فإذا بنا أمام مجلس أعلى لا تتجاوز طموحات بعض أعضائه حدود التخطيط للسيطرة على مغانم الجلوس على كراسي السلطة. هذه السياسة العرجاء، وبالتحديد خلال السنتين الماضيتين، هي التي جرفت الحزب إلى هاوية اللاجدوى، وأخذت القوميين الاجتماعيين إلى حافة الاقتتال… وتكاد توصلنا جميعاً إلى التبدد الذي حذّرنا منه سعاده.
لندن في 3 تشرين الثاني 2018