1

القمحة المسوّسة!

بدأ موسم الحصاد، واجتمعت الآلافُ من حبّاتِ الحنطة في صفوف “بديعة النظام” والتنظيم، بانتظار اكتمال البيدر والتأكد إن كان حساب “السرايا ينطبق على حساب الكرايا”!.

وحدها “القمحة المسوّسة” وقفت جانبَ الحقل مطموزةً من منظر أخواتها “غريبات الشكل” اللواتي نجوْنَ من السوس بفضل صلابة بنيتهنّ، وقالت في نفسها: مسكينات أخواتي المريضات، فلابد أنهنّ ناقصات غذاءٍ وماءٍ وعناية حتى ظهرن على هذه الهيئة المثيرة للشفقة..!. ثم أضافت وهي تهرش رأسها المدوّد: لابد أن يتوجوني ملكة عليهنّ نظراً لفرادتي وتميزي حيث لم تتكمن سوى القليلات من الأخوات في هذا البيدر من الحصول على الدمغة السوداء التي خصّها بها السوس من بين ملايين القمحات!.

بحثت القمحة المسوّسة عن مثيلاتها في البيدر، ثم شكلت مجموعة منظمة من القمحات المسوّسات اللواتي تولينَ مهمة البحث عن الكيّال الأعور الذي يقدر قيمتهن الحقيقية ويعهد إليهن بمسؤولية قيادة ملايين القمحات في البيادر المجاورة اللواتي يلزمهنَّ الكثير من التدريب والمعالجة كي يتماثلن إلى الشفاء من مرض النصاعة والنقاء الذي ابتُلينَ به مثل الداء العضال!.

وقفت القمحة المسوّسة على المنبر تخطبُ بتابعاتها من الأخوات فقالت: إن الوقت قد حان لاسترداد الحقوق المهضومة وإعادة المجد للقمحات المسوّسة التي حولتها الأمثال الشعبية إلى مسخرة، واستهترت بأسعارها الأسواق كما شرشحها الفلاحون عندما خصصوها كعلف للطيور والدجاج.. وأضافت: لابد من وضع حد للإهانات التاريخية المتكررة التي لحقت بالأخوات المسوّسات عندما حظر الناس عليهنّ دخول المطاحن، وجعلوا آمالهن بالتحوّل إلى أرغفة شهية مجرد أضغاث أحلام… ثم ختمت القمحة المسوسة خطابها بالنداء: حان الوقت للنهوض من زرائب الحيوانات وأقفاص الطيور، نحو الحياة المثلى التي لابد ستتحقق بفضل عقولكنّ النيرة وسواعدكنّ القوية!.

انتهت الخطبة الحماسية التي ألقتها القمحة المسوسة من أجل شحذ الهمم، ثم انطلقت القمحات في كل اتجاه بحثاً عن الكيّال الأعور الذي سيتولى تحقيق آمالهن بعد طول انتظار.. مجموعة راحت باتجاه الحصادات، وأخرى ذهبت نحو فرز الحبوب عن القش، ومجموعة تفرغت لمراقبة تجهيز الشوالات قرب أكوام الحبوب..

لقد كانت دهشة القمحات المسوّسة كبيرة عندما شاهدنَ الكيّال المخلّص بميزات إضافية تجعل المهمة عليهنّ أسهل بكثير، فإضافة إلى كونه أعورَ كما تتطلب مجريات القصة، فقد تميز بأنه أكتعُ فاقدُ الذراع، وأفصعُ معطّل الرجل، وقد شهقت القمحات المسوّسات من حجم هذه الأعطية النادرة التي تعني عقد صفقة ثمينة مع هذا الكيّال الذي لن يتردد في الموافقة، كما تؤكد نبوءات الكتب القديمة التي وضعتها القمحات الجدّات!.

.. في الاجتماع الطارئ الذي جمع الكيال الذي وُصف بأنه “ثلاثة بواحد”، مع القمحة المسوّسة التي تسلمت زمام قيادة الأخوات المسوّسات، حضر ممثل عن السوس، وكانت الخطة تقضي بانتشار الأخوات السريع في البيادر المجاورة يساعدهنَّ جيش كامل من الحشرات بهدف كسب المواليات من أخوات الضفة الأخرى.. أما الكيّال: الأعور.. والأكتع.. والأفصع.. فتولى تعبئة القمحات المسوّسة في الشوالات الذاهبة إلى المطحنة لتتحول إلى أرغفة “شهية” في المستقبل، أما الأخريات فكان نصيبهن الأكياس المخصصة للعلف.. أثناء تلك العملية، كان الكيّال ثلاثيّ الأبعاد، يصرخ في وجه القمحات النضرات: باتجاه زرائب الطيور وحظائر الحيوانات.. أمااااام.. سِرْ!… عرفتوا كيف؟.