القضية أولا

image_pdfimage_print

القضية دائما أولا، ثم المؤسسات التي تنشأ لخدمتها. والقضية مبدأ وغاية، ثم حركة تنطلق من المبدأ، في خطة نظامية، لتحقيق الغاية. هذا هو التسلسل المنطقي: القضية، فالغاية، فالمؤسسة، فالنهج. ولكن ماذا يحدث حين يختل ميزان المنطق وتتخلى مؤسسة ما عن قضيتها؟ وقبل الإجابة عن السؤال ننوه أنه ليس من الضروري ان تعلن مؤسسة ما تخليها عن قضيتها. يكفي ان تنحرف عنها، او تهملها أو تفسد قياداتها، وفي نفس الوقت تبقى متمسكة، لفظا، بكل أدبيات القضية التي من أجلها تأسست المؤسسة.

يرى المراقب أنواعا من ردود الفعل لدى أعضاء مؤسسة انحرفت أو أهملت تحقيق غايتها. ردود فعل بداياتها واحدة، ولكن نهاياتها مختلفة. البداية هي عدم التصديق، فالغضب، فمحاولة الإصلاح فالفشل. ما يلي هذه الخطوات هو ما يختلف. فبعض الأعضاء يعود ويقبل بمنظومة الفساد ويحتضنها مروجًا لها ومدافعا عنها. بعضهم يرفض مشمئزًا صامتًا، أو معترضًا، داخل المؤسسة، مدركا أن صمته أو اعتراضه سيّان. بعضهم الآخر يرفض منكفئًا صامتًا خارج المؤسسة. وهناك من يرى فيرفض فيواجه فيُبعد فصلا أو طردًا وفي بعض الأحيان قتلا.

من يرفض مشمئزًا صامتًا داخل المؤسسة غالبا ما يعود وينتهي به الأمر إما قابلا محتضنًا للفساد، أو منكفئًا صامتا خارج المؤسسة. أما من بين الذين يُبعدون فهناك من ينكفئ وهناك من يواجه. قد تنتقل قلة من المنكفئين الصامتين إلى خندق المواجهة إذا قامت ظروف مناسبة. أما الذين يواجهون فغالبا ما يكون ذلك لإعادة المؤسسة إلى علّة وجودها، أي خدمة قضيتها. وهذه المواجهة ليست سهلة لأسباب سوف نحاول عرضها أدناه.

السبب الأول في صعوبة المواجهة أن عددًا كبيرًا من أعضاء المؤسسة يرى ان في انقسامها خطرًا أكبر من خطر الفساد الذي ينخرها. إنهم يرون معالجة الفساد ضمن الأطر القانونية أفضل بكثير من كسر هذه الأطر، بغض النظر عن كونها – الأطر – هي التي تحمي الخاطفين وتُستخدم سلاحا يقمع الإصلاح. السبب الثاني هو أن المؤسسة التي تتمتع بمبادئ حيوية صادقة وفعّالة لها القدرة على استقطاب الشباب. هؤلاء الشباب هم المصل الذي يُبقي الجسم المشلول حيًا إلى ان تنكشف الحقائق لهم، فيدخلون في الدوامة آنفة الذكر من صدمة فغضب فمحاولة إصلاح فيأس فثورة او انكفاء. السبب الثالث هو أن الأعضاء الذين يقررون المواجهة هم مثل قطعة مغناطيس قوية طالما هي ضمن النظام. ولكن بمجرد خروجها من النظام يصيبها ما يصيب المغناطيس إذ يتلقى ضربة تكسره فتصبح كل قطعة منه قطبًا يتنافر مع الأقطاب الأخرى. السبب الخامس هو أن عامل الجذب الأساس، القضية التي اجتذبت كل هؤلاء المخلصين، يضيع في خضم من المنافسات والآراء والمحاولات، فييأس من ييأس، ويندم من يندم. وتبقى القضية الخاسر الأكبر. العامل الأخير هو التسرع؛ التسرع في طلب النجاحات الآنية على حساب التخطيط والبناء طويلي الأمد.

إن ظاهرة اختطاف المؤسسات وتحويلها عن قضاياها الأساس هي ظاهرة تطوف العالم كله اليوم. وغالبا ما تموّه عملية الاختطاف هذه بطلاء من شعارات وعناوين براقة مأخوذة من لغة القضية التي قامت من أجلها المؤسسات. إنه لأمر لافت للنظر ان تكون مافيات الفساد التي تتحكم فينا من الزغروس الى المتوسط، هي التي تنيط بنفسها تعريف الفساد وكيفية محاربته، بالتحالف مع دول الفساد الكبرى الدولية منها والإقليمية!

الحزب السوري القومي الاجتماعي تأسس لخدمة القضية السورية. والقضية السورية، كيفما تهجيتها وجدتها ترقية حياة السوريين والمساهمة في ترقية الحياة الانسانية. مبادئ الحزب الأساسية تحدد القضية بكل تشعباتها الاجتماعية والحقوقية، أما نظرته وغايته، فهما المثل العليا، التي على السوريين – بدءا بأعضاء الحزب – العمل لتحقيقها وفق خطط وسياسات وبرامج ومشاريع. وهذا ليس كُرمى لعينيّ أنطون سعادة، بل لأن في تحقيقها حياة أفضل لهم ولأبنائهم وأحفادهم من بعدهم.

أين هي القضية السورية – قضية ترقية الحياة – في سياسات وخطط التنظيمات التي تحمل اسم الحزب السوري القومي الاجتماعي؟ لقد أصبح لكل تنظيم قضاياه الخاصة بالمسؤولين عنه، ومؤسسات هذه التنظيمات تعمل لحماية هذه القضايا الخاصة بشراسة واندفاع.

القضية أولا، والقضية السورية كيفما تهجيتها، هي ترقية حياة السوريين والمساهمة في ترقية الحياة الإنسانية.

 

 

في هذا العددنحو خطاب حزبيٍّ جديد ـأفكار أوَّليّةـ د عادل بشارة >>
0 0 votes
Article Rating

You may also like...

Subscribe
نبّهني عن
guest
1 تعليق
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
trackback
4 سنوات

[…] مقال سابق بعنوان “القضية أولا“، نشرناه في العدد الماضي من الفينيق، تطرقنا لعملية […]