العين المكسورة!
انكسرت العينُ يوماً، من كثرة التحديق باتجاه الأعلى ونحو الأفق. وعندما سقطت على الأرض تشظّت إلى قطعٍ صغيرةٍ تناثرت في المكان، حتى إنّ صوت ارتطامها سُمع في الأرجاء البعيدة، كأنّ انفجاراً ضخماً هزّ المنطقة!
البؤبؤ تفكّك إلى أجزاء، والشبكية تقطّعت أوصالها.. بياضُ العين أصبح أحمرَ من شدة النزف، والعدسة تجرّحت فتغبّشت الرؤيا وأصبح المشهد مثل الضباب.. الجسم الزجاجي للعين انكسر وصار نثاراً على البلاط.. الملتحمة تجزّأت وأصبحت أشلاءً، وتحولت القرنية إلى أقرانٍ صغيرةً وعاجزة عن الاقتران.. حدث كل ذلك بلحظة واحدة، كما طالت الأضرار الوجه إذ تشوّه وأصبح بعينٍ مقلوعةٍ تنزّ من محجرها الدماء!
حاولت العينُ بكل طاقتها جمع أجزائها المتناثرة لكن بلا فائدة، فقد ضاع بعضها في جغرافيا المكان، والبعض الآخر استولت عليه عيون أخرى اشتهرت بحسدها وعدائها لتلك العين المتحفّزة والمحدّقة على الدوام!
اجتمع مجلس الأمن ومنظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، كي يقنعوا العين المكسورة أن هذا هو شكلها الحقيقي وعليها الاكتفاء به نظراً لصعوبة استرجاع القطع الضائعة.. لكن العين رفضت وأصرّت على جمع شتاتها من دون نقصانٍ حتى ولو كان شعرة من الجفن!
بقية أعضاء الوجه حاولوا ترميم العين المكسورة ومساعدتها في العودة إلى محجرها والرؤيا من جديد.. الوجنتان والأنف والأذنان والعين الأخت والفم، جميعهم ترجلوا عن الوجه ليجمعوا القطع المتشظية، تساعدهم عيونٌ أتت من وجوه أخرى، لأن العيون أدرى بشعاب بعضها، وكُرمى لعينٍ من هذا النوع، يستنفر جيش من العيون، كما يقول المثل!
عيونٌ حزينة سكبت الدموع على الأشلاء كي تسهُل إعادة لحمها.. وأخرى جريئة حاولت مدّها بالقوة والمعنويات العالية كي تفتح جفنيها من جديد.. عيون ساهمة، شدّت من أزر الفُتات وقالت للعين: اصبري، إن ما يجري ليس نهاية الكون! العيون المتفائلة قالت لأختها ألاّ تحزن، فإن اضطر الأمر يمكن الاستعانة بنظارات تعيد النظر إلى وجهته الصحيحة بعد أن يتم تجميع الأجزاء. وحدها العيون الوقحة كان لها موقف مختلف، فقد رددت بشماتة: هذا مصير العيون التي تسوّل لها نفسها الخروج من المحاجر بهذا الشكل!
الجميع حاولوا تجميع قطع العين المكسورة، من دون جدوى، ففي كل مرة كان الناتج لا يمتّ للعين بصلة، كأن العملية لعبة “بازل” شديدة الصعوبة.. ومما زاد في تعقيد الأمر أكثر، ضياع أجزاء أساسية من حطام العين بشكل أثر على مظهرها وأدائها في العمل.
العيون الذكية قالت: لنعد بهذه الشظايا إلى محجرها في الوجه كي نكتشف القطع الناقصة فنضمن سلامة التركيب.. ورغم أن هذه العملية كانت تتم بلا تخدير أو بنج، إلا أن العين المكسورة لم تتأوه أو تصرخ من شدة الوجع، حتى إن حدقتها استمرت في النظر والتمعّن بالمحيط كأن شيئاً لم يكن.
.. في محجر العين، اكتشف الجميعُ النقص الحاصل في خريطة العين المشوّهة: قطعة كبيرة في الأعلى شمال الحاجب.. وقطعة في الأدنى جنوب الجفن.. وأخرى باتجاه اليمين شرقي الصدغ.. إضافة إلى قطعة تشبه النجمة مسؤولة عن لمعان العين وبريقها الساحر..
العين المكسورة بقيت ترفرف بقوة مصرّةً على التحديق.. تريدُ استرجاع الكلّ. عرفتوا كيف؟