الشام والرهان على الحضارة-نورس ديب
لا يمكن لأي سوري أصيل أن يشاهد ما يحضل على الساحة السورية بشكل عام والشامية بشكل خاص، إلا وتدمع عيناه لما يجري على أرض الوطن وللمعاناة التي يقاسيها السوريون هناك على كل المستويات، سياسية، اقصادية واجتماعية. ولا شك في أن أخبار التدهور الاقتصادي الذي يعاني منه السوريون تؤلم كل السوريين المنتشرين حول العالم.
والشعور الأصعب من هذا كله هو شعور العجز حيال ما يجري. فللأسف، ليس بإمكان السوريين المقيمين في الخارج أن يفعلوا شيئًا سوى إرسال بعض النقود والتي بات إيصالها عملًا شبه مستحيل بسبب العقوبات الاقتصادية المجحفة المفروضة على الشعب السوري في الشام وعلى رأسها قانون “قيصر”.
في اتصال مع أحد الأصدقاء، تساءلت عن حل لهذه المأساة المستمرة منذ عشرة أعوام والتي ما انفكت تزداد سوءًا مع زيادة الضغط والحصار. أجاب الصديق بأن لكل شيء نهاية وحذرني من كثرة انتشار الإشاعات في هذه المرحلة من عمر الأزمة، وأردف الصديق قائلًا أن بلادنا عمرها اَلاف السنين وقد قاست ما قاسته من حروب وغزو وتدمير وتهجير، وما تزال.
لقد زرع جواب الصديق بعض الأمل في نفسي. فبالعودة إلى تاريخ أمتنا نجد أن السنين العشر العجاف التي مرت علينا ما هي إلا “رفة عين” في حسابات تاريخنا، وأن العذابات والمصاعب التي قاسينا وما زلنا ما هي إلا جزء صغير مما قاساه شعبنا على مر التاريخ. إلا أن السؤال الأبرز الذي توارد إلى ذهني هو عن كيفية امتلاك قراراتنا ومنع الأمم الأخرى من التلاعب فينا حسب مصالحها؟ الإجابة، في رأيي، تبدأ بوعينا لذاتنا والتمسك بقيمنا ومبادئنا.
في حديث سابق، أخبرني الصديق نفسه بأن المبادئ في حياتنا تعمل عمل المرساة في السفينة. إنها تؤمن الاستقرار. فكلما اضطربنا، علينا بإنازل مرساة مبادئنا واتخاذ قراراتنا بناءَ على هذه المبادئ وليس بناءً على مصالح اَنية. أتذكر هذه القول جيدًا عندما أرى البعض مما أضاعوا بوصلتهم وجرفتهم الأحداث الدائرة في وطننا للتنازل عن مبادئهم أو المساومة عليها. هؤلاء يشبهون الورق الأصفر المتساقط والمتحلل، وهكذا سيكون حال كل من راهن على الأميركي والتركي، لا بل حتى “الإسرائيلي” وغيرهم من القوى الساعية إلى دمار بلادنا والسيطرة عليها. هؤلاء سيمرون مرور اللئام على تاريخ أمتنا، أما من صمد وقاوم وضحى، فسيكون لهم الصدر في تاريخ هذه الأمة.