السياسة اللبنانية العوراء – جبران باسيل، نجم المهجر الساطع، نموذجاً-صوفي نادر
ترأس وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل ونظيره البلجيكي ديديه ريندرز في تاريخ 14 أيار الجاري في بروكسل، المؤتمر الدولي الوزاري لحماية ضحايا أعمال العنفين الإثني والديني في الشرق الأوسط.
يعتبر هذا المؤتمر الثالث بعد مؤتمر باريس عام 2015 الذي ترأسته فرنسا والمملكة الأردنية، ومؤتمر مدريد عام 2017 الذي ترأسته إسبانيا والمملكة الأردنية. وفي كلا المؤتمرين السابقين كانت التوصيات تتعلق بحماية المتضررين من الصراع في المنطقة ومنع التطرف والإرهاب ومحاكمة الجناة وتأمين عودة المهجرين وتعزيز الوضع الأمني، وإلى ما هنالك من أمور أمنية شاملة تعنى بالمنطقة بمجملها.
وخلافاً لما سبقه، يأتي المؤتمر الثالث في بروكسل تحت عنوان أكثر تخصصاً، وهو حماية الأقليات في المنطقة، والتأكيد على ضرورة الحفاظ عليها والعمل على المصالحة بين كافة الأطراف، والمضي في مكافحة داعش لمنع عودة إيديولوجيات التعصب والعنف.
الأقليات الاثنية والدينية: ويبدو للوهلة الأولى أن ليس هناك أفضل من الجمهورية اللبنانية والممكلة البلجيكية لتمثيل هذه الفكرة، حيث يتصف التوجه السياسي الداخلي لهاتين الدولتين بمحاولة توافق جميع الأطراف وتعزيز فكرة التنوع ومن ثم بناء سياستيهما على أساس الخاصية وليس الشمولية، أي على أساس فردية المواطنة وليس شموليتها.
أما اللقاء الذي جرى عقب المؤتمر وجمع الوزير باسيل مع الجالية اللبنانية في بلجيكا، في حفل استقبال دعت إليه السفارة اللبنانية، فجاء تعبيراً عن التناقضات التي “يتمتع” بها باسيل و”يتمتع” بها الكثير من السياسيين اللبنانيين الذين، كما ذكرت، يبنون توجهاتهم على التفرقة وليس على الوحدة.
وبكل “فخر واعتزاز” يوضح الوزير سبب تواجده في العاصمة البلجيكية، ويعلن عن جهوده التي يبذلها في سبيل حماية الأقليات في لبنان والحفاظ على مصالحها. ثم يمضي إلى القول إنه ما من أكثرية في لبنان بل ثمّة “أقليات” فقط لا بد من الدفاع عنها.
دون التطرق لا من قريب ولا من بعيد لمفهوم المواطنة الشاملة التي من المفترض أن يتمتع بها الفرد.
ثم بعد أن عبر عن فخره باللبنانيين المتواجدين في الخارج وأثنى على مشاركتهم في الانتخابات اللبنانية الأخيرة، أبدى لهم أسفه على اغترابهم وعلى تواجد الأجنبي في الوطن بدلا عنهم. مشيرا إلى أنه كان لهذا الموضوع حصة الأسد في محادثاته، حسب قوله، التي أجراها مع الجانب البلجيكي، حيث توجّه للأوروبيين أجمعين معلناً أن سياستهم في المنطقة خاطئة – مشيرا إلى السياسة الأوروبية في الحفاظ على سلامة المهجرين السوريين- وأن على مواطني الكيان الشامي العودة الفورية إلى ديارهم لأن بلدهم أصبح آمنا، وما من سبب يحتم عليهم البقاء في الكيان اللبناني. وكما لو أن سياسة حماية الأقليات لا تنطبق على المواطن الشامي والأقليات الشامية غير المعترف بها وبخاصيتها.
ولعل المفارقة الأكثر إثارة للاهتمام جاءت حين دعا الوزير المواطن اللبناني لأن يكون لديه ولاء أعمى لوطنه، في الوقت الذي يجب ألاّ يتوقف عن المطالبة بالكهرباء والماء والطبابة والتعليم، كما عليه ألا يتذمر من زحمة المرور وانعدام قوانين السير، لأنها أمور “غير هامة”، فالولاء هو الأهم.
وهنا، كوني مواطنة لبنانية، أتوجه مباشرة إلى جبران باسيل طالبة منه تعريف الولاء بالنسبة له، وكيف يمارِس هو هذا الولاء لوطنه الذي يعتز به؟؟ أولا يتصف ولاؤه بالتمسك بخاصيته الدينية، أولا يتميز ولاؤه بالعنصرية والامتناع عن حماية جيرانه؟ أولا يتمثّل ولاؤه بالعمل على تقسيم “وطنه الغالي” إلى مناطق ذات ميزات طائفية وشرذمته إلى مجموعات و”أقليات”؟ بدل من أن يدعو إلى انصهار تلك “الأقليات” (إن وُجدت) في متحد مجتمعي متراص واحد.
الولاء غير المشروط يا معالي الوزير يبدأ بالحفاظ على المواطن والوطن دون تعزيز التفرقة، العمل على تأمين كافة مصالحه العامة ومستلزمات حياته. وإذا كنت لا تعلم يا معالي الوزير أقول لك إن الكهرباء والماء والطبابة والتعليم وقوانين السير وما شابه كلها تندرج تحت موضوع الولاء للوطن والعيش فيه بعزة وكرامة. والولاء للوطن يحتم عليك اعتبار المواطن مواطناً أياً تكن الأقلية التي ينتمي إليها. وحفاظك على شمولية المواطن يعني حفاظك على كل خاصية يتمتع بها وإعلاء شأنها.
كنت أود يا معالي الوزير أن أسمعك تتكلم عن هذه المفاهيم لكي يلتف حولك كافة اللبنانيين المتواجدين في المهجر، الذين، وهذا للذكرى فقط، لم يهجروا بسبب السوريين الذي قدموا إلى لبنان و”احتلوا” أراضيه، إنما هُجِّروا بسبب سياسات التفرقة التي ما فتئ يمارسها الساسة اللبنانيون أمثالك، على حساب الوطن والمواطن، ومن ثم تزيدون في سن القوانين لتكريسها فتعززوا الأقليات وتسحقوا المواطن تحت عبء الكراهية والامتعاض من الأوضاع.
بالرغم من كل ذلك، أقر وأعترف أنك نجم ساطع في المهجر. فاللبنانيون أتوا بهدف الالتفاف حولك لالتقاط الصور التذكارية، وللمس أذيال ثوبك فتباركهم. وبفعلهم هذا يكرسون معنى الطاعة الذي تنشده، ويبايعونك الولاء للعمل على تعميق مفهوم “أقلياتهم” أيا كانت، تماما كما تعمل أنت. ولو وعوا بالفعل معاني الكلمات التي بها تفوهت لانتفضوا.
إنما ما العمل امام تأثير نجمك الساطع؟؟؟