الجولان ـ حسان يونس

image_pdfimage_print

كانت الجولان، مع شن إسرائيل لحربها الشاملة عام 1967، على رأس أهداف الاحتلال العسكري الإسرائيلي الذي قام بفرض السيطرة العسكرية على ثلثي مساحة الجولان في عملية أدت إلى تهجير أكثر من 130 ألف سوري (ويصل حاليا لنصف مليون) وبقاء أقل من ستّة آلاف نسمة من السوريين بعد الاحتلال، أي 5 بالمئة فقط من عدد السكان الأصليين. وركزت العمليات الإسرائيليّة بالأساس على تدمير واسع النطاق بحيث لم تُبقِ إسرائيل بعد الحرب عام 1967 في الجولان سوى سبع قرى فقط من أصل 139 قرية سورية، و61 مزرعة كانت تابعة لأصحابها السوريين قبل الحرب

قام الكنيست الإسرائيلي في كانون الأول عام 1981 بإقرار قانون الجولان، وفرض الإدارة والقانون والقضاء الإسرائيليين على الهضبة المحتلة، أمر رفضه مجلس الأمن في قراره رقم 479 الصادر في السابع عشر من الشهر نفسه، والذي أكّد عدم جواز الاستيلاء على الأراضي بالقوة. لكن سكان قرى الجولان حسموا منذ بدايات الاحتلال مصيرهم بالبقاء على تواصل مع الوطن الأم سوريا، وتجلى ذلك في العصيان المدني والإضراب الشامل في نيسان عام 1982 الذي انتهى تموز من العام نفسه بالتمرد على حكومة الاحتلال التي حاولت فرض الجنسية الإسرائيلية عليهم، فدفع السكان البالغ تعدادهم اليوم 25 ألفا ثمن رفضهم للجنسية والولاء الإسرائيلي بالانتقاص من حقوقهم وحرمانهم من مقدرات الجولان وموارده الطبيعية، ومنع لم شمل العائلات أو الزواج أو الدراسة بالجامعات، وسلبت عقاراتهم الثابتة والمنقولة فوظفت للاستيطان والعسكر، ووضعت كافة موارد ومقدرات الجولان تحت تصرف الاقتصاد الإسرائيلي.

كما منعت إسرائيل الزيارات لسوريا حتى تشرين الأول 1991، حين خففت من القيود المفروضة والحظر عقب مفاوضات مدريد للتسوية السياسية بالشرق الأوسط، وسمحت بالزيارات لأربعة أيام فقط لرجال الدين لإقامة الشعائر الدينية والحالات الاستثنائية.

يعيش سوريو الجولان اليوم في ما يشبه بالغيتوهات السكنية، أي بناء عامودي في مناطق سكنية محاصرة جُغرافيًا أو شبه مُغلقة، غالبًا ما يحدّها مناطق حدودية وحقول ألغام، وأراض تابعة للمستوطنات الإسرائيلية أو أحراش وحدائق قومية إضافة إلى أوامر هدم البيوت التي يتم إصدارها على مدار العام بحق السكان السوريين المحليين. فبحسب إحصائيّات المركز العربي لحقوق الإنسان في الجولان، أصدرت وزارة الإسكان الإسرائيلية أكثر من ألف وخمسمائة أمر هدم بين عام 1983 (قرار ضم الجولان لإسرائيل) وعام 2014.

يتجلى الخبث الإسرائيلي في التعامل مع سوريي الجولان على عدة مستويات أحدها إعادة توطين بعض سوريي الجولان على أراضي سوريين نازحين عن الجولان منذ العام 1967. ففي العام 2014 أعلن المجلس الإقليمي الإسرائيلي للجولان، وهي هيئة إقليمية تدير وتنظّم جميع المستوطنات والقرى السورية في الجولان المًحتل بناءً على أوامر الحكومة، أعلن عن نيّته حل جزء مما أطلق عليه اسم “أزمة المسكن” في قرية مجدل شمس، ونقل حوالي ألف دونم من مناطق جباثا الزيت (أي مستوطنة “نافيه أتيف” اليوم) وضمّها إلى الخطة الهيكلية لقرية مجدل شمس بهدف بناء مشروع حي سكني جديد حمل اسم “نيو مجدل”. إن توطين سكان مجدل شمس السوريين على أراضي جباثا الزيت التابعة لسكان سوريين (والذين نزحوا بغالبيتهم إلى الداخل السوري عام 1967 جرّاء الاحتلال الإسرائيلي ولا زالوا ينتظرون ممارسة حقّهم الطبيعي والعادل بالعودة إلى أرضهم)، يعني أن الإسرائيلي يدفع بسوريي الجولان إلى الانخراط مثلهم في مشروعهم الاستيطاني لسلب أراضي سوريين آخرين، بينما من جانب آخر يريد اعتبارهم دخلاء على هذه الأرض. نرى هذا الخبث الإسرائيلي الذي يعمل على ضرب المكونات السورية ببعضها ووضع الفتائل بينها تمهيدا لإشعالها لاحقا، نراه ينعكس في قرار الكونغرس الأمريكي حول الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، إذ نجد أن نص القرار يعتبر أن ” الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان هو عقوبة ديبلوماسية لـ “نظام الأسد” على “قتل المدنيين، والتطهير العرقي للسنة السوريين، واستخدام أسلحة الدمار الشامل”. وفي مستوى آخر من الخبث الإسرائيلي لا تفرض إسرائيل على السكان حمل الجنسية الإسرائيلية لأنها تفضل وصفهم بـ “المقيمين” مزيلة عنهم صفة أصحاب الأرض الأصليين، الأمر الذي ينسجم مع مشروع يهودية إسرائيل وينفتح على مشروع صفقة القرن كما هو سار كذلك على سكان القدس الذين تعتبرهم مقيمين فيها، وليسوا أصحاب الأرض .

حبل السرة لم ينقطع

إن الدورة الاقتصادية الاجتماعية التي تربط أبناء الجولان مع وطنهم الأم سورية لم تنقطع منذ الاحتلال الإسرائيلي العام 1967. فقد استمرت واتخذت أشكالا عدة كتسويق تفاح الجولان في الأسواق السورية منذ عقدين بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر في خطوة داعمة للمزارعين في الجولان من أجل تسويق منتجاتهم إبان الاضطرابات التي شهدتها فلسطين في العام 2000. وكان قد سبق إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن الجولان منع الحكومة الإسرائيلية مطلع آذار الماضي مزارعي التفاح في الجولان من تصدير إنتاجهم في هضبة الجولان إلى وطنهم الأم سوريا، علما أن عمليات التصدير توقفت خلال السنوات الخمس الماضية بسبب الحرب في وعلى الكيان الشامي. كما استطاعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر تسهيل مرور مئات الطلبة من الجولان الى دمشق لإتمام دراستهم في الجامعات السورية وتأمين عودتهم إلى الجولان بعد انتهائهم، وهي تعمل على تأمين عبور رجال الدين لزيارة الأماكن الدينية وزيارة أقاربهم، بالإضافة إلى تنظيم نوع من لم الشمل من خلال تأمين عبور العرائس للقاء أزواجهن. ففي عام 2003 تجمعت حشود كبيرة من أبناء محافظتي دمشق والقنيطرة والمحافظات المجاورة عدة أيام عند نقطة العبور في مدينة القنيطرة المحررة ، لوداع سبع عرائس من الجولان كن في طريقهن للقاء أزواجهن في الجزء المحتل من المرتفعات السورية. تكرر هذا الطقس الوطني بالغ الرمزية في عامي 2008 و2011.

.

كما نفذت اللجنة الدولية في الماضي برنامجاً للزيارات العائلية سمح لأفراد العائلات بالالتقاء في سورية مرة في السنة لمدة أسبوعين. لكن هذا البرنامج توقف فجأة في عام 1992. أما بالنسبة لبقية السوريين المقيمين في الجولان فتعمل اللجنة الدولية مع السلطات الإسرائيلية والسورية على جانبي المنطقة المنزوعة من السلاح الخاضعة لمراقبة الأمم المتحدة على تمكين السكان من العبور – ذهاباً وإياباً – لأغراض الدراسة وتأدية الشعائر الدينية بالإضافة إلى تنسيق زيارة المحتجزين وتبادل الوثائق الرسمية ورسائل الصليب الأحمر حيث تنقل اللجنة الدولية الوثائق الرسمية مثل شهادات التوكيل والميلاد والوفاة والزواج ووثائق الملكية بين الجولان المحتل وسائر المناطق في سورية يضاف إلى هذا التواصل الاجتماعي الاقتصادي المتنوع إنشاء موقع “المدوّن” السوري يجمع أكثر من 150 مدونة باللغتين العربية والإنكليزية، وإطلاق حملة للتدوين حول الجولان السوري المحتل لمدة أسبوع بدءا من 15 كانون الأول 2008 تاريخ ضم الجولان من قبل الاحتلال الإسرائيلي. بعد مرور أكثر من ربع قرن على الاحتلال الإسرائيلي للجولان دعا الموقع جميع المدونين السوريين للمشاركة بهذه الحملة التي حملت عنوان “الحريّة للجولان المحتّل” .

أهمية الجولان

إن الأهمية الأمنية المتعددة الجوانب والأهمية الاقتصادية التي يمثلها الجولان بالنسبة لإسرائيل تتصاعد تدريجيا. إن إسرائيل تستثمر كروم العنب في الجولان لإنتاج أفخم أنواع النبيذ فيشكل إنتاج هذه المنطقة منه 21 في المئة من مجمل الإنتاج الإسرائيلي. كما يؤمن الجولان 40 في المئة من لحوم البقر، بالإضافة إلى نصف حاجاتها من المياه المعدنية العذبة، عدا عن الاستثمار الإسرائيلي في السياحة وتحديدا في منصات التزلج وعن بدء التنقيب عن النفط فيه. كما أن الوضع الاستراتيجي للجولان تغير بعد الحرب السورية فهو لم يعد فقط حاجزا أمنيا بين الجيش السوري وإسرائيل بل أصبح الآن كذلك حاجزا أمنيا في مواجهة التواجد العسكري الإيراني في الجنوب السوري. ولم تعد معادلة الأرض في مقابل السلام ذات جدوى بالنسبة لإسرائيل بسبب افتقار الدولة السورية لأوراق الضغط التي كان يمثلها دعمها للمقاومة الإسلامية في جنوب لبنان وبسبب الاستنزاف العسكري خلال الحرب المستمرة في وعلى الكيان الشامي . يضاف إلى ذلك أن الجولان يوفر نوعا آخرا من الأمن بالنسبة إلى الدولة العبرية بخلاف أمنها العسكري، اذ يقع الجولان السوري المحتل اليوم في قلب أمن إسرائيل المائي باعتبار ان ثلث إمدادات المياه الإسرائيلية يأتي اليوم من مرتفعات الجولان، وهي حصة لم يعد بمقدور إسرائيل الاستغناء عنها في ظل التزايد المطّرد في استهلاكها من المياه.

الموقف مما حدث

في خضم الانقسام السوري الحاد العمودي والأفقي بين أطياف المجتمع السوري حول مجمل القضايا والملفات المطروحة منذ ثماني سنوات، جاءت قضية الجولان لتوحد الرأي العام السوري حول الرفض والاستهجان لقرار الرئيس الأمريكي بشأن الجولان. فكانت البداية في مجلس الأمن حيث ناقش مجلس الأمن الدولي، في آذار الماضي، وبطلب من البعثة السورية الدائمة لدى الأمم المتحدة، قرار الولايات المتحدة الأمريكية بالاعتراف بسيادة “إسرائيل” على مرتفعات الجولان السوري. لكن قضية الجولان أصبحت متخمة بالقرارات والمواقف الدولية فهناك قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي تدعو الفقرة الأولى منه بوضوح إلى “انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية” من المناطق المحتلة خلال حرب الأيام الستة، وهي شبه جزيرة سيناء والضفة الغربية ومرتفعات الجولان. كما يدعو قرار مجلس الأمن رقم 338 الذي مُرر خلال حرب 1973، الأطراف المتنازعة إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 242 “بجميع أجزائه”. أما قرار مجلس الأمن رقم 497 فيذهب إلى أبعد من ذلك ويسلط الضوء بوضوح على عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي للجولان قائلا: “يعتبر قرار إسرائيل بفرض قوانينها وسلطاتها وإدارتها في مرتفعات الجولان السورية المحتلة مُلغًى وباطلا ومن دون فعالية قانونية على الصعيد الدولي”.

كما أن الإدارة الأمريكية في زمن الرئيس رونالد ريغان (وهو يميني متطرف) احتجت على قيام إسرائيل عام 1981 بفرض الولاية الإسرائيلية على الجولان، وقامت بتعليق اتفاقية تعاون إستراتيجي مع تل أبيب والتصويت على قرار الأمم المتحدة رقم 497 دون أن يؤدي ذلك إلى أي تغيير في سياسات الضم الإسرائيلية. لذا يبدو أن لجوء الدولة السورية إلى مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة هو أضعف الإيمان الذي تمارسه دول افتقدت أوراق القوة وأصبحت ورقة أو مجموعة أوراق بيد مجموعة أطراف إقليمية ودولية .

.

في هذا العدد<< افتتاحية ملف الجولان ـ صوفي نادرمن الجولان وفلسطين إلى ميثاق الامم المتحدة: معركة واحدةـ مقابلة مع البرفسور رودلف القارح >>
0 0 votes
Article Rating

You may also like...

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments