1

التفكير الممنوع – رئيس التحرير

منذ أيام، نشرت الفينيق بياناً وصلها من مجموعة إعادة البناء تحت عنوان بيان الاستقالة وقد أثار هذا البيان عدداً من ردود الفعل بين مؤيد ومعارض وساخر ومتألم. غير أننا نرى أن معظم هذه الردود قد أخطأ الهدف من البيان.

بعض ردود الفعل التي قرأناها على بيان الاستقالة، تمحور حول موضوع الانتخابات في الشام وضرورة دعم الرئيس بشار الأسد بناء على ما تم إنجازه خلال الحرب، كما أشار بعض المعلقين إلى ثغرات لم يتم تلافيها في الشام خاصة على صعيد انتعاش الخطاب الديني وزيادة سيطرته عوضاً عن تحقيق مبدأ فصل الدين عن الدولة حيث كانت الفرصة سانحة لذلك، واتخذت تلك الردود من مهاجمة وزير أوقاف الشام للوحدة السورية خير دليل على هذا الأمر، كما تحدث البعض عن التدخلات التي تتم في أمور الحزب الداخلية الأمر الذي أدّى إلى تفاقم أزمته.. وطالب البعض الآخر بالتريث لحين بلوغ الحزب السوري القومي الاجتماعي القوة التي تؤهله للمنافسة.. أما تعليقات أخرى فقالت إن بيان “الاستقالة” جاء من قبيل “خالف تُعرف” من أجل جذب أصحاب الآراء المختلفة.. في حين طالب آخرون أن يقوم القوميون بإيجاد قيادات كفؤ قبل الانشغال بالقيادات عند سواهم..

إن الغرض من البيان، كما فهمناه، لم يكن مناقشة سجل الرئيس بشار الأسد وحزب البعث العربي الاشتراكي بما له وما عليه بل طرح عدد من الأسئلة التي لا غنى عنها:

  • أين هو برنامج الحزب السوري القومي الاجتماعي للوصول إلى الشعب؟
  • هل يمكن لحزب يقول إن غايته هي إنقاذ القضية القومية ألاّ يضع برنامجا يقدمه للشعب لإنقاذ هذه القضية؟
  • إذا كان بناء قوة الحزب هو شرط ضروري لدخوله حلبة المنافسة السياسية، هل يمكن بناء قوة للحزب فيما هو يتماهى مع طروحات منافسيه؟ ألا يجب تقديم برنامج عمل مميز ومتميز لاستقطاب الشعب؟

مع الأسف، إن الصراع الداخلي على السلطة يمنع قيادات الحزب من وضع مثل هكذا برامج عمل وبناء القدرات التي تؤمن تحقيق غاية الحزب. وقد عبّرنا في مقالات سابقة عن هذه الظاهرة بأنها صراع بين “حزب الحزب وحزب السلطة.” بل يمكننا الحكم انطلاقا من النتائج، أن قيادات حزب السلطة المتتالية منذ عقود، لم ترد بناء هكذا قدرات وفضلت الاستكانة إلى الدعم الخارجي من هذا الممول أو ذاك مع ما يعني هذا من ارتهان في القرار السياسي لهذا الممول أو ذاك.

إن ما قرأناه في البيانين اللذين أصدرهما المركزين المسميين بالحزب السوري القومي الاجتماعي، وما تلاهما من تشكيل “ماكينة انتخابية” في تنظيم الروشة دعما لترشيح الرئيس الأسد يدعو للحيرة والتساؤل. لماذا تَصْرِف قيادة أحد التنظيمات كل هذا الجهد في تنظيم ماكينة انتخابية يشارك فيها رئيسها وأعضاء مجلسه الأعلى والمغتربات، في انتخابات من المرجح أن يفوز فيها الرئيس بشار الأسد بالتزكية، في حين لم نشاهد أية برامج قومية استراتيجية خاصة أن  البلاد والحزب يمران في واحدة من أكثر المراحل كارثية في تاريخ كل منهما!

بالنسبة إلى ردود المعترضين. ما نستنتجه أن التفكير على مستوى قضية الحزب والبرامج والخطط والقدرات المطلوبة، ممنوع داخل الحزب. وهو ليس ممنوعاً من القيادات فقط، بل هو قائم كمنع ذاتي حتى بين المخلصين وأصحاب النوايا الطيبة. إن الذي يسخر من هكذا طرح، أو الذي يقول إنه طرح شعبوي، أو الذي يسأل عن الدوافع والغايات من ورائه، لا يريدون التفكير في “المهمة الأساسية” التي أقسموا اليمين على تحقيقها، ويريدون منع سواهم من ذلك!

وبعد،

لقد سلّمت قيادات الحزب المتتالية أوراقه، أقله منذ سبعينات القرن الماضي لـ “حلفاء” فكان دائما في موقع الحليف الضعيف التابع. وكان، كلما استعر الصراع بين حلفائه، أو داخل تركيباتهم الأمنية، انعكس ذلك على الحزب انشقاقات ودم غالٍ. واليوم، مع الاستمرار في هذه السياسات، وقيام بعض ممن يسمون أنفسهم قوميين بوصف قوميين آخرين بأنهم “يهود الداخل”، نخشى أننا نسير نحو حمام دم جديد.

نحن نقول، ولا نخجل، إن البيانين اللذين قرأناهما من المركزين لا يشكلان سوى تقديم أوراق اعتماد لمدة ست سنوات قادمة قابلة للتجديد. ونقول، بكل أسف، إن هذا يعني عدم التفكير الجدي بما هو مطلوب من الحزب السوري القومي الاجتماعي لكي يصبح فعلا “حركة الشعب العامة”، كما تخيله سعاده، وسيبقى ألعوبة بيد حلفاء أقوياء لهم عقيدتهم وغايتهم وأهدافهم.

هذه هي المادة التي يجب ان تكون محور تفكير القوميين عوضاً من منعها ومحاربتها.